الديمقراطية الكريهة
أنا مثلا أعطيت صوتي في الانتخابات البرلمانية للدكتور عمرو الشوبكي الذي أصبح نائبا في البرلمان، لكنه الآن من الرافضين لاتخاذ البرلمان موقف ثوري بتسلم السلطة فورا من العسكر وإدارة باقي المرحلة الانتقالية تحت سلطة مدنية منتخبة. بينما أنا أنادي بما سبق. ما الذي يمكن أن أفعله؟ وبأي معنى هو يمثلني فعلا؟.
الموقف الذي يعبر عنه الدكتور الشوبكي أختلف معه بشدة الآن، فأنا أرى أنه ما زالت هناك حركة ثورية في الشارع يجب أن تنتزع مطالبها في مواجهة باقي النظام المتمثل في المجلس العسكري.
ولكني أتوقع أن يعبر نائبي عني في مواقف أخرى، ويعبر عني بشكل ما أقل في غيرها، وربما يتخذ مرة أخرى موقفا بعيدا تماما عما أريده. أما نائب العمال عن حزب الحرية والعدالة الذي اعطيته صوتي في الإعادة، لأن منافسه كان عضوا سابقا في الحزب الوطني، فقد افتتح أدائه البرلماني برفض الهجوم السياسي على العسكر، وحسبي الله ونعم الوكيل.
هذه ليست حكاية شخصية. الورقة التي وضعت فيها أنت أيضا العلامة أمام اسم مرشح في ورقة التصويت ثم وضعتها في الصندوق لا تعني أن هذا النائب أصبح «أنت» في ساحة السياسة.
ربما وافقت على الخطوط العامة لبرنامجه أو برنامج تياره السياسي أو اتخذت قرارك لأن ذلك التيار هو «الأقوى والأقدر على قيادة البلد» - كما سمعت - أو لأنه الأقل سوءاً أو أيا كان.
من المحتمل أنك الآن تستعير العبارة العظيمة : «الأمر الذي يثبت كراهيتهم للديمقراطية التي طالما تغنوا بها، وعدم احترامهم لخيار الشعب وإرادته».
العبارة السابقة من بيان الإخوان العظيم الذي صدر قبل ساعات ردا على الاشتباك الذي جرى بين المتظاهرين الذين توجهوا إلى البرلمان مساء الثلاثاء لعرض مطالبهم عليه وبين شباب الإخوان الذين وقفوا حائط صد أمامهم بدعوى حماية البرلمان. وهي طبعا تصف التيارات السياسية الليبرالية واليسارية التي ينتمي إليها هؤلاء المتظاهرين.
وبصفتي منحازاً إلى هؤلاء الذين تظاهروا من أجل مطلبي الذي لا يؤمن به نائبي في البرلمان، أقول أن هناك بالفعل «ديمقراطية كريهة» تلك التي يستخدمها أولئك الذين لا يؤمنون بالحرية أو يضيق صدرهم بها. ويتصورون أن الديمقراطية تقتضي أن يصمت المعارضون دورة برلمانية وأن يصمت الناس جميعا ويلتزمون البيوت انتظارا لفرصة أخرى يضعون فيها أوراقا في صناديق.
الديمقراطية التي أريدها ليست ديمقراطية هاجس أغلبيتها «حماية البرلمان» من المعارضين، بل الديمقراطية التي تحمي الناس من بطش السلطات جميعا واستبدادها.
المطالبة بالديمقراطية التي رفعناها في وجه الديكتاتور مبارك كانت مطالبة بحريات تسمح بأن تكون «مباني ومظاهر الديمقراطية» فعلا أداة في يد الناس لتصحيح النظام وليست أداة لتأكيد سطوته وقوته.
النائب الذي يمثل الناس ليس لسانهم ولا يدهم لأنهم انتخبوه، لكن خشيته من حقهم، في إعادة انتخابه من عدمه، من المفترض أن تجعله يراعي مصالح الأغلبية منهم.
من يحمي مصالح الأقلية؟
يمكن أن تتعرض الأقليات لانتهاك حقها ومصالحها وحرياتها في ظل «ديقراطية كريهة» لا تعرف من الديمقراطية غير التفويض بالسلطة وتقضي على نفسها بالتعفن والتحول إلى تسلط أغلبية لأنها تقمع الحريات وتنزع عن الديمقراطية كل جانبها المضيء.
كل الوجه المضيء في الديمقراطية هو في المحاسبة، الوجه المضيء للعملية الديمقراطية في الانتخابات البرلمانية هو أن الشعب أسقط معظم مرشحي الحزب الوطني والمقربين من النظام وأعطى صوته لغيرهم.
أما غيرهم من النواب الجدد فسيكون الجانب المضيء في الديمقراطية التي أتت بهم هو فيما يلي انتخابهم. في محاسبتهم ومراقبتهم إعلاميا وفي الشارع بالاحتجاجات والمطالبات حتى إعادة انتخابهم أو إسقاطهم.
أما الديمقراطية الكريهة فعلا فهو أن تبدأ الأغلبية في أول أسبوع لها التحريض على الأقلية وتستعير صوت الحزب الوطني وتتهمها بنفس الاتهامات التي وجهها لها النظام السابق ثم المجلس العسكري.فيضيق صدرها بالإعلام وباحتجاجات الشارع كما عبرت الجماعة في بيانها الأخير التي تهاجمها كما ضاق أسلافها من قبل.
الوجه الكريه للديمقراطية أن يمتطي صهوة الأغلبية نواباً للشعب منتخبين، يطالبون مجلسا عسكريا ووزارة داخلية عينها العسكر بالتعامل مع المعارضين والتحقيق معهم باتهامات التمويل والتدريب في الخارج من أجل إشاعة «الفوضى والعدوان والتخريب» كما يقول البيان العظيم.
وذلك بدلا من أن يضع النواب خطة لهيكلة وزارة القمع والبلطجة وتطهيرها من القتلة والمجرمين وبدلا من أن يطالبوا المجلس العسكري بالتوقف فورا عن التدخل في الشؤون السياسية، بل محاسبته ومحاكمته على قتل المتظاهرين وعلى إهدار حقوق الآلاف في المحاكمات العسكرية!
الديمقراطية أداة يمكن أن تكون كريهة طالما سترفعون في وجوه الناس سلطتكم كل لحظة وسترفعون صوت القرآن على أصوات المتظاهرين كما حدث في 28 يناير وسترفعون صورة السيفين في شعار الجماعة على صدر بياناتكم العدوانية ضيقة الصدر التي تصدر من الجماعة لا من الحزب. ربما لانها ستكون مسخرة أن تصدر مثل هذه البيانات من حزب اسمه «الحرية والعدالة».
* نشر هذا المقال في جريدة المصري اليوم 1 فبراير 2012.