تواطؤ وإهمال لتمييع أدلة قتل المتظاهرين في فض الأحراز

20 سبتمبر 2011

جاءت أحراز وتسجيلات قضية قتل المتظاهرين لتدفع بكثير من التساؤلات والتشكيكات إلى سطح الأحداث. فمنطق الاستدلال الذى يمكن أن يسترشد به على ضوء هذه الأحراز وطبيعة تقديمها يشيان بأن هناك شبهة تواطؤ أو إهمال من قبل أفراد أو جهات لتمييع القضية وتدمير أدلة الإدانة الفعلية، أو هكذا يعتقد قطاع واسع من المحامين والمراقبين.
 
فما معنى أن لا تجد النيابة أى آثار لأى مقذوفات على سطح المتحف المصرى، رغم أنه كان منصة إدارة معارك عنيفة وضارية؟ وما معنى أن لا تقدم تسجيلات المخابرات أدلة واضحة وتسجيلات موثقة لما جرى بحجة أن هناك أعطالا فنية أو مشكلات فى نظام تسجيل الكاميرات؟
 
وتجىء أوجه القصور هذه، ليتم مقارنتها، بالسيديهات التى قدمها المستشار القانونى للجامعة الأمريكية الكائن أحد مقراتها بميدان التحرير، والتى تظهر على نحو واضح أحداث إطلاق الضباط للنار على المتظاهرين، وما قدمه كثير من الأفراد.

هذا الفرق الشاسع (والموجع) بين الدولة ومؤسساتها، وأفراد أمن الجامعة (الأمريكية)، أثار حسرة فى النفوس، والأمر لا يتعلق بطمس الأدلة فحسب، بل لانعدام كفاءة وإهمال عدد من مؤسسات الدولة، بصورة تدفع للتساؤل حول مصير ضرائبنا التى ندفعها، وفيمَ كانوا يستخدمونها؟

انحسرت الأحراز فى قضية قتل المتظاهرين والمتهم فيها الرئيس المخلوع حسنى مبارك ووزير الداخلية الأسبق وعدد من معاونيه فى أحراز قدمها المجنى عليهم وأسرهم، وهى الأحراز المقدمة من المصابين الذين قاموا بتحرير محاضر وتقديم بلاغات وأرفقوا بها هذه الأحراز، مثل الطلقات النارية التى تم استخراجها من أجسادهم أو من أجساد أفراد أصيبوا وهم بصحبتهم، أو مثل القنابل المسيلة للدموع التى ألقيت عليهم واستطاعوا الاحتفاظ بها إلى أن قدموها، أو بعض البندقيات التى استخدمت فى إطلاق النيران ضد المتظاهرين، فضلا عن كثير من السيديهات التى تحمل لقطات مصورة من الأحداث تظهر رجال الشرطة، وهم يطلقون النيران ضد المتظاهرين.

وهناك نوع آخر من الأحراز تحصلت عليه النيابة من خلال المعاينة.

فقد تمكنت النيابة العامة من الحصول على بعض الأحراز التى وجدتها أعلى سطح الجامعة الأمريكية فى أثناء معاينتها له بتاريخ 5 مارس 2011، بالإضافة إلى ما تقدم به أفراد الأمن بالجامعة، وهى عبارة عن مظاريف ذخائر فارغة وطلقات خرطوش عيار 12، وفوارغ القنابل المسيلة للدموع، والمقذوفات التى وجدتها النيابة عالقة بتندات المحلات المجاورة للجامعة الأمريكية وبإحدى الأشجار الكائنة بشارع محمد محمود.

كما قدم المستشار القانونى للجامعة الأمريكية «سى دى» يصور بعض رجال الشرطة فى أثناء إطلاقهم طلقات الخرطوش ضد المتظاهرين يوم 28 يناير من أعلى سطح الجامعة!

وهناك أحراز طلبتها النيابة من الجهات المعنية، مثل طلب النيابة العامة من وزارة الداخلية بعض الدفاتر الخاصة بها، مثل الدفاتر الخاصة بتحركات الأمن المركزى، ودفاتر العمليات المختلفة للأمن المركزى، ودفاتر السلاح للكتائب الخاصة بالأمن المركزى، ودفاتر السلاح الخاص بالعمليات الخاصة، ودفاتر غرف السلاح للأمن المركزى وأرفقتها بأوراق الدعوى، كما قدمت المخابرات العامة المصرية 6 أشرطة فيديو كاسيت عن الأحداث.

غالبية الأدلة ضد المتهمين ظلت لفترة طويلة تحت يد معاونيهم، وأهم الأدلة قد أتلفت أو اختفت عن عمد أو نتيجة إهمال، فقد أتلف السى دى الخاص بجهاز تسجيل الاتصالات غرفة رئاسة عمليات الأمن المركزى، وأتلف ما قامت الكاميرات المثبتة بالمتحف المصرى التابعة للمخابرات العامة بتسجيله عن الأحداث بميدان التحرير فى الفترة من 25 إلى 31 يناير 2011.

على النقيض وعلى غير المتوقع، كان ما قدمه الأفراد من مشاهد مصورة يمثل الإدانة الواضحة لرجال الشرطة على نحو موثق وظاهر، وكان ما قدمته الجامعة الأمريكية بمثابة دليل دامغ ضد المتهمين، أما ما قدمته المخابرات العامة المصرية عن الفترة من 1فبراير إلى 3 فبراير 2011، أى عن فترة غير موضوع القضية (!) كان مشفوعا باعتذار للنيابة العامة عن تسجيلات الفترة من 25-31 يناير، بحجة أن نظام التسجيل تم تركيبه منذ عام 1995، ولا يقوم بالتسجيل الأوتوماتيكى للكاميرات، وإنما يعتمد على الإنذار وعلى أفراد التشغيل!

* نشر هذا المقال في جريدة التحرير 20 سبتمبر 2011.