الفصل التاسع: الإفراجُ عن المسجونين، الإفراجُ تحت شرطٍ، والإدماجُ في المجتمع
الإفراج عن المسجونين
الإفراج عن المسجونين هو خروج المحكوم عليه من مكان إيداعه حال إتمامه مدة عقوبته، وهو إفراج نهائي، أما الإفراج الشرطي فهو الإفراج عن المحكوم عليه بعد أن يكون قد قضى ثلثي مدة العقوبة المحكوم بها عليه، وإعفاؤه من قضاء الثلث الباقي من تلك المدة وذلك بفرض شروط عليه، ولا يكون الإفراج نهائيًّا إلا بعد انتهاء مدة العقوبة كاملة، ثلثيها داخل السجن والثلث بالخارج ملتزمًا بما يفرض عليه من شروط.
وقد جاء تنظيم الإفراج عن المسجونين والإفراج الشرطي بقانون تنظيم السجون بست عشرة مادة تبدأ من المادة رقم 49 وتنتهي بالمادة رقم 64 منه، كما جاء تنظيم هذا الأمر باللائحة الداخلية للسجون بالمادتين أرقام 86 و88 إلا أنه لم ترد أي نصوص تتعلق بهذا الأمر بلائحة السجون المركزية.
ويفرج عن المسجون وفقًا للقانون (المادة 49 و50 و51) ظهر اليوم التالي لانتهاء مدة عقوبته، ويجوز لإدارة السجن أن تعطي المسجون بناءً على طلبه استمارة سفر إلى بلده أو إلى أي جهة أخرى يختارها تكون أقرب من بلده داخل البلاد، وتقرر بالقانون أنه إذا لم يكن للمسجون ملابس أو لم يكن في قدرته الحصول عليها صرف ملابس له عند الإفراج عنه، حددتها اللائحة الداخلية للسجون بملابس داخلية وخارجية وحذاء للرجال، وملابس داخلية وخارجية وغطاء رأس وحذاء للنساء.
أما الإفراج تحت شرط فقد جاء تنظيمه بقانون تنظيم السجون بثلاث عشرة مادة تبدأ من المادة رقم 52 وتنتهي بالمادة رقم 64، بالإضافة إلى ذلك نظمت المادة رقم 86 من اللائحة الداخلية للسجون هذا الأمر، وقد وضع بالقانون واللائحة شروط الإفراج الشرطي، وآثاره، وإنهاؤه حيث وضعت المواد{ 52، 56 } ثلاثة شروط موضوعية للإفراج تحت شرط وهي:
- أن يكون المحكوم عليه قد أمضى في السجن ثلثي مدة العقوبة1.
- أن يكون سلوكه في السجن يدعو إلى الثقة بتقويم نفسه وألا يكون في الإفراج عنه خطر على الأمن العام.
- أن يكون قد أوفى بالالتزامات المالية المحكوم بها عليه وذلك ما لم يكن من المستحيل الوفاء بها.
وبالإضافة إلى الشروط الموضوعية للإفراج الشرطي، حدد قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية شروطًا أخرى إجرائية تتعلق بالجهة التي تملك إصدار الأمر بالإفراج الشرطي، وهي حسب ما جاء بالمادة 53 من قانون تنظيم السجون مصلحة السجون بأمر يصدر من مدير عام السجون، ويجوز بعد أخذ رأي جهات الأمن المختصة الإفراج تحت شرط عن المحكوم عليهم في الجرائم المضرة بأمن الحكومة من الداخل والخارج، والمحكوم عليهم بالسجن المشدد أو السجن في جرائم القتل العمد وجرائم التزييف والقبض على الناس دون وجه حق والسرقة وتهريب النقد وجرائم المخدرات، والمحكوم عليهم في جرائم المخدرات بعقوبة الحبس إذا كان قد سبق الحكم عليهم في جرائم مماثلة.
وعن آثار الإفراج الشرطي فإن قانون تنظيم السجون قرر أنه لا يترتب على الإفراج الشرطي انتهاء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها، وإنما ما يترتب عليه هو إعفاء المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة داخل السجن. وتكون هناك شروط وقيود يبينها الأمر الصادر بالإفراج، تفرض على المحكوم عليه، يلتزم بها خلال المدة الباقية من العقوبة المحكوم بها، ولا يكون الإفراج نهائيًّا إلا بعد انتهائها، والشروط تخص على سبيل المثال تحديد محل إقامة المفرج عنه شرطيًّا ومواعيد تواجده خارجها، ولا بد أن يكون حسن السير والسلوك.
أما عن انتهاء الإفراج الشرطي فإنه ينتهي لسببين، إما أن تنتهي مدة الإفراج الشرطي _المدة الباقية من العقوبة_ دون أن يُخلَّ المفرج عنه بالالتزامات والشروط المفروضة عليه، وبالتالي يكون قد قضى عقوبته كاملة ويكون مفرجًا عنه نهائيًّا، وإما بإلغاء القرار الصادر بالإفراج الشرطي وإعادة المحكوم عليه إلى السجن لإخلاله بتلك الالتزامات والشروط. ويجوز أيضًا إلغاء الإفراج الشرطي إذا حُكم على المفرج عنه في جناية أو جنحة من نفس نوع الجريمة المحكوم عليه بها في السابق إذا لم يكن قد مضى خمس سنوات من تاريخ الحكم السابق.
