سيناريوهات التعامل مع الجائحة

6 June 2021

نشر فى : الإثنين 10 مايو 2021 - 7:25 م في جريدة الشروق

كانت استجابة البلدان فى التعامل مع جائحة كوفيدــ19 بأنماط غير متكافئة، وفقا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى كل بلد، وأدت الجائحة إلى تأثيرات غير متكافئة، ولا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين مع استمرار تطور الوباء. تجرى الآن حملات التطعيم ضد كوفيدــ19 فى العديد من البلدان، لكن هذا لا يعنى أن الأزمة على وشك الحل. فهناك العديد من السيناريوهات المحتملة للتعامل مع الجائحة.
سيعتمد مستقبلنا مع الوباء على ما سيظهر من التغيرات (التحورات) المستمرة لـ SARSــCoVــ2، وعلى سلوك المواطنين والمواطنات، وعلى قرارات الحكومات حول كيفية الاستجابة للوباء، وعلى التقدم فى تطوير اللقاحات والعلاجات، وعلى عدالة توزيع اللقاحات ومستلزمات كوفيدــ19.
ولأهمية التخطيط الصحى للمستقبل، وإسهاما فى عرض تصورات للتعامل مع الجائحة، قد يكون هناك لدى البشرية خمسة سيناريوهات لاحتواء الوباء فى عامين من الآن أو أكثر حسب كفاءة وعدالة إدارة ملف الصحة الدولية من قبل الفاعلين الأساسيين وأصحاب المصلحة: الأول ــ تسريع عمليات التطعيم بعدالة لحوالى 70% من السكان على مستوى العالم حتى نهاية 2022. الثانى: الالتزام بوسائل الحماية غير الدوائية والمشاركة المجتمعية النشطة والتعايش الإيجابى المحسوب حتى نهاية 2024 أو 2025. وفى هذا السيناريو ستظل اللا مساواة العالمية فى توزيع اللقاحات سمة ظاهرة وستكون الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل مجبرة على اللجوء لوسائل أخرى غير اللقاحات لاحتواء انتشار الفيروس. السيناريو الثالث مزيج من الأول والثانى. السيناريو الرابع: فشل ما سبق وترك الأمر للتعايش السلبى وستكون هناك إصابات ووفيات واسعة النطاق فى البلدان الفقيرة والمتوسطة. السيناريو الأخير اكتشاف دواء مباشر موجه لعلاج كوفيدــ19.
***

السيناريو الأول يحتاج لتضامن واسع النطاق وأن تتحمل الدول الغنية، والتى لديها إمكانيات تكنولوجية وتصنيعية جبارة، أن تتحمل مسئوليتها، وتتخذ بعض الإجراءات والتدابير لضمان وصول الجميع للقاحات.
فى هذا السياق، بسبب البطء فى حصول بعض الدول على اللقاحات، وسيطرة الدول الغنية على أغلبها، قادت الهند وجنوب أفريقيا، وانضم إليهما لاحقا العديد من دول العالم، من بينهم مصر، وانضمت أيضا منظمة الصحة العالمية والعديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى الدولية والإقليمية والمحلية، قادوا معركة للمطالبة برفع مؤقت لحماية براءات اختراع لقاحات ومستلزمات كوفيدــ19 للمساعدة فى تعزيز الإمداد العالمى، وتوسيع وتسريع عمليات التطعيم فى جميع دول العالم.
قوبل طلب تعليق براءات اختراع كوفيدــ19 برفض من قبل بعض الدول الغنية (لم توافق الولايات المتحدة فى بادئ الأمر، ثم وافقت لاحقا) وبالطبع رفضت شركات الأدوية الكبرى كذلك هذا الطلب، ومنذ 7 شهور هناك مفاوضات مستمرة فى منظمة التجارة العالمية بشأن حقوق الملكية الفكرية، لرفع الحماية عن براءة اختراع اللقاحات. ثم أعلنت الولايات المتحدة دعمها لطلب رفع حماية براءات اختراع لقاح كوفيدــ19، وهو القرار الذى اعتبرته منظمة الصحة العالمية «لحظة هائلة» فى المعركة لإنهاء الجائحة القاتلة.

