الفصل الحادي عشر: التفتيش والإشراف القضائي

يتناول هذا الفصل التفتيش والإشراف القضائي، وتأتي أهمية هذا الفصل لكون التفتيش والإشراف القضائي من أهم وأكثر الوسائل فاعلية في تحسين مستوى السجون والحد من التعذيب وسوء المعاملة بداخلها، بشرط أن يكون تفتيشًا حقيقيًّا وإشرافًا قضائيًّا فعليًّا يجعل العاملين بالسجون دائمًا تحت أعين جهات أعلى تستطيع محاسبتهم في حال وقوع أي أخطاء أو تجاوزات.

وقد جاء التفتيش بالفصل الرابع عشر بالمادتين أرقام 83 و 84 من القانون وتحدث المشرع بهاتين المادتين عن أن يكون لمصلحة السجون مفتشين ومفتشات للتفتيش على السجون للتحقق من استيفاء شروط النظافة والصحة والأمن داخل السجن، ومن تنفيذ كافة النظم الموضوعة للسجن. ويرفع المفتشون تقاريرهم إلى مدير عام السجون، كما تقرر أنه للمحافظين حق دخول السجون الكائنة في دوائر اختصاصهم في كل وقت، وعلى إدارة السجن أن تبلغ الملاحظات التي يدونونها إلى مدير عام السجون. ويعد التفتيش الذي يتم من قِبَل مفتشين ومفتشات مصلحة السجون تفتيشًا داخليًّا، وهو في الواقع العملي لا يهتم باستيفاء شروط النظافة والصحة كما ينص القانون، فالاهتمام الوحيد لهؤلاء المفتشين والمفتشات هو استيفاء شروط الأمن فقط والتأكد من عدم وجود ممنوعات، أما تفتيش المحافظين على السجون فهو لا يحدث مطلقًا على أرض الواقع بالرغم من النص على حقهم في التفتيش في القانون.

أما الإشراف القضائي على السجون فهو حاليًّا يستمد أساسه من المادتين 55 و56 من دستور 2014 ومن المواد 40، 41، 42، 44 من قانون الإجراءات الجنائية والمواد 1 مكرر، 85، 86 من القانون رقم 396 لسنة 1956 الصادر بتنظيم السجون، والمعدل بالقانون رقم 57 لسنة 1968. و بمقتضى المادتين 280، 281 من قانون العقوبات والمادة 27 من قانون السلطة القضائية كما نظم هذا الإشراف المواد 1747، 1748، 1749، 1750 من التعليمات العامة للنيابة العامة.

فقد نص دستور مصر الحالى الصادر في 2014 بالمادة 55 على أن:


"كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًّا وصحيًّا، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر عن محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه".

كما جاء بنص المادة 56 من نفس الدستور أن :


"السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائى، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم".

 

ونصت المادة 42 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "لكلٍّ من أعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية، زيارة السجون العامة والمركزية الموجودة في دوائر اختصاصهم، والتأكد من عدم وجود محبوس بصفة غير قانونية، ولهم أن يطَّلعوا على دفاتر السجن وعلى أوامر القبض والحبس وأن يأخذوا منها صورًا، وأن يتصلوا بأي محبوس ويسمعوا منه أي شكوى يريد أن يبديها لهم"

كما نصَّت المادة 27 من قانون السلطة القضائية على أن تتولى النيابة العامة الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية، ويحيط النائب العام وزير العدل بما يبدو للنيابة العامة من ملاحظات في هذا الشأن، هذا فضلًا عن مراقبة ومراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح، واتخاذ ما يرونه لازمًا بشأن ما يقع من مخالفات، وقبول شكاوى المسجونين وفحص السجلات والأوراق القضائية الخاصة، للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة.

وأوجب القانون على مدير السجن أو مأموره أن يوافيهم بجميع ما يطلبونه من البيانات الخاصة بالمهمة الموكول إليها القيام بها، وتقديم كل مساعدة لحصولهم على المعلومات التي يطلبونها.

وقد جاء النص على الإشراف القضائي بقانون تنظيم السجون بالمادتين أرقام 85 و86 وقد جاء بهما أنه للنائب العام ووكلائه في دوائر اختصاصهم ورؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق ولرئيس ووكيل محكمة النقض حق الدخول في جميع أماكن السجن في أي وقت للتحقق من:

1- أن أوامر النيابة وقاضي التحقيق في القضايا التي يندب إلى تحقيقها وقرارات المحاكم يجري تنفيذها على الوجه المبين فيه.

2- عدم وجود شخص مسجون بغير وجه قانوني.

3- عدم تشغيل مسجون لم يقضِ الحكم الصادر ضده بتشغيل.

4- عزل كل فئة من المسجونين عن الفئة الأخرى ومعاملتهم المعاملة المقررة لفئتهم.

5- أن السجلات المفروضة طبقًا للقانون مستعملة بطريقة منتظمة.

6- وعلى العموم مراعاة ما تقضي به القوانين واللوائح واتخاذ ما يرونه لازمًا بشأن ما يقع من مخالفات.

ولهم قبول شكاوى المسجونين وفحص السجلات والأوراق القضائية للتحقق من مطابقتها للنماذج المقررة، وعلى مدير السجن أو مأموره أن يوافيهم بجميع ما يطلبونه من البيانات الخاصة بالمهمة الموكل إليهم القيام بها، وعلى إدارة السجن أن تبلغ الملاحظات التي يدونونها إلى المدير العام.

