مشروع قانون أحمد مكى يجمِّل قانون حالة الطوارئ
يرزح المصريون تحت قوانين متعسفة كثيرة أبرزها قانون يمكن استخدامه لشل كل ما هو ثابت وحق لهم فى أبواب حريات التعبير من اجتماع أو تظاهر أو نشر.
ويعود تاريخ هذا القانون سيئ السمعة إلى عشرينيات القرن، وكان اسمه قانون الأحكام العرفية، ولم يتم إلغاؤه سوى عام 1954، مما أوحى إلى البعض بأنه بعد يوليو 1952 وتحول مصر من نظام ملكى إلى جمهورى، بأن ثمة تغييرا سيعزز الحقوق والحريات. إلا أن هذا لم يحدث وأصدر جمال عبد الناصر قانون 1958، حيث نص صراحة على أن إعلان حالة الطوارئ وإنهائها يكون بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الشعب، وهكذا ظلت الأحكام العرفية، لم تتغير سوى بتسميتها «الطوارئ».
بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، ظن المصريون أنه بداية لعصر جديد بلا قيود على الحريات أو انتهاكات، ومن ثم فإلغاء حالة الطوارئ وعدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، كانت من أهم مطالب المرحلة.
وقد طرحت أمام أول برلمان بعد الثورة عديد من مشروعات القوانين منها قانون الطوارئ، حيث قد تقدم المستشار مكى بمشروع لتعديل قانون الطوارئ، لكن كان المطلب قبل حل البرلمان إنهاء حالة الطوارئ المعلنة، لا تعديل القانون المنظم لأسباب إعلان الطوارئ وكيفية تطبيقها. وفى 31 مايو 2012 انتهت المدة المحددة لسريان حالة الطوارئ، وفقا لما قد أعلنه الرئيس المخلوع حسنى مبارك من قبل، ووافق عليه مجلس الشعب حينها.
إلا أن المستشار أحمد مكى وزير العدل الحالى عاد ليتحدث عن تعديل قانون الطوارئ مرة أخرى بعد توليه الوزارة، مما يشير إلى أنه من المتوقع إعلان حالة الطوارئ قريبا، ومن ثم العجلة فى تعديل القانون المنظم لتطبيقها.
جاء مشروع القانون المقدم من الوزير مكى ذاكرا ذات الأسباب الفضفاضة التى تتيح لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ، رغم وصفها بأنها ظروف استثنائية. فعلى سبيل المثال «تعرض الأمن للخطر» وكذلك «حدوث اضطرابات»، تعد أسبابا لإعلان حالة الطوارئ، وهى عبارات مطاطة تتيح إعلان حالة الطوارئ دون مبررات معقولة. وهذا يخالف ما يحدث فى الدول الديمقراطية، حيث يكون إعلان حالة الطوارئ فى حالات قليلة للغاية وواضحة، منها تعرض الدولة لخطر جسيم مثل الحرب أو الكوارث الطبيعية، لا لمجرد التعامل مع ارتفاع فى معدلات الجريمة أو تعرض الأمن العام للخطر.
كما ظلت ذات الإجراءات لإعلان الطوارئ فى مشروع مكى، مع إضافة إجراء استفتاء شعبى لمد المدة المحددة فى إعلان حالة الطوارئ، التى لا تزيد على ستة أشهر وفقا لمقترحه، وهو الشرط الذى يمكن التحايل عليه بسهولة، حيث يتم إنهاء حالة الطوارئ، ثم تعلن مرة أخرى بعدها بفترة قصيرة لمدة أخرى.
وبدراسة محاولة مكى فى مشروعه للتفرقة بين الإجراءات والتدابير المقيدة للحريات، التى تتخذ فى حالة إعلان الطوارئ بسبب وقوع حرب، وما يتخذ فى الحالات الأخرى مثل وقوع اضطرابات أو انتشار وباء، فقد جاءت شكلية.
فمقترحه يجيز لرئيس الجمهورية اتخاذ كل الإجراءات وقت الحرب، وله فى جميع الحالات، حتى فى حالة إعلان الطوارئ نتيجة انتشار وباء، «اتخاذ التدابير التى تجيز القبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن واعتقالهم والترخيص فى تفتيشهم وتفتيش أماكن وجودهم دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية».
واتصفت العديد من مقترحات مكى بأنها تجميلية، فقد أبقى على كل الإجراءات المنصوص عليها بشأن الاعتقالات كما هى، ولكنه اقترح خفض مدة التظلم من قرار الاعتقال أمام المحكمة إلى سبعة أيام بدلا من ثلاثين يوما، وظل لوزير الداخلية حق الاعتراض فى حالة إصدار المحكمة قرارا بالإفراج عن المعتقل، وللمعتقل الاعتراض مرة أخرى.
كما طالب مكى بعدم إعادة اعتقال المفرج عنه خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، وهذا إجراء محمود للحد من كم الانتهاكات السابقة، حيث ظل أشخاص بالمعتقلات عدة سنوات متصلة دون تهم واضحة. لكنه عاجلنا بأنه أضاف لهذه الضمانة انتهاكا صارخا لحقوق المحاكمة العادلة، بإقرار أنه حيال قيام المعتقل المفرج عنه بإحدى جرائم الاعتداء على النفس أو المال أو العرض أو غيرها من الجرائم، يحرم القاضى من سلطته التقديرية وألزم القانون القاضى بتوقيع أقصى عقوبة مقررة للجريمة.
منح رئيس الجمهورية سلطة إحالة المتهمين بجرائم معينة للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية، وحاول تجميل الأمر بتقرير حق للمتهم والنائب العام فى الطعن بالنقض. وهذا يعيدنا إلى المربع رقم واحد، حيث لا يحق للمحاكم العسكرية محاكمة أى مدنى مطلقا. كما قرر ذات الصلاحيات القديمة لرئيس الجمهورية فى حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة، أو الأمر بالإفراج عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة. وكرر مشروع مكى ذات الأحكام بشأن تولى القوات المسلحة مع قوات الأمن تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية، مما يعد تعديا صريحا على حقوق المدنيين.
وجدير بالذكر أنه من حق السلطات المدنية طلب تدخل القوات المسلحة لحفظ الأمن معها حال عجزها عن المحافظة عن الأمن وفقا للقانون رقم 183 لسنة 1952، إذن ما الحاجة إلى إعلان حالة الطوارئ حال تعرض الأمن العام للخطر، مع وجود قانون ينظم تدخل القوات المسلحة لمعاونة الشرطة.
الخلاصة أن مشروع مكى، كما هو مطروح حاليا، لم يأت بتعديلات أفضل كثيرا لا تتعارض مع الحقوق والحريات إلا بالقدر الضئيل المطلوب لمواجهة الظروف الاستثنائية، بل مقترحه بالتعديل ما زال يمثل قيودا على الحريات والحقوق بشكل موسع مغالى فيه حتى فى ظل ظروف استثنائية.
* نشر في جريدة التحرير 28 سبتمبر 2012.