ومن عيوب نظام الإفراج تحت شرط في القانون المصري إعطاء سلطة إصدار الإفراج الشرطي لجهة الإدارة أو لمدير عام مصلحة السجون، ولذلك لا بد من تعديل هذا الأمر وجعل هذا الاختصاص لجهة قضائية احترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات وضمانًا لحقوق المحكوم عليه وحماية له من تعسف جهة الإدارة.
الاندماج في المجتمع
أما بعد خروج المسجون من مكان احتجازه، فلم تعطِ التشريعات والسياسات المصرية اهتمامًا كافيًا لاحتياجات السجناء السابقين لمساعدتهم في الاندماج في المجتمع، وجدير بالذكر أنه كان قد صدر قرار عن رئيس مجلس الوزراء يحمل رقم 2904 لسنة 2010 بإنشاء 2"مجلس المشاركة المجتمعية لدعم المسجونين والمفرج عنهم وأسرهم" إلا أن هذا المجلس لم يحدث أن تشكَّل حتى تاريخه، ولم يجتمع، ولم يقم بأي نشاط مما تحدد له القيام به بقرار رئيس مجلس الوزراء دون أي أسباب معلنة لعدم حدوث ذلك.
وكان من المفترض أن يقوم هذا المجلس بإصدار توصياته بالأغلبية المطلقة في تفعيل مسارات التعاون والتنسيق مع الأجهزة الحكومية المختلفة والسجون في مجالات التدريب والتوعية والثقافة والتأهيل المهني والإنتاج للمسجونين والمفرج عنهم وأسرهم.
بالإضافة إلى تطوير مجالات التعاون بما يتناسب والسياسة العقابية الحديثة واقتراح سبل التعاون مع الهيئات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وتنسيق جهودها وأنشطتها لصالح المسجونين والمفرج عنهم وأسرهم.
وكذلك إعداد الدراسات والبحوث العلمية والتطبيقية ذات الصلة بالسجناء والمفرج عنهم بالتنسيق مع المؤسسات العلمية المتخصصة واستثمار جهود المنظمات الدولية والإقليمية في هذا المجال.
ودعم قدرات وتنمية مهارات موظفي السجون في مهمة تأهيل النزلاء وفقًا لمفاهيم السياسة العقابية الحديثة، والارتقاء بسياسات التعليم والخدمات الاجتماعية والنفسية بالسجون بمختلف أنواعها.
على أن يكون ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية تأكيدًا للدور التكاملي لأجهزة الدولة في هذا المجال، ودعم السجون بالإمكانيات المادية والتقنية بما يكفل استمرار تطويرها وتوفير مصادر التمويل اللازمة لذلك، واقتراح البرامج التي تكفل اندماج المسجون تدريجيًّا في المجتمع من خلال برامج تمهيدية للإفراج يبدأ تنظيميًّا داخل السجن أو عقب الإفراج عنه.
ومشاركة المفرج عنهم الذين سبق استفادتهم من برامج التأهيل بالسجون في جهود مؤسسات المجتمع المدني في تأهيل السجناء اجتماعيًّا وثقافيًّا ومهنيًّا، وتغيير نظرة المجتمع إلى المفرج عنهم من خلال إرساء وترسيخ ثقافة مجتمعية تهدف إلى الدعوة لرعاية أسر نزلاء السجون أثناء تنفيذ العقوبة، والعمل على توفير فرص عمل للمفرج عنهم.
الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:
تنص القاعدة رقم 81 من قواعد نيلسون مانديلا على ضرورة أن تكون هناك إدارات وهيئات حكومية أو خاصة تساعد المفرج عنهم على الاندماج من جديد في المجتمع وأن تسعى هذه الإدارات والهيئات إلى جعلهم يحصلون على وثائق وأوراق الهوية الضرورية التي يحتاجون إليها، على سبيل المثال شهادات الميلاد، والبطاقات الشخصية، إلخ. ويجب على تلك الهيئات أن تسعى إلى مساعدة المفرج عنهم للحصول على المسكن والعمل المناسبين، وعلى توفير كل سبل العيش لهم بعد إطلاق سراحهم مباشرة. ويجب أن يكون متاحًا للمسؤولين عن عملية اندماج المفرج عنهم إمكانية دخول السجن والالتقاء بالسجناء، ويجب أن يستشاروا بشأن مستقبل السجين منذ بداية تنفيذ عقوبته، ويستحسن أن تكون أنشطة الهيئات المذكورة مركزة أو منسقة بقدر الإمكان حتى ينتفع بجهودها على أفضل وجه.
على خلاف القانون المصري، اهتمت المعايير الدولية بالعلاقات الاجتماعية والرعاية بعد السجن. ولو كان "مجلس المشاركة المجتمعية لدعم المسجونين والمفرج عنهم وأسرهم" قد تشكل بالفعل وقام بمهامه لاستطعنا القول إن القانون المصري لا يخالف القواعد النموذجية الدنيا في معاملة السجناء في هذا الأمر، ولكن للأسف الشديد فإن قرار تشكيل هذا المجلس لم يخرج إلى حيز التنفيذ ولم يشكل المجلس وبالتالي فإننا لا زلنا نبتعد عن تطبيق ما جاء بالقواعد النموذجية الدنيا في هذا الأمر.
المراجع:
- تم تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 49 لسنة 2014 وكانت قبل التعديل ثلاثة أرباع مدة العقوبة.
- الوقائع المصرية بالعدد رقم 262 بتاريخ 13 نوفمبر سنة 2010