السياسات "المسبوقة" لضبط المجال الديني في مواجهة الإسلاميين: هل تعيد تكرار فشل التسعينيات؟

13 سبتمبر 2015

كتب محمد مدحت، باحث متدرب في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"

في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الماضي، وسط آلاف المصلين بمسجد عمرو بن العاص، كان محمد جبريل، الإمام والقارئ الشهير يؤم المصلين ويقوم بالدعاء كما هي العادة هناك كل سنة، ما كان مختلفًا أن دعاءه على من سماهم بـ"الظالمين والإعلاميين الفاسدين"، أثار جدلًا، واعتبرت وزارة الأوقاف دعاء جبريل عملًا سياسيًّا لا علاقة له بالدين، وأن ما فعله متاجرة بعواطف الناس، وبموجب الضبطية القضائية حررت محضرًا رقم 4776 ضده وصرح الوزير بأن جبريل لن يصلي بالناس في أي مسجد في مصر مرة أخرى1.

ولكن على جانب آخر واصل الداعية محمد سعيد رسلان المحسوب على تيار السلفية المدخلية – التي ترفض الخروج على الحكام - أداء الخطب والدروس من المسجد الشرقي بسبك الأحد في أشمون بالمنوفية وكانت خطبة صلاة عيد الفطر في الأول من شوال بعنوان: "الدعاء لولى الأمر"، والتي كانت فيما يشبه الرد على دعاء جبريل حيث ذكر أن الدعاء على ولي الأمر من أفعال الخوارج.

يثير هذا التناقض في سياسات الأوقاف تجاه المساجد أهمية إعادة النظر في سياسات الدولة الهادفة لما تسميه بـ"ضبط المجال الديني" عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وفي أنها تحقق فعلًا ما تعلنه الدولة من أنها تهدف إليه من "وقف الاستغلال السياسي للدين".

وبالرغم من الترحاب الشديد الذي استقبل به عديد من المهتمين بالشأن العام هذه السياسات فى سياق مواجهه الدولة للحركات الإسلامية وما تسميه بـ"التطرف والإرهاب"، فقد انتقدها البعض من زوايا متعددة. ولكن يبقى ما جمع بين معظمهم وهو النظر إلى تلك السياسات باعتبارها جديده أو غير مسبوقة.

فمنح الضبطية القضائية لمفتشي المساجد، على سبيل المثال، تم وصفه بأنه يحدث "لأول مرة في التاريخ المصري"2. وهو الوصف الذي أطلقته مقالات صحفية عديدة على قرار وزير العدل محفوظ صابر بمنح الضبطية القضائية لمجموعة من قيادات ومفتشي الأوقاف بعد أن تلقى كشفًا من محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بأسماء قيادات ومفتشي الأوقاف المطلوب منحهم الضبطية القضائية3.

ولكن على العكس من ذلك، في يناير 1998 أصدر المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل السابق، قرارًا بمنح الضبطية القضائية لعدد بلغ 435 مفتشًا من مفتشى المساجد4، وجاء القرار تطبيقًا للقانون 238 لسنة 1996 الخاص بمنع إلقاء الخطب أو الدروس الدينية بالمساجد إلا لمن يحملون تصريحًا بذلك من وزاره الأوقاف .

انتمى هذا القرار إلى حزمة من السياسات والقرارات اتخذتها الدولة في تسعينيات القرن الماضي تحت شعار "المواجهة الفكرية للإرهاب وتجفيف منابعه"، وبالطبع حازت وزارة الأوقاف النصيب الأكبر من السياسات والقرارات باعتبارها الوزارة المسئولة قانونيًّا عن تنظيم المجال الديني الذي مثل ساحة ملتهبة للصراع مع الحركات الإسلامية. والنظر في سياسات التسعينيات ومقارنتها قد يكون مفيدًا في التساؤل عمَّا إذا كانت استعادة هذه "السياسات المسبوقة" قد تعيد فشل التسعينيات في مواجهة الحركة الإسلامية التي تم قمعها أمنيًّا ومطاردتها لكنها عادت بدعم شعبي كبير لتصل إلى السلطة فيمابعد.

