تساؤلات حول الاستجابة لكوفيدــ 19

20 يوليو 2020

تحذر منظمة الصحة العالمية وغيرها من علماء الوبائيات والأمراض المعدية من موجة ثانية من كوفيدــ19. جائحة الإنفلونزا الإسبانية 1918 تعمق الانطباع بحدوث موجة ثانية. وقعت الموجة الأولى من جائحة الإنفلونزا الإسبانية بين مارس ويوليو، وكانت خفيفة نسبيا، ثم وصلت الموجة الثانية فى أغسطس، كانت أسوأ بكثير وأعنف. معظم حالات الوفاة خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية (والتى كانت بين 50 و100 مليون) وقعت خلال 13 أسبوعا بين سبتمبر وديسمبر 1918. احتضن القرن الماضى فكرة أن حدوث الموجة الوبائية الثانية كأمر حتمى لا يمكن تجنبه. والسبب فى ذلك يعود لتجربة العالم السابقة مع وباء الإنفلونزا الإسبانية، التى ظهرت فى شكل موجتين، وكانت الموجة الثانية أشد خطورة وتأثيرا من سابقتها. سواء كان حدوث الموجة الثانية بشكل حتمى صحيحا أم لا، فمن الصحيح أن نسأل: ماذا يجب علينا أن نفعل للتحضير؟

بداية، سياسة الإغلاق والحظر سواء كان كليا أو جزئيا وإغلاق المدارس والأماكن العامة والمقاهى وغيرها قد تكون سياسة غير مستدامة، فضلا عن المخاطر على الصحة النفسية التى يسببها الوباء وهى مخاطر وتحديات حقيقية. يتوقع بعض العلماء وصول موجة ثانية فى الخريف (سبتمبر أو أكتوبر)، تصل ذروتها بحلول نهاية عام 2020. ويتوقعون أن يكون الجمهور أقل تسامحا مع إجراءات الحكومات المستقبلية من الإغلاق العام أو الجزئى.

***

فى سياق انخفاض أعداد الإصابات والوفيات فى مصر هناك عدة تساؤلات بحثية من المفيد والضرورى طرحها للنقاش:

