ما يخبرنا به «كورونا» عن نظامنا الصحي.. حوار مع علاء غنام يحدد نقاط القوة والضعف
مع كل إعلان لوزارة الصحة عن عدد الوفيات والمصابين بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، نسأل أنفسنا هل سننجو أم ستحدث الكارثة؟
وصلنا إلى منتصف الأسبوع السابع، الذي شهد ذروة انتشار المرض في الدول التي سبقتنا في وصول الفيروس إليها. ما زالنا في مساحة آمنة نوعًا ما، ولكننا نقترب من مرحلة الخطر التي تمنت الحكومة ألا تصل إليها.
في حواره لـ«مدى مصر»، يشرح الدكتور علاء غنام، الخبير في إصلاح القطاع الصحي ومدير برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ خطوات السيناريو الحكومي الذي بدأت وزارة الصحة تطبيقه قبل أيام، استعدادًا للمرحلة الثالثة، مرحلة الـ 1000 مصاب، ليضعنا في مواجهة مجموعة من الحقائق عن نظامنا الصحي، وموارده البشرية واللوجستية، وطريقة تعاطيه مع الوباء في ضوء تلك الموارد. إليكم نص الحوار.
هل نظامنا الصحي الحكومي قادر على الاستمرار في مواجهة «كورونا»؟
ما زالنا داخل التجربة، ومن المبكر جدًا أن نبدأ التقييم الآن، لكن الخطوات الأولية بلا مبالغة ولا تهاون. نحن في السكة الصحيحة، بدأنا في الوقت المناسب، الإجراءات حتى الآن معقولة وتصاعد الإجراءات الاحترازية متوازن مع تصاعد انتشار المرض محليًا وإقليميًا وعالميًا.
من المهم أن نعرف أن مصر كانت طول عمرها معبر أوبئة بين الشرق والغرب. الكوليرا كانت تمر من عندنا إلى أوروبا، تأتي من الهند إلى جدة ومنها إلى مكة ثم السويس فالقاهرة ومنها إلى الإسكندرية وبعدها مارسيليا ثم لندن.
وفي كل الأزمات السابقة، استطاع قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، وحتى قبل إنشاء الوزارة في عهد محمد علي، أن يعبر منها بنجاح، وفي بعض الأحيان كان يبالغ في اتخاذ الإجراءات الاحترازية إعلاءً للمصلحة العامة، كما حدث مع انفلونزا الخنازير عام 2009، حيث تخلص القطاع من الخنازير وشراء كميات كبيرة من أدوية التاميفلو بمبالغ ضخمة في حين أن معدل الإصابات بالمرض لم تستدع ذلك.
نجاح إجراءات وزارة الصحة حتى الآن في التعامل مع «كورونا» تكمن في إحياء الدور الذي نشأ من أجله القطاع الصحي في مصر منذ قرن ونصف. فعندما أسس محمد علي النظام الصحي في بدايته كان الهدف منه مواجهة الأوبئة. ومن وقتها، مرت المنظومة الصحية بمراحل كثيرة، ولكن ظل القطاع الوقائي في وزارة الصحة من أقوى القطاعات من حيث الخبرة وامتلاك الكوادر الطبية المدربة التي تستعين بهم منظمة الصحة العالمية. ولكن قل هذا الاهتمام خلال السنوات العشر السابقة، قبل أن يأتي «كورونا» ويعيد إحيائه من جديد. والإحياء هنا لا يأتي من فراغ، فهناك مكاتب صحة ووحدات رعاية صحية في كل الأحياء والمدن والقرى على مستوى الجمهورية، وهي إحدى الأدوات الأساسية للقطاع الوقائي التي استطاعت مصر من خلالها تحقيق برامج التطعيمات الإجبارية، التي قضت على أمراض مثل الجدري والحصبة والدرن إلى جانب شلل الأطفال، وهو من الأمراض الخطيرة التي كانت متوطنة في مصر. وبهذه التجربة تفوقت مصر على بلاد كثيرة في العالم.
وما يستطيع أن يفعله قطاع الطب الوقائي بالوزارة عند تخطي إصابات «كورونا» حاجز الـ 1000 حالة؟
كلنا نعرف أن القطاع الصحي الحكومي يواجه أزمة كبيرة في عدد الأطباء والتمريض، ولهذا اضطرت وزارة الصحة إلى تغيير شكل المواجهة التقليدية للوباء، وذلك بغلق العيادات الخارجية بكل المستشفيات وتحويل طاقة العمل بكاملها إلى الوحدات الصحية، وهذا يعد تعديلًا لمسار التعامل مع الأزمة، للاستفادة القصوى من الفريق الطبي الحالي.