السيطرة على المساجد (السياسات الرسمية):

شرعت الوزارة في التسعينيات في اتخاذ عدة إجراءات، كان منها زيادة ميزانية وزارة الأوقاف، والمضي في ضم المساجد إليها،زيادةعددالأئمة.

ففي ندوة بعنوان: "الإنجازات الدينية في عهد مبارك"5، بمناسبه مرور 15 عامًا على حكم مبارك، صرح محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف السابق، بأن ميزانية الوزارة قد قفزت من 32 مليون في العام المالي 1981 – 1982 وهو العام الأول لحكم مبارك إلى 550 مليون في العام المالي 1996- 1997، وأن الوزارة استطاعت ضم ما يقرب من 27 ألف مسجد بدلًا من 7 آلاف مسجد، وأنه بنهاية عام 2000 سوف تكون الوزارة قد تمكنت من ضم جميع مساجد الجمهورية، وأشار الوزير إلى زيادة الأئمة إلى 23 ألف إمام بدلًا من 7 آلاف إمام.

وحاليًّا زادت أيضًا ميزانية الأوقاف من 5.9 مليار جنيه في العام المالي 2013-2014 إلى 8.2 مليار في العام المالي 2014-2015 هي إجمالي الإنفاق على ( ديوان عام وزارة الأوقاف والمديريات الإقليمية ونشر الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للشئون الاسلامية)، وأصدر وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة القرار رقم 64 لسنه 20146 لتأكيد ضم جميع المساجد بالجمهورية إلى وزارة الأوقاف، وقد زادت الوزارة عدد خطباء المكافأة (خطيب غير معيّن في الوزارة يتم مكافأته مقابل كل خطبة) من 21 ألفًا إلى 38 ألفًا بحيث أصبح إجمالي عدد الأئمة 96 ألف إمام7.

في التسعينيات أعلنت الوزارة عزمها السيطرة التامة على المنابر في إطار "مواجهة الأوقاف لأي عابث بمنابرها من متطرفي الفكر" على حسب وصف الوزير زقزوق، وفى اجتماعه مع أعضاء اللجنة الدينية والأوقاف بمجلس الشعب8 تحدث الوزير عن أنه رغم صدور القانون رقم 89 لسنه 1964 الذي يتضمن شروط من يعتلون المنابر فإن منابر المساجد اعتلاها أناس متطرفو الفكر، وأنه قرر مواجهة الفكر المتطرف حمايه للمصلحة الدينية والقومية.

وعلى إثر هذا النقاش أصدر البرلمان قانونًا رقم 238 لسنه 19969 بتعديل المادة 10 من قانون تنظيم وزارة الأوقاف رقم 272 لسنة 1959 والذي أعطى لوزير الأوقاف سلطة إصدار قرار بالشروط الواجب توافرها في الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة إلقاء الخطب أو الدروس الدينية، وبالإجراءات اللازم اتخاذها للحصول على تصريح من وزاره الأوقاف، وقد أصدر وزير الأوقاف قرارًا وزاريًّا رقم 11 لسنة 199710 بهذه الشروط والإجراءات، ويعاقب القانون كل من يمارس إلقاء الخطب أو الدروس الدينية بغير مقتضى، بالحبس مدة لا تتجاوز شهرًا أو بغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد على 300 جنيه، أو بكليهما، ولوزير العدل بالاتفاق مع وزير الأوقاف، منح الضبطية القضائية لمفتشي المساجد، وقد صدر قرار وزير العدل بمنح الضبطية كما تقدم ذكره.

في المقابل أيضًا وتحت شعار "تطهير المنابر"، فقد أصدر الوزير الحالي محمد مختار جمعة قرارًا رقم 361 لسنه201311 بإلغاء تصاريح الخطابة السابقة الصادرة من الأوقاف لخطباء المكافأة غير الأزهريين، وأنه لن يعتد بأي تصريح خطابة سابق للأزهريين ما لم يجدد خلال 3 أشهر، وجرى توحيد موضوع خطبه الجمعة، وأصدر بعدها الرئيس عدلي منصور قانونًا رقم 51 لسنه 201412 الذي لم يختلف عن قانون 238 لسنة 1996 سِوى في تشديد العقوبة، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن سنة وغرامة لا تقل عن 20 ألف ولا تزيد على 50 ألف أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يمارس الخطب أو الدروس الدينية بالمساجد بدون تصريح أو ترخيص.

