الفصل السابع: معاملة النساء السجينات
لم يُعِرْ المشرع المصري بقانون تنظيم السجون ولا باللوائح الداخلية مسألة الاحتياجات الخاصة للسجينات الاهتمام الكافي، إلا في بعض الأمور الطفيفة المتعلقة بمعاملة السجينة الحامل والموضحة لاحقًا، ويلاحظ أن القواعد القانونية المقررة بالقوانين واللوائح تسري على جميع السجناء رجالًا ونساء دون الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة للنساء السجينات ودون مراعاة النوع الاجتماعي. على سبيل المثال، لا يشترط قانون السجون واللائحة الداخلية على ضرورة تواجد حارسات في جميع أماكن الاحتجاز للنساء، فالنساء الذين يحتجزون بالسجون المركزية من مراكز شرطة وأماكن حجز ملحقة بأقسام الشرطة تكون حراستهم من حراس رجال، إذ أنه لا يعمل بهذه الأماكن موظفات من النساء. الاختلاف الرئيسي في تشريعات السجون الخاصة بوضع النساء السجينات هو وضع السجينات الحوامل والمرضعات.
معاملة السجينة الحامل
وقررت المادة 19 من القانون أن تعامل المسجونة الحامل معاملة "طبية" خاصة من حيث الغذاء والتشغيل والنوم منذ ثبوت حملها بتقرير طبي، وإلى أن تضع مولودها ويمضي أربعون يومًا على الوضع. كما قررت وجوب أن يبذل للأم وطفلها العناية الصحية اللازمة من الغذاء والملبس المناسب والراحة، ولا يجوز حرمان المسجونة الحامل أو الأم من الغذاء المقرر لها لأي سبب كان.
وبرغم نص تلك المادة على معاملة المسجونة الحامل معاملة طبية خاصة من حيث الغذاء والتشغيل والنوم منذ ثبوت حملها بتقرير طبي فإن قرار وزير الداخلية رقم 468 لسنة 2017 في شأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم قد قرر مقررات غذائية للسجينات الحوامل منذ الشهر الثالث وليس منذ ثبوت الحمل وقرر مقررات غذائية للمرضعات.
وأضافت المادة 20 من القانون أن يبقى مع المسجونة طفلها بحضانة السجن حتى يبلغ من العمر أربع سنين على أن تلازمه خلال العامين الأولين، فإن لم ترغب في بقائه معها أو بلغ هذه السن، سُلِّم لمن له الحق في حضانته قانونيًّا، فإذا رفض سلم لمن يليه، فإذا رفض جميع من لهم الحق في حضانته قانونيًّا وجب على مأمور السجن إيداعه إحدى دور الرعاية المختصة وإخطار الأم المسجونة بمكانه وتيسير رؤيتها له في أوقات دورية على الوجه الذي تبينه اللائحة الداخلية.
وتقرر اللائحة المذكورة بجواز إحضار الطفل للسجن مرتين في الشهر على الأكثر متى طلبت المسجونة ذلك ولم يكن هناك مانع صحي، وتتم الزيارة في غير المكان المعد للزيارة العادية بحضور إحدى موظفات السجن ولمدة لا تتجاوز نصف ساعة، ولا تمنع هذه الزيارة لأي سبب يتعلق بسلوك الأم داخل السجن، وتتم الزيارة بمكان الزيارة العادية وبمواعيدها بعد إتمام الطفل اثنتي عشرة سنة.
وقد راعى المشرع المصري بنص الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون بعد تعديلها بالقانون رقم 6 لسنة 2009 أن المحكوم عليها الحامل، تحتاج إلى رعاية صحية خاصة تتناسب مع ظروفها، وضرورة توفير كل سبل الراحة، وتقديم الوجبات الغذائية التي تتناسب مع حالة الحمل. ولكن المشرع أغفل النص على إعطاء تلك المميزات للمحبوسات احتياطيًّا من النساء الحوامل، ولم ينص صراحة على ضرورة أن توجد في مؤسسات النساء أماكن خاصة مجهزة بكل ما هو ضروري لرعايتهن، قبل الوضع وبعده بما في ذلك وجود أطباء نساء وولادة، كما أغفل وجوب الحرص قدر المستطاع على اتخاذ التدابير اللازمة لإتمام عملية الوضع في مستشفى خارج السجن.
وأغفل المشرع أيضًا ضرورة عدم ذكر ميلاد الطفل في السجن-إن حدث ذلك – بشهادة الميلاد، كما لم يهتم المشرع بالنص على وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لإنشاء دار للحضانة بها موظفون مؤهلون،حيث يوضع بها الأطفال عندما لا يكونون في رعاية أمهاتهم.
