الحلقة الثانية :استراتيجيات الطاقة والكهرباء

أطلقت مصر عام 2015 "إستراتيجية التنمية المستدامة 2030"، وتضمنت الرؤية الإستراتيجية لقطاع الطاقة أن "يكون قطاع الطاقة قادرًا على تلبية كافة متطلبات التنمية الوطنية المستدامة، وتعظيم الاستفادة الكفء من مواردها، وتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة، مع تحقيق ريادة في مجالات الطاقة المتجددة".

وحددت الاستراتيجية كذلك 6 أهداف لتحقيق رؤيتها المستدامة لقطاع الطاقة في مصر وهي:

  1.  ضمان أمن الطاقة،
  2. زيادة مساهمة قطاع الطاقة في الناتج المحلي،
  3. تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية للطاقة،
  4. تعزيز الإدارة الرشيدة والمستدامة للقطاع،
  5. خفض كثافة استهلاك الطاقة،
  6. الحد من الأثر البيئي للانبعاثات بالقطاع.

وتسلط هذه الحلقة الضوء على خطة الحكومة المتعلقة باختيارات مزيج الطاقة لتحقيق امن الطاقة، في محاولة بحث مدى توافق الخطط مع رؤية الدولة لقطاع الكهرباء، ومحاولة تقييمها في السياق المصري.

ضمان أمن الطاقة

  • جاء على رأس أهداف إستراتيجية التنمية المستدامة ضمان أمن الطاقة. أمن الطاقة يتضمن "توفرها بشكل ثابت للجميع بسعر معقول".
  • من أهم عناصر برنامج تطوير الإستراتيجية لضمان أمن الطاقة تحديد نسب مزيج الوقود اللازمة لإنتاج الطاقة.
  • حددت وثيقة إستراتيجية الطاقة لعام 2030 التي أطلقت عام 2015 المزيج المستهدف لإنتاج الكهرباء. وفي عام 2016 أعلن وزير الكهرباء عن تعديلات في مزيج الكهرباء ضمن إستراتيجية الطاقة لعام 2035، ووفقًا لتصريحات الوزير، فإن هذا التحديث لن يكون الأخير نظرًا إلى التغيرات الاقتصادية المتعاقبة.

مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء

  • مزيج الطاقة هو مجموعة المصادر الأولية للطاقة التي نستخدمها لتلبية احتياجاتنا من الكهرباء.
  • من أهم شروط اختيار عناصر مزيج الطاقة توفر مصادرها الأولية وامتلاك تقنيات توليد الكهرباء منها واستقلاليتها وكذلك كلفتها الاقتصادية واستدامتها البيئية.
  • يرتبط هدف تحقيق أمن الطاقة أيضًا بالهدف الثالث في الإستراتيجية وهو تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية للطاقة.

مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء في إستراتيجية 2030

تقدر التوقعات أن يبلغ إجمالي القدرات الاسمية للكهرباء، 125 جيجاوات بحلول العام 2030، وذلك بحساب معدل سنوي لزيادة نمو الطلب على الكهرباء يتراوح بين 7% إلى 8%، طبقًا للإستراتيجية ستتراجع مساهمة البترول والغاز الطبيعي في المزيج إلى 27%، بقدرات اسمية متوقعة حوالي 33.75 جيجاوات. وهي أقل من القدرات الحالية، ما قد يعني عدم بناء محطات جديدة والتوجه نحو إحلال مصادر أخرى للطاقة.

يستهدف المزيج إدخال الفحم والطاقة النووية في مزيج إنتاج الكهرباء للمرة الأولى في مصر.