فبدلًا من أن تكون المستشفيات هي خط المواجهة الأول للمرض، ما يسمح بتحولها لبؤر عدوى لاستقبالها عدد كبير من المرضى من مناطق مختلفة، تكون الوحدة الصحية أو مكتب الصحة الموجود في كل حي أو قرية هي الخط الأول للتعامل مع المرض، على أن يتم رفع كفاءة تلك الوحدات ومدها بالفريق الطبي المدرب وبأجهزة الأشعة والتحاليل التي تمكنها من تأكيد أو نفي احتمالية إصابة أي شخص بـ«كورونا» بنسبة تقترب من 90٪، لتحول الوحدة بعد ذلك الشخص المرجح إصابته بالفيروس إلى مستشفى الحميات أو الصدر القريب منه، ليجري فيه تحليل «pcr» له. وفي حال تأكد الإصابة، يتم نقله إلى أقرب مستشفى عزل له.
كيف تستطيع الوحدات الصحية نفي أو تأكيد الإصابة بـ «كورونا» بدون تحليل «pcr»؟
لا توجد وسيلة واحدة لتشخيص الإصابة بـ«كورونا»، وإنما هناك عدة أساليب للتشخيص بخلاف تحليل «pcr». الأشعة العادية على الصدر وتحاليل دم معينة تعطي مؤشرات بنسبة 90% أن الشخص قد يكون مصابًا بـ«كورونا»، لأنه حتى الـ «pcr» نفسه ليس مؤكدًا بنسبة 100%، لأن الشخص قد يصاب بالفيروس بعد لحظة سحب العينة منه.
ولكن أهمية إضافة مرحلة الوحدات الصحية إلى مراحل التعامل مع الفيروس الأربع التي تبدأ بمرحلة البقاء في المنزل، وبعدها الذهاب للوحدة على أن يكون للأخيرة مسؤولية الإحالة لمستشفيات الحميات والصدر ومنها إلى مستشفيات العزل، تكمن في تخفيف العبء على الفريق الطبي بحيث لن يصل إلى مستشفيات الحميات سوى المرضى الذين يعانون من التهاب رئوي فقط. ومن ثم، يكون دور الأخيرة قاصر على التحقق مما إذا كان الالتهاب الرئوي بكتيريًا ووقتها يحصل المريض على علاجه داخلها أو أنه ناتج عن الإصابة بفيروس كورونا ويحتاج إلى النقل إلى مستشفيات العزل لتلقي العلاج.
ولماذا لا يتم توفير تحليل الـ «pcr» داخل الوحدات الصحية؟
«عمرنا ما هيكون عندنا المقدرة على إجراء اختبارات «pcr» لملايين»، ولا أمريكا نفسها ولا أي نظام صحي في العالم. نفترض أن عندنا مليون شخص مشتبه في إصابتهم مثلًا، لن نستطيع توفير مليون كاشف لهم ولا حتى بعد ستة أشهر من الآن. الوزيرة قالت إن كل الاختبارات التي جرت حتى يوم الأربعاء الماضي 25 ألف اختبار ثبتت إيجابية 450 حالة منهم للفيروس فقط.
هل مواردنا البشرية من أطباء وتمريض في مواجهة عادلة مع الوباء؟
بالتأكيد عندنا نقص في عدد الأطباء والتمريض. كما أن الوحدات الصحية تنقصها العمالة المدربة في الوقت الحالي، والقطاع الصحي بكامله في حاجة إلى التدريب على مواجهة الأزمة. ولهذا يعد قرار وزارة الصحة بفتح باب التطوع قرارًا جيدًا يراعي هذا النقص، وقد يتسبب في تخفيف العبء على المنظومة الصحية لأنه يسمح للتخصصات العلمية القريبة من مجال الطب مثل خريجي كليات العلوم والطب البيطري والأسنان القيام بأدوار تكميلية بمستشفيات العزل والإحالة أو بفرق التقصي والمتابعة الميدانية.