وحظر القانون مرة أخرى على غير المعينين بوزارة الأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف ممارسة الخطابة، وأعطى لوزير الأوقاف مجددًا حق إصدار تصاريح لغيرهم بممارسه الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وفقًا للشروط والإجراءات التي يراها، وأعاد القانون مجددًا النص على أنه لوزير العدل بالاتفاق مع وزير الأوقاف سلطة إصدار الضبطية القضائية لصالح بعض العاملين المتخصصين بوزارة الأوقاف.

السيطرة على المساجد (السياسات غير الرسمية):

بينما تبدو دائمًا السياسات الرسمية المعلنة لوزارة الأوقاف تجاه السيطرة على المنابر شديدة الصرامة إلا أنها لم تكن كذلك حين تطبيقها على أرض الواقع. بالطبع عدد 435 من مفتشي الأوقاف لم يكن كافيًا لمراقبة جميع مساجد الجمهورية، الأمر الذي اقتضى قيام الأجهزة الأمنية بهذا الدور وبالتحديد جهاز أمن الدولة فكانت التقارير الأمنية هي المحرك الوحيد لوزارة الأوقاف لاستخدام الضبطية. تشير إحدى الوثائق13 المسربة من جهاز أمن الدولة إلى رصد الجهاز بعض العناصر المتطرفة المنتسبة إلى جماعة الإخوان التي تقوم باعتلاء المنابر وإلقاء الخطب بهدف استثارة المواطنين وفى إطار الحد من هذه الظاهرة فقد جرى التنسيق مع المسئولين بوزارة الأوقاف لتفعيل صفة الضبطية القضائية الممنوحة لمفتشي المساجد على حسب وصف الوثيقة، ونظرًا إلى أزمة الشرعية السياسية التى عانى وما زال يعاني منها النظام وعدم كفاية أئمة الأوقاف بالنسبة إلى عدد المساجد وضعف شعبيتهم نتيجة التصاق الأوقاف والأزهر طوال الوقت بالسلطة السياسية وضعف تجربة معاهد إعداد الدعاة التي قدمتها وزارة الأوقاف14،, ولضمان الهيمنة على المجال الديني شديد التنوع في مصر ولمواجهة بعض التيارات الإسلامية المعارضة، فقد لجأت الأجهزة الأمنية إلى تفاهمات مع بعض التيارات الإسلامية التي لا تنتقد السلطة السياسية في مقابل السماح لها بالتواجد داخل المساجد وعدم التضييق على أنشطتها بل وتشجيعها أحيانًا بصور غير مباشرة من قبل السلطة، فتشير وثيقة أخرى15 إلى متابعة أجهزة الأمن لوجود تيار سلفي يسمى التيار المدخلي ينتسب إلى ربيع بن هادي عمير المدخلي، الداعية السعودي، ويرى أن "رفض الخروج على الحاكم" واحد من أهم قناعاتهم حسب وصف التقرير الذي خلص إلى ضرورة الاستفادة منهم في مواجهة "التيارات الدينية المتشددة" على حسب وصف التقرير أيضًا.