ومما جاء بالقانون عن التفتيش والإشراف القضائي، نستطيع القول إن القانون المصري اقتصر على إعطاء القضاة وأعضاء النيابة العامة بعض الاختصاصات التي لا ترقى إلى مرتبة الإشراف القضائي الكامل على السجون، ولا يمكن وصفه بأنه إشراف قضائي على تنفيذ العقوبات، وإنما مجرد اختصاص يعطي الحق للقضاء والنيابة بالتفتيش على السجون للتأكد من أمور محددة.

وحتى هذه الاختصاصات فإنها منقوصة لقصر حق الإشراف القضائي المنصوص عليه في المادة 85 من القانون على أماكن الاحتجاز التي يصدر بتحديدها قرار عن وزير الداخلية إلى النائب العام أو من ينيبه من رجال النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل، وبالتالي فإنه هناك أماكن احتجاز، كمقرات أمن الدولة ومعسكرات الأمن المركزي… وغيرها ليس من حق رؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق ورئيس ووكيل محكمة النقض وأعضاء النيابة الأقل درجة من رئيس، الإشراف عليها.

ومن المعلوم أن التفتيش والإشراف على السجون من أهم الضمانات إن لم تكن أهمها لتحسين أوضاع المحتجزين وضمان مراعاة حفظ حقوق المساجين الإنسانية، ونحن نرى أنه من الضروري إنشاء آلية مستقلة للتفتيش على السجون وأماكن الاحتجاز وتتشكل هذه الآلية من شخصيات قانونية وحقوقية ومتخصصين في حقوق الإنسان والقانون الجنائي، وأطباء بمن فيهم مِن أطباء نفسيين وأطباء شرعيين، ومندوبين عن منظمات المجتمع المدني، واختصاصيين اجتماعيين. ولا يجوز للهيئة أن تضم في عضويتها أيًّا من العاملين بمنظومة العدالة الجنائية (وتشمل جميع هيئات القضاء والشرطة والسجون)، أو أي ممثل للسلطة التنفيذية.

ومن الأدوار التي تقوم بها هذه الآلية القيام بزيارات دورية معلنة وغير معلنة إلى أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز الخاضعة لأيٍّ من الأجهزة الأمنية والتنفيذية، بما في ذلك السجون الخاضعة لوزارتي الداخلية والدفاع وأقسام الشرطة ومقرات جهاز الأمن الوطني والأجهزة الأمنية الأخرى، بالإضافة إلى المؤسسات العقابية للأحداث التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وتشمل هذه الزيارات الوقوف على أوضاع جميع العنابر والعيادات وزنازين الحبس الانفرادي والاطلاع على السجلات ومقابلة جميع الأشخاص الذين تريد مقابلتهم من مسئولين ومحتجزين، ولها الحق في إجراء المقابلات في خصوصية ودون وجود شهود، وتقديم التوصيات والتقارير عن الأوضاع في الأماكن المشار إليها. وتقوم الآلية بعمل تحليل مستقل لنظام الاحتجاز، وتسعى إلى الردع الذي ينطلق من احتمالات كشف الانتهاكات والممارسات السلبية.

الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:

جاء ذكر التفتيش بقواعد نيلسون مانديلا تحت عنوان عمليات التفتيش الداخلية أو الخارجية بالقواعد أرقام 83، 84، 85 وقد جاء فيها:

ضرورة أن يتضمن نظام عمليات التفتيش المنتظمة في السجون وأماكن الاحتجاز عنصرين للتفتيش يتمثلان في عمليات تفتيش داخلية أو إدارية، تقوم بها الإدارة المركزية للسجون، وعمليات تفتيش خارجية تقوم بها هيئة مستقلة عن إدارة السجن، ممَّا قد يشمل هيئات دولية أو إقليمية مختصَّة.

وفي كلتا الحالتين، يكون الهدف المنشود من عمليات التفتيش هو ضمان توافق أسلوب إدارة السجون مع القوانين واللوائح التنظيمية والسياسات والإجراءات القائمة بغية تحقيق أهداف المرافق العقابية والإصلاحية، وضمان حماية حقوق السجناء.

ويجب أن يتمتع المفتشون بصلاحيات الاطِّلاع على جميع المعلومات المتعلقة بأعداد السجناء وأماكن الاحتجاز ومواقعها، إلى جانب جميع المعلومات ذات الصلة بمعاملة السجناء، بما في ذلك سجلاتهم وظروف احتجازهم، كما يجب أن يتمتعوا بحرِّية اختيار السجناء الذين يريدون زيارتهم، بما في ذلك القيام بزيارات غير معلنة، بمبادرة منهم، واختيار السجناء الذين يريدون إجراء مقابلات معهم، وإجراء مقابلات على انفراد وفي سرِّية تامة مع السجناء وموظفي السجن أثناء الزيارات، وعليهم تقديم توصيات إلى إدارة السجن وغيرها من السلطات المختصَّة.

ويجب أن تتكون فرق التفتيش الخارجي من مفتِّشين مؤهَّلين وذوي خبرة تعيِّنهم سلطة مختصَّة، وتشمل اختصاصيين في الرعاية الصحية. ويُولى الاعتبار الواجب للتمثيل المتوازن بين الجنسين.

ويجب أن يُقدَّم عقبَ كلِّ تفتيش تقريرٌ كتابي إلى السلطة المختصَّة. ويُولى الاعتبار الواجب لإتاحة الاطلاع العام على تقارير عمليات التفتيش الخارجي بعد استبعاد أيِّ بيانات شخصية تتعلق بالسجناء ما لم يُبدوا موافقتهم الصريحة على ذلك، وعلى إدارة السجن أو غيرها من السلطات المختصَّة، حسب الاقتضاء، أن توضح في غضون فترة زمنية معقولة، ما إذا كانت ستنفِّذ التوصيات المنبثقة عن التفتيش الخارجي.