وما زال القانون المصري يسمح باستخدام أدوات التقييد مثل الكلبشات مع السجينات الحوامل وهذا إجراء محظور بالمعايير الدولية.
ولا توجد أي نصوص في القوانين المصرية لضمان استنفاذ كل التدابير العقابية اللا احتجازية قبل وضع النساء الحوامل والأمهات في السجون، ولا يوجد تشريع يحظر الحبس الاحتياطي للنساء الحوامل أسوة بما هو مقرر بقانون الطفل من عدم جواز حبس الأطفال الأقل سنًّا من خمسة عشر عامًا احتياطيًّا ومن الضروري النص على ذلك واتخاذ تدابير أخرى غير الحبس الاحتياطي للنساء الحوامل.
الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:
وقد رأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بجلستها العامة 71 المنعقدة بتاريخ 21 ديسمبر 2010 أن القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء- قبل تعديلها- تسري على كل السجناء دون تمييز، لذلك يجب أن تؤخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة لجميع السجناء بمن فيهم السجينات، والواقع الذي يعيشونه عند تطبيقها، ورأت أن هذه القواعد المعتمدة منذ أكثر من 50 عامًا لم تنَلْ القدر الكافي من الاهتمام والاعتبار بالنسبة إلى الاحتياجات الخاصة للنساء، وأنه بات من الضروري والمُلح زيادة توضيح الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها في معاملة السجينات، فوضعت مجموعة من القواعد أطلق عليها "قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات (قواعد بانكوك)" ولا تَحَلُّ تلك القواعد بأي حال من الأحوال محل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء كما جاء بمقدمتها، لذلك تظل جميع الأحكام الواردة بالقواعد النموذجية الدنيا سارية على جميع السجناء دون تمييز، وجاءت "قواعد بانكوك" لتوضح جزءًا منها بقدر أكبر الأحكام الحالية الواردة في القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء من حيث انطباقها على السجينات، وليضع جزء آخر قواعد جديدة مكملة لما جاء بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء خاص بالسجينات .
كما عنيت قواعد بانكوك بوضع مجموعة من التدابير غير الاحتجازية بأن أوصت بوضع الدول في إطار النظم القانونية الداخلية خيارات تراعي النوع الاجتماعي بشأن تدابير إحالة المحكوم عليهن إلى برامج إصلاح خارج نطاق السجون المغلقة مع مراعاة ما تعرض له العديد من المحكوم عليهن من إيذاء في السابق.
وقد جاءت قواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحتجازية للمجرمات (قواعد بانكوك) وأولت اهتمامًا واضحًا بالنظافة الشخصية للسجينات و بخدمات الرعاية الصحية والفحص الطبي عند دخول السجن والصحة العقلية والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وتوفير العلاج والدعم للمصابين به و ببرامج العلاج من تعاطي المواد المؤثرة في الحالة النفسية وبمنع الانتحار وإيذاء النفس و بخدمات الرعاية الصحية الوقائية والسلامة والأمن والمتمثل في عمليات التفتيش والتأديب والعقاب و أدوات تقييد الحرية وتزويد السجينات بالمعلومات وحقهن في الشكوى وزيارات التفتيش وباتصالهن بالعالم الخارجي كما اهتمت بموظفي سجون النساء وتدريبهم والسجينات القاصرات.
كما وضعت مجموعة من القواعد للتطبيق على فئات خاصة من السجينات وهن السجينات اللواتي صدر ضدهن أحكام، والحوامل والأمهات المرضعات والأمهات اللواتي يرافقهن أطفالهن في السجن، والسجينات الأجنبيات، ونساء الأقليات ونساء الشعوب الأصلية، والموقوفات أو المحتجزات رهن المحاكمة.
عدم التمييز لا يعني الأخذ في الاعتبار احتياجات النساء السجينات
جاء بقواعد بانكوك أنه من أجل تطبيق مبدأ عدم التمييز الذي تجسده القاعدة 6 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء تؤخذ الاحتياجات المميزة للسجينات في الاعتبار عند تطبيق هذه القواعد. ولا ينظر إلى التدابير المتخذة لتلبية هذه الاحتياجات من أجل تحقيق مساواة فعلية بين الجنسين على أنها تنطوي على تمييز.