1 ــ هل تجاوزنا ذروة الوباء (أو الموجة الأولى) فعلا فى أواخر شهر يونيو الماضى وما الدليل؟ وحتى تكون هناك إجابة لهذا السؤال نحتاج لمزيد من الشفافية وقواعد البيانات والمعلومات اللازمة لتكوين رأى أو تحليل.
2 ــ معروف من السنوات السابقة وفق بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن عدد الوفيات السنوية لأسباب مختلفة تصل قرابة نصف مليون وفاة أو أكثر قليلا (عـدد الوفيات 560308 عام 2018 مقابل 547208 متوفين عام 2017). مع ملاحظة أن آخر إصدار خاص بإحصاءات المواليد والوفيات كان فى عام 2018. وفى نفس السياق، رصد «انفوجرافيك» أصدره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، انخفاض معدلات الوفاة فى مصر خلال شهر إبريل هذا العام 2020، على الرغم من انتشار فيروس كورونا المستجد، مقارنة بالعامين الماضيين. أوضح الإنفوجرافيك أن إبريل عام 2017، سجل وفاة 41.655 شخصا، بينما عام 2018 فسجل وفاة 43.399 شخصا، أما عام 2019 فسجل وفاة 43.303، بينما سجل شهر إبريل هذا العام وفاة 42.144 شخصا. وهو ما يرجح أن الجائحة لم تؤثر على عدد الوفيات على المستوى القومى. ولكن، من المهم تقديم تفسير لتراجع أعداد الوفيات بالإضافة إلى توضيح أسباب الوفاة حتى نستطيع فهم الأثر الحقيقى للجائحة.
3 ــ هل قل التردد والضغط على المستشفيات بالفعل بسبب الوباء؟.
4 ــ هل قلت طلبات الخدمات الخاص للأشعة المقطعية للصدر والتحاليل.
5 ــ ما هى تكلفة ما تم إجراؤه من أشعة مقطعية وتحاليل، وما هى تكلفة شراء الأدوية والمستلزمات الخاصة برعاية مرضى كورونا المستجد من القطاع الخاص. بشكل أوضح، ما هو حجم الإنفاق من الجيب مباشرة منذ بداية الجائحة وحتى الآن، مع اعتراضنا من الأساس على تسليع الخدمة والسماح بالدفع من الجيب فى ظل وباء عالمى.
6 ــ هل قامت الجهات الأكاديمية بدورها المنتظر فى تحليل الموقف وقدمت حلولا مفيدة.
7 ــ ما تكلفة القلق والخوف من المرض فى طلب خدمات خاصة صحية غير لازمة.
***
ومن الجدير بالذكر، أن عدد حالات كوفيدــ19 فى تقرير وزارة الصحة اليومى، هو عدد الحالات التى يثبت إيجابيتها عن طريق اختبار المسحة، وهى بالتالى تعبر عن عدد الحالات التى تذهب إلى مستشفيات وزارة الصحة للتشخيص والعلاج، وتجرى لها اختبارات المسحة من خلالها، والآن الغالبية العظمى من الحالات، لا تذهب للمستشفيات، ولكنها تقوم بالعزل الذاتى بالمنازل، وتشترى الأدوية ومستلزمات العزل المنزلى من جيبها، ولا تجرى اختبار المسحة ولكن تعتمد فى التشخيص على الأعراض وبعض الاختبارات المعملية وصور أشعة الصدر. وبالتالى تكون غير مدرجة فى الإحصاء اليومى. لذلك، فإن التقرير اليومى يعبر عن قمة جبل الجليد، ولكنه لا يعبر عن حجم الإصابات الحقيقى تحت السطح.
والحقيقة، كما تم التوضيح سابقا، أن المسألة المهمة هى إتاحة المعلومات بشكل أكبر وقواعد البيانات اللازمة حتى نتمكن من تكوين رأى أو تحليل، وهذه ليست رفاهية ولكنها ضرورة. والنقطة الثانية، هى الحاجة لمزيد من المشاركة المجتمعية الواسعة من جمعيات أهلية، وخبراء وباحثين مستقلين فى صنع القرار الصحى.
والخلاصة، بعد استقرار الوضع الوبائى حاليا، ماذا إذن لو حدثت بؤر تفشى جديدة؟ يجب أن تكون القرارات الخاصة بالفتح خاضعة لمراجعة دورية وفقا للوضع الوبائى فى البلاد، وقد تكون عمليات الإغلاق القصيرة (على سبيل المثال، لمدة أسبوعين) متبوعة بالفتح لمدة تتراوح بين 2 إلى 6 أسابيع كافية لقطع سلسلة انتقال الفيروس، بالإضافة إلى تقوية وتعزيز البنية التحتية فى التقصى والترصد الوبائى وتتبع المصابين والمخالطين. مع التركيز على توجيه رسائل إعلامية مناسبة للجميع عن أهمية الإجراءات الوقائية، فلا يوجد إجراء وقائى واحد مناسب للسيطرة على انتقال الفيروس، ما يهم هو الوقاية المركبة ــ فى حالة فيروس كوفيدــ19، مزيج من التدابير الوقائية التى تشمل غسل اليدين، ونظافة الجهاز التنفسى، وارتداء الكمامات، والتباعد الجسدى (بقدر الإمكان)، وتجنب التجمعات والتكدس. وهذه فرصة جيدة لتعزيز النظام الصحى والاستعداد لموجة ثانية، ولكن حتى نتمكن من الاستعداد للموجة الثانية، يجب أن يتم دراسة الاستجابة من بداية الجائحة حتى الآن، وتقييمها تقييما مستقلا، ونشر المعلومات والبيانات الكاملة، حتى نقدر على التعلم من الأخطاء التى حدثت لتلافيها مستقبلا، ولا يجب أن ننخدع بانخفاض الأرقام، ولكن يجب العمل بشكل جاد استعدادا للموجة الثانية أو لموجة ارتدادية.

نشر هذا المقال علي موقع  الشروق بتاريخ ١٨ يوليو ٢٠٢٠