نائب عن النظام

16 ديسمبر 2012

ارتفع صوت الثوار بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود، حيث كان يمثل عقبة تعيق سير العدالة، وكان سببا في إفلات الجناة من العقاب لصالح النظام، ولم يكن بحال ممثلا عن المجتمع. ومع وصول رئيس منتخب للبلاد، كان الجميع يتوقعون أن يتم ذلك بشكل ديمقراطي وقانونى دون تعسف في استعمال السلطات، ولذلك طرقا عديدة منها تعديل قانون السلطة القضائية، سواء باختيار النائب العام من قبل المجلس الأعلى للقضاء، أو ترشيح أسماء تطرح للانتخاب من قبل أعضاء النيابة والقضاة، وكذلك تحديد مدة معينة شغل المنصب، وفى النهاية يقتصر دور رئيس الجمهورية على اصدار قرار التعيين لمن تم اختياره من قبل اعضاء السلطة القضائية.

وقد تحقق المطلب الديمقراطي للثوار لكن بطريقة غير ديمقراطية، إذ قام رئيس الجمهورية بعزل النائب العام بموجب إعلان دستوري حصن جميع قرارات الرئيس من أي رقابة قضاية، اعتبر عدوانا صريحا على القضاء، وهو ما اثار جموع القضاة، لانتهاك استقلالية السلطة القضائية.

لقد اقترن عزل النائب العام السابق بتعيين نائب عام جديد لم يكن من الاسماء المعروفة في القضاء هو المستشار طلعت ابراهيم، ونشرت عنه الجرائد القومية كونه أحد القضاة الذين فضحوا تزوير الانتخابات في عام 2005. وأكدت ذات المصادر انه تم ندبه للعمل بالكويت منذ 2007 وحتى تعيينه نائب عام. إلا أن العديد من النشطاء البحرينيين أكدوا أن المستشار طلعت ابراهيم كان يعمل يالبحرين، وأنه اشتهر عنه تبعيته للنظام هناك، وأنه استخدم في إصدار أحكام بالإدانة ضد النشطاء والمعارضين للنظام. ومن هذه القضايا قضية "راية العز" وقضية "الخمسة طن" وقضية "شباب المنامة". وتأكدنا من حقيقة عمل المستشار طلعت ابراهيم بالبحرين من نصوص أحكام تظهر اسمه كعضو المحكمة في البحرين.

وفور تعيينه في ظل الموجة الغاضبة من القضاة وأعضاء النيابة، نظرا للطريقة غير الديمقراطية والتي يصفها البعض باللاشرعية، تقدم العديد من المحاميين العموميين بطلب إلغاء ندبهم للعمل بالنيابة، والعودة العمل بالقضاء.

وفى خلال الفترة القصيرة التي عمل فيها المستشار طلعت ابراهيم كنائب عام، أشارت قراراته لكونه نائب عن النظام لا نائبا عام عن المجتمع، ولم نستشعر التغيير في أداء طلعت ابراهيم عن سابقه عبد المجيد محمود الذى قضى أعواما في العمل بنيابات أمن الدولة قبل توليه المنصب، فلازالت البلاغات الموجه ضد النشطاء والمعارضين تتحرك بسرعة فائقة، لازالت أوامراه أو قراراته تصب فيما يبتغيه النظام.

عكست التحقيقات في أحداث قصر الاتحادية هذه التوجهات، والتي بناء عليها خرج رئيس الجمهورية ليعلن عن اعترافات المقبوض عليهم أمام النيابة العامة بتلقي أموال نظير القيام بأعمال البلطجة، هذا الخطأ الشديد من الرئيس أخذ اعضاء نيابات شرق القاهرة الجزئية ردا حاسما ضده، بأن بينوا كذب ما صرح به الرئيس، حيث في الوقت الذى وقف الرئيس ليعلن عن نتائج التحقيقات واثبات اعتراف المتهمين، اثبتوا بأوراق التحقيقات أن أى منهم لم يدل باعتراف، كما أفصح أعضاء النيابة القائمون بالتحقيقات، منهم المستشار مصطفى خاطر محام عام نيابات شرق القاهرة، عن تعرضهم لضغوط لإصدار قرارات بحبس المتهمون خاصة الذين تم احتجازهم عند قصر الاتحادية من قبل الاخوان المسلمين، لكن من خلال التحقيقات تبين لهم عدم وجود ثمة دليل ضدهم، وانهم محتجزون من قبل أفراد من جماعة الاخوان المسلمين وتعرضوا للضرب المبرح، لذلك يجب إخلاء سبيلهم.

فما كان من رئيس المكتب الفني للنائب العام سوى اخطارهم برغبة النائب العام في حبس مجموعة من المتهمين البسطاء الذين لا يشغلون وظيفة وكان عددهم 45 متهماً، إلا أن نيابة مصر الجديدة لم تصغ لأوامره، اصدرت قرارها بإخلاء سبيل هؤلاء المقبوض عليهم لعدم وجود سببا يستدعى حبسهم احتياطيا، فيما عدا أربعة أشخاص بحوزتهم سلاح.

ومع اعتيادنا على القرارات المسيسة للنيابة التي يريدها النظام الحاكم في عهد حسني مبارك، وكم من مرة بعد انتهاء التحقيق في أحداث ذات طابع سياسي، كان وكيل النيابة (المحقق) ينتظر ابلاغه بالقرار من رؤساءه حتى يتلوه علينا، كان من المدهش أن جاءت قرارات النيابة في أحداث قصر الاتحادية معبرة عن دور النيابة العامة الجديد والمأمول بان تكون ممثلة عن المجتمع.

وفقا للقانون تقتصر تبعية أعضاء النيابة للنائب العام فيما يخص سلطة الاتهام فقط، انما سلطة التحقيق هي سلطة اصيلة لأعضاء النيابة، لا يتبعون فيها أوامره، وقد كان المشتسار مصطفى خاطر محام عام نيابات شرق القاهرة، مؤيدا لحرية وسلطة أعضاء النيابة في إصدار قرارات دون الاصغاء لما يبتغيه النظام، وفعل القانون فيما يخص سلطة عضو النيابة المستقلة في اتخاذ ما يراه من إجراءات بشأن التحقيقات ومنها قرار الحبس الاحتياطي دون التفات الى أوامر النائب العام الذى وجه للمستشار خاطر وابراهيم صالح رئيس نيابة مصر الجديدة اللوم نتيجة اتخاذ قرار بإخلاء سبيل المتهمين في احداث الاتحادية.

وقد تصاعد الامر بصدور قرار النائب العام في 12 ديسمبر بإلغاء ندب السيد مصطفى خاطر كمحام عام لنيابات شرق القاهرة، وندبه كمحام عام لنيابات بنى سويف، مع انتداب مستشار من إدارة التفتيش القضائي يدعى أحمد جمال الدين منتصر للقيام بأعماله لمدة ستة اشهر.

لم تمر 24 ساعة حتى قرر النائب العام الغاء قراره بندب المستشار خاطر لنيابات بنى سويف، استجابة لرد فعل أعضاء النيابة الغاضب، ونتيجة افتضاح أمره أمام الرأي العام كسبيل للخروج من مأزق، لكن التراجع عن قراره لن يمحو من سجل تاريخه كونه يمثل النظام.

إن صحوة النيابة العامة تمثل خطوة جيدة في مساراستقلال القضاء، وتحقيق العدالة الغائبة، ويبدو أن رياح الثورة قد طالت وامتدت إلى ساحة النيابة