صدرت موازنة العام الحالي متأخرة، وأمَّا عن مستوى الشفافية، فقد شهد هذا العام تراجعًا غير مسبوق في مستوى شفافية الموازنة العامة للدولة، التي لم تصدر مؤشراتها سوى بعد منتصف يونيو 2015، ولم تتح على موقع وزارة المالية فعليًّا إلا بعد مرور أسبوع كامل من السنة المالية 2015/ 2016.
ربما أخطر ما تواجهه صناعة سياسية مالية هو عدم تحديد مستهدفات واقعية قابلة للتحقيق يمكن مساءلة الحكومة عليها. ومن هذا المنطلق أصدرت المبادرة المصرية ورقة عن البيان المالي للموازنة العامة للدولة ٢٠١٥-٢٠١٦ تحمل عنوان استهداف عجز أقل ونمو أعلى .. كيف يتحقق هذا التناقض؟! ويبدو أن أحد المشاكل الرئيسية في الإدارة المالية للحكومات المتعاقبة هو بعد المسافة بين المتوقع أو المستهدف كما تعكسه الموازنة من ناحية والمتحقق فعليًّا كما يعكسه الحساب الختامي من ناحية أخرى. فيجب ألَّا تكون الموازنة العامة للدولة مجرد أداة تبث شعورًا غير واقعي بالتفاؤل لتحقيق أغراض سياسية لأنها على المدى البعيد من هذا قد تأتي بنتائج على عكس المتوقع منها.
وعن مستوى مضمون السياسة المالية كما تعكسها الموازنة فلا جديد يذكر في هذا العام، تفاقم فى المدينوية وآمال فى النمو لملاحقة الدين العام، ولكن مع استهداف تخفيض عجز الموازنة العامة. بقيت السياسة الضريبية تميل إلى الاعتماد على الضرائب غير المباشرة بما لها من آثار سلبية على الفقراء، واستهداف النمو يبقى كما هو مثل عصر ما قبل 25 يناير 2011، وقد فات التوقعات المتفائلة أن كثيرًا من الظروف تبدو متغيرة، فالتضخم تتسارع وتيرته، وفوائد الديون وبخاصة المستحقة للبنك المركزي نفسه تبقى مرتفعة، بشكل يكبل النمو ويعيق استهداف العجز كذلك. ومن ناحية أخرى فهناك تراجع فى مخصصات المستحقات الدستورية في التعليم والصحة بشكل يؤكد على رؤية الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية بالحد من الإنفاق على الخدمات الأهم فى حياة المواطن وبخاصة الأكثر فقرًا.
أمَّا الجديد الذى شهدته موازنة العام المالي الحالي فهو محاولات تحسين صورة عجز الموازنة العامة للدولة من خلال التسويات الحكومية مع الهيئات ذات الطبيعة الخاصة، مثل البنك المركزي وهيئة المجتمعات العمرانية، دون تغير واضح فى طبيعة إدارة الاقتصاد ككل بنظرة شاملة.
وتعول الحكومة على القطاع الخاص في النهوض بتحقيق النمو، دون توفير متطلبات تحقيقه، من استثمارات حكومية في البنية التحتية وبيئة تشريعية وسياسية مستقرة كذلك.
تناقضًا كبيرًا حملته الموازنة هذا العام بين آمال فى النمو وتنمية الإيرادات الضريبية، في نفس الوقت الذي تتخذ إجراءات لتخفيض سعر الضريبة وتقديم المزيد من الحوافز الضريبية للقطاع الخاص. ولا زال الفقراء يتحملون العبء الرئيسي في محاولات تخفيض عجز الموازنة وتخفيض الإنفاق العام.
وعام تلو الآخر والمشاكل كما هي، والميل يزداد إلى تقليص دور الإنفاق العام فى دفع النمو، مع أهميته لعدم وجود نمو بل تنمية عادلة.
للقراءة والتحميل اضغط هُنا