ويسمح القرار كذلك بوجود متطوعين للعمل المجتمعي لتوعية الناس بأن خط الدفاع الأول للإنسان هو بيته، ويجب عليه ألا يخرج منه إلا في حال إصابته بأعراض تتشابه مع أعراض «كورونا» (ارتفاع في درجة الحرارة وسعال جاف مرورًا بضيق في التنفس) بنسبة 70-80%، وذلك بتوصيل الخدمات إلى المنازل وخصوصًا كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، باعتبارهم الأكثر عرضة للإصابة.
وهل مواردنا اللوجيستية من أسرة وأجهزة تنفس صناعي ستصمد خلال مرحلة الـ 1000 مصاب؟
عدد أسرة المستشفيات في مصر كلها سواء في القطاع العام أو الخاص لا تزيد عن 130 ألف سرير، وعدد أسرة العناية المركزة منهم لا يتجاوز 13 ألف سرير، وهذا غير كاف أبدًا لمواجهة وباء. صحيح عندنا نقص، لكن هذا هو الحال في العالم كله، لأن نظم الصحة العالمية ليست مهيأة لمواجهة الأوبئة وإنما مصممة فقط للعلاج والتسليع والربح والمكسب.
وبسبب نقص الإمكانيات، التحدي الذي يواجهنا في مصر هو بذل كل الجهود لاحتواء انتشار الفيروس وعدم وصوله إلى مرحلة الانتشار المجتمعي وإصابة الآلاف به.
ما الذي أخبرنا به «كورونا» عن نظامنا الصحي؟
الوباء كشف أمرين؛ الأول ضرورة التراجع عن توسع وزارة الصحة في تسليع الخدمة والعمل العلاجي على حساب الاهتمام بقطاعي الرعاية الأساسية الذي تندرج تحته وحدات ومكاتب الصحة التي تقدم خدمات تنظيم الأسرة وتسجيل الوفيات والمواليد والتطعيمات الدورية والتثقيف الصحي، والطب الوقائي المسؤول عن الوقاية من الأمراض المعدية والأوبئة وعلاج الأمراض المتوطنة والحجر الصحي، اللذين تعرضا للإهمال خلال السنوات العشر الماضية.
والثاني هو ضرورة الإسراع في تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل التي كشفت الأزمة عن مدى فاعليتها في إصلاح المنظومة الصحية، لأنه باختصار النظام الجديد للتأمين الصحي المقرر تعميمه على جميع محافظات مصر خلال السنوات العشر المقبلة يقصر دور الوزارة على ما يقوم به الآن قطاع الطب الوقائي بها في مكافحة الأوبئة، ويعيد هيكلة المنظومة الصحية بكاملها، لتحجم القطاع الخاص وهيمنته على السوق بتوفير تمويل عالي للمستشفيات الحكومية لتستطيع أن تنافس القطاع الخاص في تقديم خدمة علاجية جيدة، وذلك بهيكلة المنظومة الصحية الحكومية في مصر في ثلاث هيئات بجانب الوزارة، هيئة عامة للتأمين الصحي مهمتها جمع وإدارة الموارد المالية من المشتركين فى النظام وشراء الخدمات الطبية، وهيئة عامة أخرى للاعتماد والرقابة الصحية تتبع رئيس الجمهورية تتولى مسؤولية ضمان جودة الخدمات الصحية والتحسين المستمر لها، إلى جانب هيئة ثالثة تتبع وزير الصحة تتولى إدارة المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الحكومية الأخرى ومستشفيات التأمين الصحى، والمؤسسة العلاجية والمستشفيات التعليمية بعد تأهيلها واعتمادها وفقًا لمعايير الجودة.
ننتظر إقرار الموازنة الجديدة للدولة خلال أيام، هل تتوقع زيادة مخصصات الصحة؟
في اللحظة الحالية، علينا مواجهة الوباء وتركيز الأولويات بشكل علمي. لكن على الدولة بعد نهاية الأزمة أن تعيد النظر في موازنة الصحة وفي أجور الأطباء والتمريض وفي إقرار بدل عدوي عادل لهم يتفق مع حجم المخاطر التي يتعرضون لها في عملهم لتشجيع الأطباء على العمل في القطاع الحكومي وعدم الهجرة للخارج أو للقطاع الخاص.
نشر هذا المقال علي موقع الشروق بتاريخ ٣١ مارس ٢٠٢٠