التعايش وشروطه مع كوفيد ــ 19
الاتجاه للتعايش مع فيروس كوفيد ــ 19 أصبح اتجاها عالميا حتى لا ينهار الاقتصاد، ولكن من المطلوب تحقيق التوازن بين الاقتصاد والموارد الصحية المتاحة، بحيث تكون الأولوية للحفاظ على حياة الناس، بالإضافة إلى أهمية تخصيص الموارد المالية المطلوبة والكافية لدفع قدرة النظام الصحى على احتواء الأزمة، فضلا عن توفير أدوات الوقاية الشخصية (مثل الكمامات) لجميع المواطنين مجانا أو بأسعار رمزية، وعدم السماح باستغلال الأزمة للتربح من بيع أدوات ووسائل الحماية الشخصية.
وفى هذا السياق، ستعتمد إدارة المرحلة الانتقالية بشكل فعال على إيجاد توازن بين التدخلات التى تحمى الصحة العامة على نطاق واسع (مثل عدد ساعات الحظر وتقييد الحركة فى الشوارع) وبين التحكم فى انتشار وانتقال الفيروس، وأيضا تعزيز التدخلات الصحية الوقائية الأساسية، مثل تحديد وعزل واختبار ورعاية جميع الحالات، وتتبع جميع المخالطين وعزلهم. والتأكيد على تدابير الحماية الشخصية (مثل نظافة اليدين) والتباعد الاجتماعى مسافة لا تقل عن 1 متر وتخفيف تكدس الجمهور على نطاق واسع.
***
التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية فى سياق التعايش مع فيروس كوفيد ــ 19 توصى بالنظر فى الشروط التالية:
1. أن تشير الأدلة والأرقام إلى أن انتشار كوفيد ــ 19 تم التحكم فيه، وأن الوضع الوبائى فى البلاد مستقر.
2. ضمان قدرة النظام الصحى وقطاع الطب الوقائى على تحديد وعزل واختبار ومعالجة جميع الحالات، وتتبع جميع المخالطين وعزلهم.
3. أن يتم وضع تدابير وقائية فى أماكن العمل، مع مراعاة التباعد الاجتماعى وتوفير أدوات الحماية الشخصية للموظفين.
4. المشاركة المجتمعية بشكل أوسع، وعرض الحقائق وقواعد البيانات الخاصة بالشأن الوبائى الخاص بفيروس كوفيد ــ 19 للمجتمع أول بأول وبشفافية (وهو ما يطالب به البعض الآن فى مصر، أن تقوم وزارة الصحة بنشر معلومات حول عدد التحاليل اليومية، والتوزيع الجغرافى للحالات، وقواعد البيانات الخاصة بالوفيات، وهذه النقطة شديدة الأهمية لأنها ستدفع الناس إلى الثقة بشكل أكبر فى السلطات الصحية وهو ما سيؤدى إلى الالتزام بإرشادات الصحة العامة من قبل المواطنين لأن الشفافية التامة هى الطريق الأفضل لكسب ثقة الناس ومن ثم التزامهم بتعليمات وإرشادات الدولة فى التباعد الاجتماعى ومنع التكدس).
***
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى فى حالة تخفيف التدابير بشكل تدريجى، يجب أن لا يتم ذلك قبل السيطرة والتحكم فى الوضع الوبائى لوقت كافٍ (نحو 2 أسابيع وهى فترة حضانة الفيروس)، ومع تخفيف الإجراءات يجب أن يكون هناك ضمانات قوية لحماية الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس مثل كبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة (المصابين بمرض السكرى وأمراض القلب والرئتين) ومرضى الأورام.
والحقيقة أنه حتى يتم توفير اللقاح، فإن التباعد الاجتماعى وممارسات الوقاية والحماية الشخصية ستظل هى الطريقة الفضلى لمنع انتشار الفيروس، ويجب أن يستمر الالتزام بتدابير الوقاية، حتى مع تخفيف التدابير التقييدية واسعة النطاق.
وهناك اتجاه يروج لاستخدام الأقنعة الطبية (الكمامات)، ومن الأهمية ضمان الوصول إلى الأقنعة الطبية للعاملين بالقطاع الصحى أولا، بالإضافة إلى ذلك، من المهم بالنسبة للأفراد أن يكونوا على معرفة بالاستخدام الصحيح للأقنعة.
إن التمييز السلبى فى الوباء لفئات بعينها سواء بإجراء معين مميز هو انتهاك لحقوق باقى الناس. سواء أن تقوم الدولة بالسماح لبعض المؤسسات الصحية الخاصة بعلاج حالات كوفيد ــ 19 بأجر مبالغ فيه، أو السماح بتحليل (الـpcr) بأجر (والذى أصبح يتسم بتعليمات معينة لإجرائه فى الجهات الحكومية)، أو ترك سوق للكمامات وخلافه من مستلزمات الوقاية بأسعار لا يقدر على تحملها الجميع، كلها انتهاكات لحقوق الإنسان وتعبير عن فجوة عدالة وإنصاف فى إتاحة الرعاية الصحية، كانت موجودة دائما فى الظروف العادية من الحياة، ولا يصح تعميقها فى الوباء.
***
التعايش شرطه العدل والإنصاف والحماية المتساوية للجميع بل يجب أن يكون هناك تمييز إيجابى لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، والنساء والأطفال، والمهمشين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فتسليع الرعاية الصحية فى زمن الوباء خطر علينا جميعا، وقد يقوض الجهود المبذولة لاحتواء انتشار الوباء.
والاعتماد على أن تشخيص الإصابة المؤكد بواسطة تقنية الـ PCR فقط قرار يحتاج المراجعة فى ظل مرحلة الانتشار المجتمعى، لأن الأعراض سواء كانت خفيفة أو متوسطة أو شديدة هى الأهم، وهى الحاسمة فى تحديد مكان بدء العلاج، وطالما وصلنا لمرحلة الانتشار المجتمعى فالقضية الآن ليست مستشفيات عزل وإنما مستشفيات علاج وتكون كل المستشفيات متاحة وليس فقط الصدر والحميات، ويتم تحديث بروتوكولات العلاج حسب درجة الإصابة، بشكل دورى، وبحسب الجديد من المعلومات عن المرض.
أما العزل فى المدن الجامعية وما شابه من أماكن يجب أن تكون مجانية ومسئولية الدولة بشكل إنسانى لحالات الاشتباه والإصابة المؤكدة، وخصوصا لو كانت إمكانياتها للعزل الذاتى المنزلى مستحيلة.
فى الخلاصة، إن اتباع سياسة التعايش مع كوفيد ــ 19 لا يجب أن يتم بدون إجراءات محددة وقوية تقوم بها الحكومة، وتوفر مواردها بمعرفتها، ولا يصح السماح تحت أى ظرف بتسليع الخدمة فى الوباء، لا مطهرات، ولا كمامات، ولا مستشفيات، ولا معامل خاصة (بعض المستشفيات سعر الليلة فيه يصل لعشرة آلاف جنيه)، فعلينا جميعا رفض اتجاه تسليع الخدمة بشكل كامل وواضح، لابد من السيطرة وتنظيم الأمور، فلو أن الدولة احتاجت للقطاع الخاص فعليها أن تشترى منهم الخدمة لحساب الناس، وبالأسعار التى تحددها الدولة فى ظل الأزمة، وأن تكون مجانية، فلا يصح أن يتم السماح بتسليع الخدمة الصحية فى أوقات الأوبئة.
نشر هذا المقال علي موقع الشروق بتاريخ ٢٣ مايو ٢٠٢٠