  • من المتوقع أن تصل نسبة الفحم إلى حوالي 29%، بقدرات اسمية متوقعة حوالي 36 جيجاوات، ليصبح الفحم المساهم الأكبر في المزيج. وقد شرعت الحكومة في بناء أول محطة لتوليد كهرباء بالفحم بقدرة 6 جيجاوات في الحمراوين على البحر الأحمر.
  • من المتوقع أن تصل نسبة الطاقة النووية إلى 9% بقدرات اسمية متوقعة حوالي 11.25 جيجاوات. وقد شرعت الحكومة في بناء أول محطة للطاقة النووية بقدرة 4800 جيجاوات في الضبعة على ساحل المتوسط.
  • يستهدف المزيج زيادة القدرات الكهرومائية الحالية (من 2.8 جيجاوات إلى حوالي 6.2 جيجاوات)، عن طريق بناء محطات الضخ والتخزين* وذلك لتخزين فائض الطاقة المنتجة من محطات الرياح والطاقة الشمسية في ساعات الذروة.
  • من المتوقع زيادة الطاقة المولدة من الرياح والخلايا الشمسية الفوتوفولتية إلى 30%. لتصل القدرات المتوقعة إلى حوالي 17.5 جيجاوات من الرياح، و20 جيجا وات من الخلايا الفوتوفولتية.

*تعتمد محطات الضخ والتخزين على رفع الماء من مستوى منخفض لأعلى في حالة وجود فائض تيار يستخدم لضخ المياه لأعلى، ومن ثم تخزينها لأوقات الحاجة أو ذروة الطلب على الكهرباء، وعندها ندع المياه تتساقط لتشغيل توربينات توليد الكهرباء واستعادة الطاقة الكهربية مرة أخرى.

مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء في إستراتيجية 2035*

  •  

* ملحوظة : تم تغيير نسب المصادر على الموقع وقت إصدار الحلقة ويمكن التأكد من النسب المذكورة في الحلقة من خلال عرض الوزارة لخطتها على موقع الاتحاد العربي للكهرباء

  • تقدر التوقعات أن تصل القدرات الاسمية إلى 146.7 جيجاوات بحلول العام 2035، ما يزيد على ثلاثة أضعاف قدرات الكهرباء عام 2017 تقريبًا.
  • يتضمن المزيج مزيدًا من تراجع نسبة الغاز الطبيعي ومشتقات البترول إلى 20%، أي ما يعادل 30 جيجاوات فقط، في إطار استبدال بالغاز الطبيعي مصادر أخرى لتوليد الكهرباء.
  • يتضمن المزيج زيادة مساهمة الفحم إلى 34%، بقدرات متوقعة تصل إلى 50 جيجاوات، وهي تساوي تقريبًا السعة الكلية لكافة المصادر الموجودة حاليًّا وليصبح المصدر الأكبر لتوليد الكهرباء.
  • يتضمن المزيج كذلك ثبات القدرات الاسمية للطاقة النووية عند نسبة خطة 2030 تقريبًا.
  • هناك انخفاض في نسبة مساهمة الطاقة الكهرومائية في المزيج إلى 3.2% بقدرات متوقعة حوالي 4.5 جيجاوات.
  • يستهدف المزيج زيادة حصة الخلايا فولتية إلى 11.8% بقدرات متوقعة حوالي 17.3 جيجاوات. وكذلك إدخال الطاقة من المركزات الشمسية بنسبة 7.6% بقدرات متوقعة أكثر من 10 جيجاوات.
  • زيادة حصة طاقة الرياح لتصل إلى 14.6% بقدرات متوقعة حوالي 21 جيجاوات.
  • لم يتم التطرق إلى الطاقة الحيوية أو الحرارية الجوفية في أي مزيج مستهدف أو ضمن برامج الإستراتيجية.

مدى توافق اختيارات مزيج الطاقة مع هدف تحقيق أمن الطاقة

استهدف مزيج الطاقة في الإستراتيجية بوضوح التقليل من الاعتماد على الغاز الطبيعي والبترول، وهو أمر جيد، نظرًا إلى أثرهما على البيئة والمناخ، إلا أن المزيج في المقابل اتجه إلى الاعتماد على استخدام الفحم والنووي كبديل ليمثلا معًا (حوالي 42% من المزيج) فمن أهم شروط اختيار عناصر مزيج الطاقة توفر مصادرها الأولية وامتلاك تقنيات توليد الكهرباء منها واستقلاليتها وكذلك كلفتها الاقتصادية واستدامتها البيئية، فهل يحقق هذا المزيج أمن الطاقة في مصر؟

الفحم والنووي لا يحققان عناصر أمن الطاقة:

عنصر توفر المصادر المحلية: لا تملك مصر فحمًا في أراضيها، أو يورانيوم وستستوردهما وتكون معرضة لتقلبات الأسعار العالمية خصوصًا وأن الفحم واليورانيوم مواد معرضة للنضوب في المستقبل القريب نسبيًّا. كما لا تمتلك تقنيات استخدام هذه المصادر، خصوصًا تقنيات الطاقة النووية ما يعرض استقلالية الطاقة للخطر.

