قانون العمل الجديد
يجرى الآن الإعداد لقانون عمل جديد دون شفافية كافية فى الإعلان عن تفاصيله للرأى العام على الرغم من مساسه بقطاع عظيم من المجتمع هو العمال. قانون جديد لا نفهم حتى الرؤية التى تحكم إعداده.
أسئلة كثيرة تحوط هذا القانون ولا نجد أى إجابات.
فهل جاء القانون الجديد من أجل ضمان بيئة عمل لائقة تحترم حقوق العمال الأساسية كما أقرتها الاتفاقيات الدولية لمنظمة العمل الدولية؟ أم يأتى من أجل فرض تسهيلات جديدة لأصحاب الأعمال؟ هذه إشكالية كبيرة بالنسبة إلى مصر، خصوصا أن أكثر من 70% من العاملين فى القطاع الخاص يعملون دون أدنى حماية بشكل غير رسمى.
أيضًا وفى غياب برلمان منتخب، مَن يناقش هذا القانون؟ وهل هم الأكثر تعبيرًا عن أصحاب المصلحة فى هذا القانون، خصوصا من بين العمال الذين يغيب عنهم الحق فى اختيار النقابة التى يريدون الانتماء إليها؟
والأهم، هل يأتى القانون فى إطار رؤية أشمل لدور الدولة فى المجال الاقتصادى؟ فكما أشرت فى مقال سابق، إن الدولة الدنماركية على سبيل المثال تعطى لأصحاب الأعمال مرونة شديدة فى تعيين أو فصل العمال، لكنها تلتزم أيضا بحمايتهم عبر برامج متكاملة لرعايتهم وإعادة تأهيلهم لسوق العمل عند الفصل من العمل. فهل هناك رؤية جديدة يطرحها هذا القانون فى ما يخص مرونة سوق العمل؟ وهل يدرك المسؤولون عن هذا القانون أنه لا يمكن أن يأتى إلا فى ظل برامج حماية قوية للعاطلين توفرها الدولة ويساهم بها أصحاب الأعمال؟
أخيرًا، هل يعالج القانون الجديد النزاعات المستمرة داخل أماكن العمل؟ هل تدرك وزيرة القوى العاملة أنه لا يمكن أن تستقر علاقات العمل إلا فى ظل بيئة تشجع المفاوضة الجماعية من ناحية، وتضمن التقاضى السريع والعادل من ناحية أخرى؟ والأهم، هل تدرك أن تلك البيئة من أهم شروطها الأساسية حماية العمل النقابى الحر والقدرة على إنفاذ القوانين على الجميع؟
فى مصر يستعجب المواطنون من كثرة الإضرابات وهم غير مدركين مدى خلل المفاوضة الجماعية والتقاضى فى مصر. فقط يكفينى تذكيركم بأن إجراءات التحكيم والمفاوضة الجماعية ما زالت محتكرة من اتحاد عمال مصر طبقًا للقانون الحالى، بل وقد تأخذ ١٨٠ يومًا، أى ٦ أشهر، كما هو محدد فى مواد قانون العمل الحالى. قد تفاجأ أكثر حين تعلم أن دولة مثل جنوب إفريقيا على سبيل المثال توجد بها هيئة مستقلة للتحكيم والمفاوضة الجماعية حتى تضمن حل المنازعات فى ما لا يزيد على شهر واحد على الأكثر، بل إن فى عديد من الدول يتم التقاضى بصورة أكثر إنجازًا فى القضايا التى تخص الحقوق المستقرة فى قوانين العمل والاتفاقيات الجماعية التى دخلت حيز التنفيذ.
فى تقديرى، الإجابات ما زالت غائبة، بل إن الأقرب أن هذا التعديل لا يحكمه سوى التفكير فى مصالح أصحاب الأعمال بما يضمن جذب الاستثمارات. هذا التفكير الذى سيظل معنا ما دام الشاغل الرئيسى للسلطة هو معدلات النمو وجذب الاستثمارات دون تحديد توجه جاد من أجل ضمان العدل الاجتماعى والتوزيع العادل لعوائد النمو.
تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة التحريرالإلكتروني بتاريخ 7 ديسمبر 2014