وبحسب الممثلة التجارية الأمريكية، أن سبب تغيير قرار أمريكا: «هذه أزمة صحية عالمية، والظروف الاستثنائية لجائحة كوفيدــ19 تستدعى اتخاذ تدابير استثنائية.. من أجل إنهاء هذه الجائحة، تدعم أمريكا التنازل عن حماية براءة اختراع للقاحات كوفيدــ19».
هذه خطوة ممتازة، وإن كانت متأخرة 7 أشهر، ومن الجدير بالذكر أن المفاوضات ستظل مستمرة لحين موافقة باقى الدول الرافضة لتعليق الملكية الفكرية فيما يخص لقاحات كوفيدــ19.
فيما يخص شركات الأدوية الكبرى التى تملك وتحتكر حقوق التصنيع، ما زالت هذه الشركات فى الغالب تحافظ على سيطرة أحادية الجانب على إنتاج وتسعير وتوزيع هذه لقاحات كوفيدــ19 وبالتالى، لديها القدرة الكاملة على تحديد مسار التعامل مع الوباء. بالإضافة إلى ذلك، تم رفض فكرة إنشاء صندوق يُسهِّل الوصول إلى التكنولوجيا الخاصة بكوفيدــ19، (The COVIDــ19 Technology Access Pool) الذى أطلقته منظمة الصحة العالمية، لتبادل المعرفة والملكية الفكرية والبيانات طواعية من قبل مصنعى الأدوية.
***
وفق السيناريو الثانى والثالث، لن يحدث نقلة نوعية فى مشاركة اللقاحات وعدالة التوزيع بين دول الشمال والجنوب العالمى، وستظل اللا مساواة هى السمة الأساسية، ولكن ستكون هناك إجراءات من قبل مبادرة كوفاكس (والتى تعمل على ضمان تطعيم 20% من سكان كل بلد)، وحتى بفرض نجاح كوفاكس فى الالتزام بوعودها، فلن يكون هناك نجاحا نوعيا فى القيام بعدالة توزيع اللقاحات، وستترك كل بلد لحالها ومدى نجاحها فى تأمين ما تحتاجه من لقاحات وعلاجات. وبالطبع ستكون هناك تكلفة عالية ومؤلمة فى خسارة الأرواح، وما نراه فى الهند حاليا من مأساة صحية وإنسانية، وموجة ساحقة للفيروس، قد يكون قابلا للتكرار فى بدان الجنوب العالمى طالما لم يتم تطعيم على الأقل 70% من سكان هذه الدول.
السيناريو الرابع يعتبر الأسوأ على الإطلاق فى حالة فشل كوفاكس وفشل المفاوضات حول تعليق براءة اختراع اللقاحات، وعدم تحمل الدول الغنية وشركات الدواء الكبرى لمسئوليتها من مشاركة اللقاحات والمعرفة الخاصة بتكنولوجيا التصنيع.
وبالطبع السيناريو الخامس من حيث اكتشاف علاج موجه مباشر يعتبر أملا للبشرية بالفعل تعمل بعض الشركات على ذلك.
وفى الخلاصة، ستحدد العديد من العوامل النتيجة الإجمالية للمواجهة ضد الجائحة. إن نهج القومية ضيقة الأفق وليس نهج التضامن العالمى لإيصال اللقاح ليس خاطئًا من الناحية الأخلاقية والإنسانية فحسب، بل حتى من ناحية عملية يمنع أى عودة إلى مستوى الحياة الطبيعية، وعودة الاقتصاد العالمى لوضع ما قبل كوفيدــ19، لأنه لا يمكن لأى بلد أن يكون آمنًا حتى تصبح جميع البلدان آمنة. حيث يمكن أن يستمر فيروس SARSــCoVــ2 فى التحور بطرق تسرع انتقال الفيروس وتقلل من فاعلية اللقاح. وفى ظل عدم الاعتماد على التضامن والمشاركة والعدالة فى توزيع اللقاحات من المحتمل أن يمر العالم بسنوات عديدة قبل العودة للوضع الطبيعى، وستدفع دول الجنوب العالمى الثمن الأكبر طالما لا يوجد حل سريع متاح فى الوقت الحالى.

سيعتمد مستقبلنا مع الوباء على ما سيظهر من التغيرات (التحورات) المستمرة لـ SARSــCoVــ2، وعلى سلوك المواطنين والمواطنات، وعلى قرارات الحكومات حول كيفية الاستجابة للوباء، وعلى التقدم فى تطوير اللقاحات والعلاجات، وعلى عدالة توزيع اللقاحات ومستلزمات كوفيدــ19.