مقدمات أساسية لوضع تشريع في المسئولية الطبية
أصبح الطب علما متقدما وفنا شديد التخصص وله أصول وقواعد على الطبيب أو الطبيبة أن يلتزم بها، ومعايير جودة مقننة لا تقبل التهاون فيها ومن يخرج عنها يعاقب، ولكن ليس بالسجن أو الإعدام وإنما بالوقف عن العمل والممارسة وبالتعويض إذا أخطأ وخرج بالتحقيق الفنى عن أصول المهنة هذا المبدأ الأول الأساسى. ولكن، حصر المسئولية الطبية فى علاقة الطبيب أو الطبيبة بالشخص المريض فهم قاصر للمسئولية فهى أكبر وأعمق من ذلك لأنها تشمل مسئولية الإطار المؤسسى الطبى كله وطبيعة تمويله وإدارته وتقديمه وأخلاقياته ومحددات رقابته، وجودته، وعمومتيه، وخصوصيته. تبدأ المسئولية من رأس الهرم وتنتهى عند قواعده، فإذا تركنا طبيب تخدير تعدى الستين من عمره ليغطى محافظة نائية لا نتوقع أو لا يجب محاسبته وحده عن ذلك. لذلك، يجب مساءلة النظام الطبى كله فى هذه المواقف.
المسئولية هنا يجب أن تكون مؤسسية تعاقدية شاملة. فالأطباء فى مصر مرهقون وظيفيا من حمل العمل، بلا مُعِين، فالحديث هنا عن مسئولية فردية فى غياب مؤسسة معتمدة وجادة، على أقل تقدير لا يجب أن يتم التعامل معه بجدية ويعد ذلك تضييعا للوقت.
الوضع الحالى، قبل صدور هذا التشريع الطبى الضرورى، يعتمد على القوانين السارية العامة غير المتخصصة مثل القانون المدنى وقانون العقوبات الجنائية، فالدعوى الجنائية كما هو معروف تنتج عن المسئولية الجنائية، أى أساسها حدوث جريمة، والجرائم واردة فى القانون على سبيل الحصر والقاعدة فيها أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مسبب. أما الدعوى المدنية فأساسها الضرر للغير والتقاعس فى تنفيذ عقد أو حق (كالحق فى الصحة). والدعوى المدنية يكون الجزاء فيها هو التعويض، والمفروض أن الدعاوى المدنية، ضد الأخطاء خاصة الطبية بأنواعها سواء كانت طفيفة أو جسيمة، يجب أن تراعى خصوصية مهنة الطب فتكتفى بالوقف عن العمل أو التعويض أو غلق المؤسسة وهذا ما يجب أن يؤكد عليه تشريع المسئولية الطبية عن الأخطاء الطبية الواردة.
ولكن كان وما زال تحديد مفاهيم وأنواع الأخطاء الطبية معضلة فى القوانين المصرية الحالية سواء القانون المدنى أو الجنائى فهل يعاد النظر فى ذلك ويصبح تشريع المسئولية الطبية هو المرجع الأساسى للأحكام وأن قرارات لجانه الفنية المختصة باتة ونهائية لا يُرجع بعدها لأى جهة أخرى سواء النيابة العامة أو القضاء العادى، فيصبح هناك قضاء طبى متخصص ولجان فنية معنية بالعمل الصحى وأخطائه حتى لا نسجن أطباءنا، أو يهربوا للخارج؟.
من الطبيعة البشرية أن القائمين بالأعمال أيا كان نوعها قد يقومون بارتكاب أخطاء. وبالتبعية ينطبق ذلك على العاملين والعاملات بالقطاع الصحى، بل إن احتمال الخطأ هنا وارد بشكل أكبر نسبيا، على وجه الخصوص. لذلك، يطلب من العاملات والعاملين بالقطاع الصحى الحصول على درجة محددة وكافية ومختصة من المهارة والتدريب والتعليم قبل تقديم أى نوع من الرعاية الطبية للشخص المريض. وهناك معايير علمية معمول بها ومطلوبة لتوفير الرعاية اللازمة له. يتم تعريف مقدمى الخدمات على أنهم «أى شخص طبيعى أو اعتبارى يمارس أى مهنة تتعلق بالطب أو الصحة...». قانون الصحة يشمل هؤلاء الأطباء (بمن فيهم أخصائيو تقويم الأسنان) والممرضات وأخصائيو التخدير والصيادلة والفنيون.
ما أهم شق فى أى قانون يصدر عن المسئولية الطبية؟ فى الوقت الحالى هناك نقطتان:
• حماية العاملين والعاملات بالقطاع الصحى من السجن، أى عدم جواز القبض على الأطباء وغيرهم من مقدمى الخدمات أثناء عملية التحقيق و/أو المحاكمة التى تتهمهم بدعوى الإهمال الطبى إلا بعد صدور حكم قضائى بهذا الشأن والبحث عن أشكال أخرى من المساءلة، مثل الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة من الزمن أو للأبد فى حالة كان الخطأ الطبى جسيما. أما فى حالة الأخطاء الطبية التى قد ترقى للجنائية فالقوانين الحالية كافية للتعامل معها.
• أن يكون قرار الجهة التى سيشكلها القانون ملزمة فى النهاية وتكون هذه الجهة مستقلة عمليا وقانونيا. أى لا أن يكون رأيها استشاريا فقط.
إصدار قانون المسئولية الطبية ضرورى ومهم وسيعالج فجوة التشريعات الصحية فى مصر. ومع ذلك، فإن العديد من الجوانب فى الواقع والممارسة لن يحلها القانون، بل تحتاج علاج مشاكل المنظومة الصحية فى مصر المعروفة للجميع. علاوة على ذلك، فإن أيا كان الشكل الإدارى الذى سيخلقه القانون، فإن الهدف هو إنشاء نظام وآليات واضحة للمرضى من المواطنات والمواطنين لتقديم الشكوى فى حالة حدوث خطأ طبى من ناحية، ومن ناحية أخرى حماية الأطباء والعاملين والعاملات بالقطاع الصحى تمنع حبسهم وتحقق فى الاتهامات المتعلقة بالأخطاء الطبية حال حدوثها.
قانون المسئولية الطبية يرسم خطوطا واضحة للالتزامات والقيود المفروضة على من يقدم الخدمات مع العقوبات المفروضة فى حالة الإخلال بأحد هذه الالتزامات.
*نُشر هذا المقال في موقع الشروق