وكما كان 435 مفتشًا من الأوقاف لديهم حق الضبطية القضائية لم يكن كافيًا لمراقبة مساجد الجمهورية في عام 1998 فإن عدد 100 مفتش لن يكونوا كافين لمراقبة العدد الأكبر من مساجد الجمهورية في 2014، وبالتالي استمر ملف متابعة المساجد مع الأجهزة الأمنية. وعلى عكس الموقف الصارم الذي اتخذته الوزارة تجاه الدعوة السلفية وشيوخها ونشاطهم الدعوي عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، إلا أن نفس الأسباب أدت إلى أن تتغاضى الأجهزة الأمنية نسبيًّا عن صعود السلفيين من الدعوة السلفية والسلفية المدخلية – الموالين للنظام- إلى المنابر، رغم الإدانة الرسمية لها من وزارة الأوقاف. فقد واصل ياسر برهامي (قبل حصوله على تصريح محدود للخطابة من الأوقاف) وأحمد فريد، نائبا رئيس الدعوة السلفية محمد عبد الفتاح أبو إدريس إلقاء خطب الجمعة في الإسكندرية، وكذلك عادل نصر المتحدث باسم الدعوة السلفية الخطابة في محافظة الفيوم، وسعيد العفاني القيادي بالدعوة في بني سويف، وقال مصدر مسؤول بوزارة الأوقاف: "إن الوزارة لم تعط أي تصريح لأعضاء أو قيادات الدعوة السلفية لصعود المنابر، إلا أنه عاد واستدرك بأن صعود شيوخ السلفية يأتي في إطار تكثيف الجهود الدعوية على كافة الأصعدة، لتبيان مخالفة فكر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمختلف التيارات الإسلامية ومن بينها السلفية". وأضاف أن الوزارة "غضت الطرف عن صعود هؤلاءالشيوخ رغم علمهابالأمر"16.

ورغم حصول ياسر برهامي ويونس مخيون17 على تصاريح خطابة محدودة واستمرار الشد والجذب بين الوزارة والدعوة السلفية على المستوى الرسمي، إلا أن الأمر يقارب اتكاء الدولة والأجهزة الأمنية في التسعينيات على تحالف مع تيارات إسلامية سلفية تدعم شرعية النظام ضد التيارات المناوئة له.

المواجهة الفكرية (الأوقاف كجهاز أيديولوجي):

لم تقتصر سياسات الأوقاف في التسعينيات على المساجد بل امتدت خارجها ولم تقتصر على مواجهة ما تعتبره "الأفكار الدينية المتطرفة" ولكن أيضًا مواجهة "أفكار وافدة من الغرب".

وقامت الوزارة بالتنسيق مع وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للشباب والرياضة (لم تكن قد أصبحت بعد وزارة للشباب والرياضة) والمجالس المحلية، وطورت نموذج القوافل الدعوية18 والذي ينقسم إلى أنواع، منها: المعسكرات الشبابية بالمحافظات الساحلية بالتنسيق مع المجلس، حيث يقيم عدد من الدعاة مع الشباب يعملون على توجيههم وتوعيتهم توعية دينيه سليمة وتوضيح مخاطر الفكر المتطرف، وهناك قوافل تتعاون فيها الوزارة بدعاتها مع أساتذة من جامعه الأزهر و هيئة قصور الثقافة لتنظيم ندوات ومؤتمرات تمتد أحيانًا إلى أكثر من يوم تهدف إلى التوعية ضد مخاطر الإرهاب والتطرف و"التصدي لعبادة الشيطان الوافدة من الغرب والأفكار التي لا تناسب القيم المصرية"19.

وكثفت الأوقاف أيضًا من إصدارتها لمواجهة أفكار التيارات الإسلامية، فنشرت كتاب "الفكر المتطرف في ميزان الإسلام" والذي تم توزيعه على أئمة المساجد وشباب الجامعات، كما أصدرت سلسله كتب بعنوان: "هذا هو الإسلام" لشرح ما تعتبره الوزارة الإسلام الصحيح.

حاليًّا لم تختلف السياسات كثيرًا، ويمكن القول بأنه تم استبدال مواجهة أفكار "عبدة الشيطان" والأفكار الغربية الوافدة بمواجهه الملحدين، و استمر التنسيق بين الأوقاف ووزارات الثقافة والشباب.

