المكوجية يحرقون النسيج الوطني
أحرق سامح المكوجي قميص أحمد في قرية دهشور. بالتأكيد من حق أحمد أن يغضب، من المتوقع أن تحدث مشاجرة. من المتوقع أيضا أن ينضم لكل طرف أصدقاء وأقارب. طبيعي أن تكبر المشاجرة في قرية بسبب التضامن العائلي هناك. شيء مؤسف فعلا. ولكن لماذا تتحول تلك المشاجرة الكبيرة إلى أحداث عنف طائفي بين مسلمين ومسيحيين لأن سامح مسيحي وأحمد مسلم؟
جزء من الإجابة: بسبب التضامن على أساس الدين، وهو شيء يحبذه مجمل الخطاب الديني لأي دين.
ولكن التضامن الديني مع أحمد من جانب مسلم آخر لا يفسر وحده أن يقوم هذا المسلم الآخر بمحاولة اقتحام بيت سامح أو نهب محتويات محل مملوك لمسيحي آخر لا علاقة له بالأمر أو الاعتداء على الكنيسة التي يذهب إليها مسيحيون مثل سامح.
التضامن الديني يتضمن أحيانا إشارة لصراع بين الحق والباطل، طرفان لديهما موقف ديني مختلف، وكل طرف يتمسك بتضامن بناء على هذا الموقف. يرفض التضامن الديني في معظم الأديان العدوان والأذى ولكنه يبرر أو يتيح طلب القوة من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا أو طلب المقاومة من أجل دفع عدوان الكافرين/ الظالمين/ الطرف الآخر من التضامن الديني. وبين القوة والمقاومة يحدث صراع ويقع العدوان والأذى.
يقودنا ذلك إلى تفسير أقرب. هو أن هناك طرفًا يلتمس القوة بناء على ذلك التضامن الديني وطرفًا آخر اعتاد أن يلتمس المقاومة والغوث في التضامن الديني المقابل. ويمكن أن تنعكس العلاقة، فيلتمس الطرف الثاني القوة في تضامنه الديني ويقاوم الأول عبر تضامنه الديني.
هناك واحد مسلم يتدخل في المشاجرة، باعتباره مسلما، فيعتدي على آخر مسيحي أو على كنيسة لأنهما أشخاص/ أشياء تنتمي للطرف الآخر، طرف سامح المسيحي الذي يتصارع مع أحمد، أخيه المسلم. وهناك مسيحي يدافع عن سامح المسيحي ليقاوما الطرف الذي يتشكل من مسلمين متضامنين. في مواقف أخرى يمكن استبدال الأطراف.
لماذا وصلنا إلى ذلك؟ هو أمر يطول التساؤل حوله ويأخذنا إلى عمق التاريخ وتعرجات الجغرافيا. ولكن كيف يستمر ذلك إلى الأبد، هذا ما يعمل كثيرون من أجل استمراره. البعض يعمل من أجل استمرار التضامن الديني الذي يطلب القوة والبعض يعمل من أجل استمرار التضامن الديني الذي يوفر المقاومة.
صناعة «القوة والمقاومة»
القوة والمقاومة في دهشور في أشكالهما البدائية الصريحة العارية، المزعجة والمنفرة: صراع التغلب البدني وفرض السيطرة و«التعليم على الآخر» في شوارع قرية. هو شكل صادق وحاد يشبه الصراع بين قوى الثورة وقوى النظام في اللحظة الفارقة: 28 يناير. وهذه الأشكال الصريحة والصادقة من الصراع لا يحبها السياسيون والقيادات الدينية في موقع السلطة، لأن «أكل عيشهم» هو الاشتراك في لعبة الصراع وإدارة علاقة القوة هذه وفرضها وتحجيم المقاومة وإخضاعها أو منحها بعضا من المكاسب المحدودة، كل ذلك يجب أن يتم بمبررات «متحضرة» مثل «احترام إرادة الأغلبية» و«الهوية» و«النظام العام» و«الأمن القومي» و«النسيج الوطني».
مثلا، محمد مرسي، أصبح رئيسا للجمهورية لأنه بالأساس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. هذه الجماعة رأت الأمة الإسلامية تتعرض لعدوان فشكلت تنظيم «مقاومة» عبر التضامن الديني. وظلت تقاوم إلى أن اقتربت من السلطة وبدأت تمارس بعض «القوة» التي تتيحها المكاسب التي يحصدها التنظيم المعتمد على التضامن الديني، ومعه القوى والتيارات الإسلامية التي حصدت مكاسبها بفضل جمهورها المخلص الملتف حولها في تضامن ديني.
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يقود الآن المؤسسة الأزهرية لتكون قوة تحمي مبادئ الشريعة وتحمي الشريعة من المذاهب الأخرى غير أهل السنة وتحمي الإسلام من أي فكرة أخرى.
الأزهر كان قديما أداة في يد النظام وأحد مظاهر «قوته» في قهر «مقاومة» التيارات الإسلامية. الأزهر كان يحاول أن يضع كارت التضامن الديني في جيب النظام بينما نجحت التيارات الإسلامية في أن تثبت أن تضامنها الديني ضد النظام أو بعيدا عنه هو الأكثر حيوية وإلهاما للمشاعر. الأزهر الآن وفق قانونه الجديد ووضعه الجديد في الدستور يستعد للتحول إلى لاعب مختلف، يزاحم التيارات الإسلامية احتكارها للتضامن الديني ولكنه يريد صداقتها لأنه وفق نفس التضامن سوف يؤسس لقوة الأغلبية المسلمة السنية وسيطرتها على السياسة والتشريع وما هو المسموح به في المجال الديني، ويعطي الأقلية المسيحية في مجال الأحوال الشخصية لكي تكونا معا قوة تقهر مقاومة الطوائف الدينية الصغيرة التي تهدد «الوحدة الروحية» بتعبير الطيب أو «هوية الأمة وإرادة الأغلبية» بتعبير تحالف القوى الإسلامية من إخوان وسلفيين أو «النسيج الوطني» بتعبير عبد الرحمن يوسف.
يعيدنا «النسيج الوطني» لا إراديا إلى المكوجي، ولكن مفهوم النسيج الوطني مثل غيره من المفاهيم ليس إلا أداة مثل المكواة، يريد من يستعملها «فرد المجتمع» و«تسويته» لكي تختفي الكرمشات والتعرجات غير المطلوبة. ولكن المجتمع ليس نسيجا واحدا مفرودا مستويا لأن فيه العديد من البشر الذين يفكرون ويقررون ويختارون بحرية، مما يثير أسفهم. النسيج الوطني المفرود هو تصور في رأس السياسي المكوجي عما هو موجود أمامه من نسيج غير قابل للكي والتسوية. وأداته التي تحرق بالبخار أو بالكهرباء هي الدستور والقانون الذي يستبعد ويحرم ويحبس ويقيد. أي يقهر بشياكة - وليس على طريقة حرب الشوارع في دهشور - الطرف الآخر الأضعف من «النسيج الوطني».
أحيانا يمثل النسيج الوطني «التضامن الديني المعدل قليلا»، مع ضم حلفاء كبار - المسيحيين - لا يمكن قهرهم بشدة في مواجهة خصوم أضعف وأقل: شيعة، بهائيين، قرآنيين، كنائس صغيرة جديدة، ومعهم أفراد أحرار لا يريدون الاشتراك في مصارعة التضامن الديني ولا يتبعون المراجع الملزمة المكتوبة في الدستور وكتب الدين المدرسية.
* نشر في جريدة المصري اليوم 1 أغسطس 2012.