الاهتمام بكافة التفاصيل الخاصة بالنساء منذ لحظة دخولهن السجن
وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة قواعد بانكوك واهتمت بكافة التفاصيل الخاصة بالنساء السجينات منذ لحظة دخولهن السجن حيث قررت القاعدة الثانية أنه يجب إيلاء اهتمام كافٍ للإجراءات المتعلقة بدخول النساء والأطفال السجن نظرًا إلى قابلية التضرر بوجه خاص في ذلك الوقت، ويجب توفير تسهيلات للسجينات اللواتي دخلن السجن حديثًا تمكنهن من الاتصال بأقاربهن، وإتاحة إمكانية الحصول على المشورة القانونية، وتزويدهن بمعلومات بشأن قواعد السجن ولوائحه، والنظام المتبع فيه والأماكن التي يستطعن فيها التماس المساعدة إذا ما احتجن إليها بلغة يفهمونها، وإتاحة إمكانية اتصال النساء الأجنبيات بممثلي قنصلياتهن بالإضافة إلى ضرورة السماح للنساء العائلات لأطفالٍ قبل أو عند دخولهن السجن برعاية أطفالهن بوضع ترتيبات تمكنهن من ذلك.
-
السجلات
اهتمت القاعدة رقم 3 من قواعد بانكوك بالسجلات حيث جاء بها أن يسجل عدد أطفال النساء اللواتي يدخلن السجن وبياناتهن الشخصية عند دخول السجن على أن تظل جميع المعلومات المتعلقة بهوية الأطفال سرية، ولا تستخدم إلا بما يخدم مصلحة الطفل.
-
قرب السجون من موطن النساء السجينات
وعن أماكن احتجاز النساء تقرر بالقاعدة رقم 4 أن تُودَع السجينات حيثما كان ذلك ممكنًا في سجون قريبة من ديارهن أو من مراكز التأهيل الاجتماعي، أخذًا في الاعتبار المسؤولية عن رعاية أطفالهن وخياراتهن الشخصية وما يتوافر من برامج وخدمات ملائمة لهن.
-
ضرورة أن يكون موظفو سجون النساء من النساء
تقرر بالقاعدة رقم 53 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء أنه في السجون المختلطة، المستخدمة للذكور والإناث معًا، يوضع القسم المخصص للنساء من مبنى السجن تحت رئاسة موظفة مسؤولة تكون في عهدتها مفاتيح جميع أبواب هذا القسم، وأنه لا يجوز لأيٍّ من موظفي السجن الذكور أن يدخل قسم النساء ما لم يكن مصحوبًا بموظفة أنثى.
وأن تكون مهمة رعاية السجينات والإشراف عليهن من اختصاص موظفات السجن النساء حصرًا. على أن هذا لا يمنع الموظفين الذكور، ولا سيما الأطباء والمعلمون، من ممارسة مهامهم المهنية في السجون أو أقسام السجون المخصصة للنساء.
-
الرعاية الصحية مع مراعاة النوع الاجتماعي
في سجون النساء، يجب أن تتوفر المنشآت الخاصة الضرورية لتوفير الرعاية والعلاج قبل الولادة وبعدها ويجب، حيثما كان ذلك في الإمكان، اتخاذ ترتيبات لجعل الأطفال يولدون في مستشفى مدني وإذا ولد الطفل في السجن، لا ينبغي أن يذكر ذلك في شهادة ميلاده، وأن تتخذ التدابير اللازمة لتوفير دار حضانة مجهزة بموظفين مؤهلين، يوضع فيها الرضع خلال الفترات التي لا يكونون أثناءها في رعاية أمهاتهم حين يكون من المسموح بقاء الأطفال الرضع إلى جانب أمهاتهم في السجن.
كما تقرر بالقواعد أرقام 28، 29 من قواعد نيلسون مانديلا أن تُزوَّد سجون النساء بالمرافق الخاصة الضرورية لتوفير الرعاية والعلاج قبل الولادة وبعدها وأن تُتَّخذ - حيثما أمكن- ترتيبات لولادة الأطفال في مستشفى خارج السجن وفي حالة ولادة طفلٍ داخل السجن، لا يُسجَّل ذلك في شهادة الميلاد.
وأن يُستند في اتخاذ قرار بشأن السماح للطفل بالبقاء مع أحد والديه في السجن إلى مصلحة الطفل الفُضلى. وفي حال السماح ببقاء الأطفال في السجن مع أحد الوالدين، تُتَّخذ ترتيبات لتأمين:
- مرافق داخلية أو خارجية لرعاية الأطفال يقوم عليها أشخاص مؤهَّلون يودع الأطفال فيها عندما لا يكونون تحت رعاية والديهم.
- خدمات رعاية صحية خاصة بالأطفال، بما في ذلك الفحص الصحي عند الدخول ورصد نموهم باستمرار من قِبَل متخصِّصين.
ويجب ألا يعامَل الأطفال الذين يرافقون أحد والديهم في السجن إطلاقًا كسجناء.