وكما حدث سابقًا تتعاون وزارات الأوقاف والشباب والثقافة لمواجهة "التطرف". حيث وقعت وزارة الأوقاف مذكرة تفاهم مع وزارة الثقافة لتطوير العمل بينهم في ظل التحديات الراهنة، وأقرت وزارة الأوقاف خطة دعوية جديدة تتمثل في تفعيل الصالون الثقافي الأسبوعي للوزارة، وتفعيل لجنة القضايا المعاصرة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وأقرت لجنه أخرى لتطوير الخطاب الديني، وقررت اللجنة أيضًا بدء عمل منتدى السماحة والوسطية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، واتفقت اللجنة على البدء فورًا في إعداد مختارات من كتب التراث تصل للقارئ بسهولة ويسر وفي حدود ما يترتب عليه عمل أو تطبيق القارئ البسيط وتتجنب القضايا الجدلية20. وأصدرت أيضًا وزارة الأوقاف وثيقة لتجديد الخطاب الديني وذلك عقب تنظيمها مؤتمر تجديد الخطاب الديني والذي تم عبر الدعوة الشهيرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني21.

أما على صعيد مواجهه الإلحاد فقد أعلن وزير الأوقاف ووزير الشباب والرياضة عن إطلاق حملة قومية لمكافحة ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب 22،وفى مقالته بعنوان: "صناعة الإلحاد والإرهاب"23 شدد وزير الأوقاف على خطورة الإلحاد والإرهاب ورأى أن ما تفشل في تحقيقه تلك اليد الخفية على حد وصفة من خلال الإرهاب تحققه من خلال دعم "تلك الجماعات الملحدة" على حد وصفه أيضًا.

الانتصار العسكري والهزيمة الأيديولوجية:

بعد هذه المقارنة السريعة بين السياسات والإجراءات التي انتهجتها وزارة الأوقاف في التسعينيات واليوم نستطيع أن ندرك أننا لسنا أمام تغييرات جوهرية، فسياسات وإجراءات الأوقاف في التسعينيات لم تكن فقط غير ديمقراطية وإنما فشلت أيضًا في المواجهة الفكرية والأيديولوجية مع الإسلاميين، أو بحسب وصف سكوت هيبارد لحصاد مواجهة الدولة للإسلاميين في التسعينيات: "انتصار عسكري وهزيمة أيديولوجية"24 حيث انتصرت الدولة عسكريًّا وأمنيًّا على الإسلاميين بينما فشلت سياسات أجهزة الدولة الأيديولوجية (الأوقاف والثقافة والإعلام والشباب والتعليم) في المواجهة الفكرية.

يمكن أن نعتبر أن جزءًا من أزمة خطة المواجهة الفكرية، في التسعينيات وحاليًّا، أن سياسات إدارة الشئون الدينية ترتكز على بعض الأفكار التي تتبناها التيارات الإسلامية بخصوص علاقة الدولة بالدين أو هي سياسات ممتدة من دولة الخلافة بلا تغيير جذري، فالسياسات الدينية ترتكز على أفكار فقهية تم اعتمادها في القانون ومضمونها أن الدولة لا زالت تحل محل إمام المسلمين، وأن كل المسلمين من المواطنين هم جماعة دينية واحدة تدير الدولة وسلطتها التنفيذية شئونهم الدينية كأنها إمام المسلمين أو خليفتهم أو تحل محله، وهو ما يوافق في المجمل رؤية التيارات الإسلامية، بدلًا من أن تسير في الاتجاه المعاكس وتعيد النظر في السياسات الدينية كدولة ديمقراطية تضمن التنوع الديني وحرية الدين ولا تتدخل إلا لمواجهة التحريض والتمييز بين مواطنيها.

استمرار الدولة ووزارة الأوقاف في تكرار نفس السياسات والإجراءات وسط ترحاب من أطراف عدة تعتقد أن هذه السياسات جهودًا غير مسبوقة أو أنها حاسمة وفعالة في مواجهة التيارات الإسلامية – كما رحبت سابقًا- لا يمكن إلا أن يثير التساؤل إن كانت هذه السياسات المسبوقة سوف تعيد تكرار فشل التسعينيات.

للمزيد عن السياسات الدينية للدولة يمكن الإطلاع على دراسة "لمن المنابر اليوم: تحليل سياسات الدولة في إدارة المساجد".