عنصر التكلفة: تكلفة سعر إنتاج وحدة الطاقة (كيلووات/ ساعة) من الطاقة النووية هي أعلى المصادر سعرًا كما أن الفحم ليس أقلها أيضًا. يضاف إلى ذلك أن التكلفة المجتمعية العالية لهما بسبب تأثيراتهما على الصحة والبيئة.

عنصر الاستدامة البيئية: الفحم أسوأ أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة، خصوصًا أن أماكن استخدامه قريبة من المناطق السياحية على ساحل البحر الأحمر ما سيضر تلك المناطق وأنشطتها السياحية. كما يتعارض الفحم مع هدف الحد من الأثر البيئي للانبعاثات بقطاع الكهرباء ويمنع تحقيق خطة تقليل الانبعاثات الحالية إلى (-10%).

والطاقة النووية كذلك شديدة التأثير على البيئة خصوصًا مع مشكلة المخلفات النووية و احتمالات وقوع الحوادث الخطيرة ، يضاف إلى ذلك الاستهلاك العالي للمياه في ظل ما تعاني منه مصر من فقر مائي. بالمقارنة طاقة الرياح والطاقة الشمسية بديلان أفضل لأمن الطاقة

عنصر المصادر المحلية: تمتلك مصر موارد هائلة من الطاقة المتجددةi. لا تعبر نسب مصادر الطاقة المتجددة من شمس ورياح في مزيج الكهرباء عن الإمكانيات الهائلة المتوفرة في مصر. حيث تبلغ القدرات الحالية 2 جيجاوات فقط.

يمكننا إنتاج 73.6 بيتاوات ساعة من الطاقة الشمسية الحرارية  وحدها وهو ما يعادل تقريبًا 400 ألف مرة إنتاجنا خلال العام 2015/2016.

  •  
  •  

ويقارن الجدول التالي بين أنواع الطاقة المخطط للاعتماد عليها في المرحلة القادمة، من ناحية توفر مصادرها والتكلفة الاقتصادية والاستدامة البيئية.

  •  
  •  

وبالنظر إلى مخرجات جدول مقارنة مصادر الطاقة المختلفة يتضح من المقارنة أن المصادر التقليدية والمستجدة على المزيج كالفحم والطاقة النووية لا تضمن لنا تحقيق أول هدف إستراتيجي تتطلع إليه الدولة وهو "ضمان أمن الطاقة".

  •  

توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح هو ضمان أمان الطاقة في مصر، فمصادرها لا تنفد وأسعارها في انخفاض مستمر، ولا تدمر البيئة. الطاقة المتجددة حاليًّا أسرع مصادر الطاقة في النمو عالميًّا، وفرص الاستثمار فيها تتصاعد كما أن تطور أنظمة التخزين وكذلك أنماط الشبكات المتسارع يومًا إثر يوم من شأنه التغلب على تقلب إنتاج هذه المصادر.

مصادر تم الاستعانة بها في عرض الجدول

1- التكلفة
Lazard’s Levelized Cost of Energy

2- احتياطي اليورانيوم http://www.world-nuclear.org/information-library/nuclear-fuel-cycle/uran...

احتياطي الفحم https://www.bp.com/en/global/corporate/energy-economics/statistical-revi...

3 - IPCC Comparison https://www.ipcc.ch/pdf/special-reports/srren/drafts/SRREN-FOD-Ch09.pdf

(accessed 11-7-2018)

4- تكلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون http://capmas.gov.eg/Pages/Publications.aspx?page_id=5104&Year=23027 (accessed 11-7-2018)

ملحقات:

1- د.م سمير الموافي. التكلفة المجتمعية لمصادر الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة
جهاز شئون البيئة