نقاط أساسية للحوار المطروح الآن فى ملف الصحة
مقدمة النظام الصحى وسيلة إلى غاية نهائية تتمثل فى تحسين المؤشرات الصحية للمواطن والمواطنة والأسر المصرية ككل، وخفض عبء المرض المالى عليهم واحتواء التكلفة المزيفة للخدمة، وزيادة رضا من يتلقى الخدمة عن كفاءتها وجودتها.
فى سياق الحوار الوطنى المطروح حاليا، وأخذا بالتشجيع والتحفيز لطرح آراء مختلفة على أسس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. تسعى هذه المقالة لطرح بعض رءوس المواضيع لأهم نقاط ومحاور الحوار المطروح فى الآتى:
1ــ مراجعة وتقييم تنفيذ نظام التأمين الصحى الشامل الجديد فيما تم من مرحلته الأولى وفق معايير علمية محددة: بدأ تنفيذ التأمين الصحى الشامل فعليا منذ حوالى أربع سنوات. وبالرغم من إيجابية القانون والتقدير للمجهود المبذول. تظل المشاكل التالية تحتاج لنقاش.
أولا: التمويل: يتمثل أحد التحديات الرئيسية التى تواجه تنفيذ التغطية الصحية الشاملة فى مصر فى التمويل. كيف سيتم دمج العمالة غير الرسمية؟ ما هى الآليات التى تم تنفيذها فى محافظات المرحلة الأولى؟ هل تقدر هيئات التأمين الجديد بشكل منفرد على دمج القطاع غير الرسمى؟ أين دور وزارة التضامن والمالية فى ذلك؟ يظل وضع القطاع غير الرسمى لغزا وتحديا كبيرا أمام التأمين الصحى الشامل.
ثانيا: البنية التحتية: البنية التحتية للرعاية الصحية الأولية فى مصر هى أيضًا تحدٍ كبير. إذ تفتقر العديد من المناطق الريفية إلى إمكانية الوصول إلى مرافق وخدمات الرعاية الصحية الأولية. الرعاية الأولية هى المدخل الأساسى للنظام الجديد وهناك نقص فى من يقدم الرعاية الصحية الأولية، لا سيما فى المناطق الريفية والنائية. هذا النقص فى البنية التحتية يجعل من الصعب تقديم خدمات التغطية الصحية الشاملة.
ثالثا: الموارد البشرية: يوجد نقص فى العاملين المدربين فى مجال الرعاية الصحية فى مصر، خصوصا الأطباء البشريين وبالتحديد طبيب الأسرة / طبيب الرعاية الأولية. مما يحد إن لم يكن قد يمنع النظام الجديد من النجاح على تقديم خدمات صحية جيدة. بالإضافة إلى ذلك، انخفاض الرواتب وظروف العمل غير الملائمة وفرص النمو المهنى المحدودة.
رابعا: الحوكمة والتنظيم: نظام الرعاية الصحية المصرى مجزأ للغاية ومفتت، وعلى رأس هذه المشاكل القطاع الخاص غير المنظم، حيث يعمل العديد من من يقدمون الخدمات العامة والخاصة بشكل مستقل عن بعضهم البعض. هذا التجزؤ يجعل من الصعب تنسيق الرعاية وتنفيذ سياسات التأمين الصحى الشامل، مما قد يجعل الخطط الحالية فى تنفيذ التأمين الصحى الجديد محل تساؤل، وهى تساؤلات وتخوفات مشروعة.
خامسا: المحددات الاجتماعية للصحة: المحددات الاجتماعية للصحة فى الظروف الاقتصادية الحالية من زيادة الفقر وتدهور التعليم أكثر وأكثر وعدم المساواة الاجتماعية الموجودة أصلا والمتصاعدة بقوة، تؤثر أيضًا على تنفيذ التغطية الصحية الشاملة فى مصر.
2 ــ مراجعة وتقييم وتأثير البرامج الصحية الرأسية على صحة الناس وعائدها منسوبا للاستخدام ومنسوبا للتكلفة: بالتوازى مع ذلك، نشطت وزارة الصحة وما زالت فى الاعتماد على برامج صحية رأسية، كوسيلة أسرع لإبراز ما يسمى بالإنجازات والنجاحات. هل ستستمر هذه الاستراتيجية إلى ما لا نهاية؟ كيف ستتم دمج هذه البرامج فى خطط تطبيق التأمين الصحى الشامل؟ أسئلة لا يملك الإجابة عليها إلا القائمون على سياسات وزارة الصحة.
3 ــ مراجعة وتقييم آثار الأزمة الاقتصادية الأخيرة على توفير وإتاحة الأدوية والمستلزمات الطبية وأسعارها على المواطنين والمواطنات وكيفية احتواء التكلفة ومراقبة الأسعار. وهذه مشكلة قد تكون أكبر من قطاع الصحة على بعضه حيث إنها مرتبطة بسلوكيات وأنماط الصناعة فى البلاد المعتمدة بإفراط على الاستيراد، وفى حالة قطاع الدواء، فإن استيراد أكثر من 9% من المواد الأولية والمواد الخام من مادة فعالة ومستلزمات يجعل سوق الدواء شديد الهشاشة والتقلب وعرضة لزيادة الأسعار.
4 ــ مراجعة وتقييم آثار الأزمة الأخيرة (كوفيد ــ 19) على رد فعل النظام الصحى واستجابته وأوضاع الأطباء والفرق الصحية ونقص أعدادهم وهجرتهم وكيفية علاج الموقف وتحسين مناخ عملهم ودخولهم. وفى هذا السياق، صار من المعروف الآن أن الهدف الأول للأطباء بعد التخرج هو الهجرة والسفر للعمل فى الخارج بحثا عن مقابل مادى آدمى وحياة أفضل ومستقبل لهم ولأسرهم. كيف ساهم عدم التقدير والتعويض العادل للأطقم الطبية خلال جائحة كوفيد ــ 19 فى مضاعفة هذه الظاهرة؟ هل يمكن الاعتراف بأنه كان هناك خطأ ويحتاج للإصلاح فى التعامل مع الأطقم الطبية خلال وبعد الجائحة؟
5 ــ مراجعة وتقييم ما تم فى خطط تطوير التعليم الطبى وتطوير خطط تنميه القوى البشرية الصحية. إذ لا سبيل لقيام تأمين صحى شامل دون وضع الأطقم الطبية فى أولوية الإصلاح، والعمل على تحسين كل العوائق التى يواجهونها وعلى رأسها، بعد ضعف الأجور، التعليم الطبى، وفرص الترقى الوظيفى، والتطور المهنى. هل يعقل أن يتكلف الأطباء وغيرهم من العاملين بالقطاع الصحى كل هذه التكلفة المالية من جيوبهم لإعداد دراسات عليا وتطوير أنفسهم؟
فى الخلاصة، هذه رءوس لمواضيع من المفترض أن تكون على أولويات النقاش الوطنى فى قطاع الصحة.
خبير سياسات صحية