الهوامش:

 1-أوقاف أون لاين "الأوقاف تحرر محضرًا لمحمد جبريل بموجب الضبطية القضائية وتلحق أحمد عيسى المعصراوي وأحمد عامر به في المنع من أي عمل بالمساجد" 15 يوليو 2015 http://www.awkafonline.com/portal/?p=19440

2 - مقال " شرطة المؤسسة الدينية "، فهمى هويدي، الشروق، 17 نوفمبر 2014

http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=17112014&id=22afbbe4-2e21-43ed-a850-cb0a7072a2e

3- الأهرام "بعد منح الضبطية القضائية لـ 100 مفتش بالأوقاف حملات تفتيشية على المساجد لمواجهة التطرف"، 21 أكتوبر 2014  http://goo.gl/jDxZ0g

4-الأهرام " منح الضبطية القضائية لـ 435 من مفتشى المساجد"،صفحة 12، 18 يناير 1998

5-الأهرام "جهود كبيرة لمبارك لدعم العمل الإسلامي وتحويل المساجد إلى مراكز اجتماعية، صفحة 12، 26 نوفمبر 1996

6- الجريدة الرسمية ( الوقائع المصرية ) - 10 مارس 2014

7-مقال " الدولة المصرية والمجال الديني " ، جورج فهمي ، مركز كارنيجي للشرق الأوسط http://goo.gl/k8DGCg

8-الأهرام " الجبهة المرفوضة " ، صفحة 12 ، 27 نوفمبر 1996

9-الجريدة الرسمية ( الوقائع المصرية ) - العدد الأول ( تابع ) في 2 يناير سنة 1997

10-الجريدة الرسمية ( الوقائع المصرية ) - العدد 29 في 3 فبراير سنة 1997

11-الجريدة الرسمية ( الوقائع المصرية) - 8 ديسمبر 2013

12-الجريدة الرسمية ( الوقائع المصرية ) - العدد 23 ( تابع ) في 5 يونيو سنه 2014

13-العقلية الأمنية في التعامل مع التيارات الإسلامية دراسة تحليلية "أمن الدولة المصري نموذجًا " ، ملحق 29 ، صفحة 141

14- الأخبار " معاهد إعداد الدعاة .. لماذا لم تحقق أهدافها ؟ التجربة نجحت في الجمعيات وفشلت في وزارة الأوقاف " ، صفحة 7، 12 سبتمبر 1997

15- العقلية الأمنية في التعامل مع التيارات الإسلامية دراسة تحليلية "أمن الدولة المصري نموذجًا" ، ملحق 22 ، صفحة 131

16-عربي 21 ، "بالرغم من إدانته رسميًّا أوقاف مصر تتغاضى عن صعود السلفيين للمنابر لمواجهة "داعش" " ، 22 فبراير 2015

http://goo.gl/ntDYq2

17-اليوم السابع ، ياسر برهامي يلقى أول خطبة رسمية بالإسكندرية بعد حصوله على تصريح الخطابة، 6 مارس 2015

http://goo.gl/i4Nm9f

18- الأهرام المسائي العدد الأسبوعي "القوافل الدعوية ومرحله جديدة من مواجهه التطرف" ، صفحة 4 ، 5 مايو 1996

19-الأهرام " مصر مجتمع متدين تتواصل فيه الأديان وأفكار عباده الشيطان وافدة إلينا" ، صفحة 12 ، 3 فبراير 1997.

20-مصراوي ، " الأوقاف تقرر البدء في تطوير الخطاب الديني طبقًا لتوجيهات السيسي" ، السبت، 03 يناير

http://goo.gl/8749LD

21-مصر العربية " ننشر نص وثيقة الأوقاف لتجديد الخطاب الديني " ، الثلاثاء 26 مايو http://www.masralarabia.com/%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B

22-الشروق " الحكومة تعلن الحرب على الإلحاد " ، الجمعة 11 يوليو 2014http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11072014&id=36dda517-a293-4505-8e3c-

23-أوقاف أون لاين ، "صناعة الإلحاد والإرهاب" ، 5 مارس 2015 http://www.awkafonline.com/portal/?p=15484

24-Scott W.Hibbard , Religious Politics & Secular state Egypt , India and United state