الرقابة على المال العام ومجلس النواب

16 يناير 2019

بحسب الأصل العام تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح فى مجالها ونطاقها من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستورى السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة، وكذلك وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف، الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها فى صنع السياسات العامة وخطط التنمية، والثانى فنى، وهو ما يعرف بالدور التشريعى والرقابى، الذى تقوم به فى مواجهة السلطة التنفيذية، تبعا لمدى التطور الديمقراطى وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.
تعد الرقابة على المال العام والمساءلة عن كيفية إنفاقه أهم الأسس التى يقوم عليها أى نظام سياسى ديمقراطى، فالمساءلة واطلاع الرأى العام على كيفية طرق استعمال الدولة أو الجماعات المحلية للمال العام أصبح يعتبر حقا من حقوق الإنسان والمجتمع، فالرقابة هى الوظيفة التى تسعى بها الأجهزة المختصة للتأكد من سلامة تنفيذ توجيهات الحفاظ على الأموال العمومية وحسن إدارتها، ونجاح الرقابة البرلمانية رهين بتوفر الإطار القانونى والإمكانات المادية والبشرية التى توضع رهن تصرف النواب للحصول على المعلومات، وتختلف طرق ومستويات تدخل البرلمان فى ممارسة الرقابة على الأموال العمومية حسب التنظيم الدستورى فى كل بلد، وتقوم الوظيفة الرقابية للبرلمان إلى جانب وظيفته التشريعية، إذ يتمكن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة.
ومما لا شك فيه أن جدية وقيمة الرقابة البرلمانية تتوقف بشكل أساسى على أعضاء البرلمان أنفسهم، وعلاقاتهم بالسلطة التنفيذية، ومدى استقلالهم، وقدراتهم الشخصية. وتستهدف الرقابة البرلمانية التحقق من مدى مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية، وعدم الانحراف عن استهداف الصالح العام، وتمثل الرقابة جانبا ذات أهمية كبيرة من أنشطة البرلمان فى الدول الحديثة، لا تقل بحال من الأحوال عن مهمة التشريع ضمانا لالتزام السلطة التنفيذية بمبدأ المشروعية.
***
وعلى الرغم مما جاء بنص المادتين 124 و125 من الدستور من مراقبة البرلمان للموازنة العامة والحساب الختامى للدولة، وعرض تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، فإنها مجرد نصوص دستورية لا قيمة لها بشكل كبير وخصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك السيطرة الحكومية الحاصلة فعلا على أغلبية البرلمان، وهو الأمر الذى يجعل جميع الأمور بيد السلطة التنفيذية.
حتى فى مسائل الاقتراض الوارد النص عليها فى المادة 127 من الدستور، من نصها على عدم جواز اقتراض السلطة التنفيذية أو حصولها على تمويلات، إلا بعد موافقة مجلس النواب. وهذا النص هو ما يمثل الأصل العام، ولكن لابد من الإشارة إلى المادة 151 من الدستور، والتى منحت رئيس الجمهورية صلاحية إبرام المعاهدات، بحسبه ممثلا للدولة فى علاقاتها الخارجية، ولكنه لا يصدق عليها إلا بعد موافقة مجلس النواب، كما أن العمل الأساسى لمجلس النواب المصرى كما جاء النص عليه فى المادة 101 من الدستور، هو التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة، ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية.
وبنص الدستور، يجب أن يوافق البرلمان على الاتفاقيات الدولية التى يوقعها رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، كما حددت المادة «197» من اللائحة الداخلية الجديدة للبرلمان، طريقة تعامل مجلس النواب مع المعاهدات، حيث تنص على إبلاغ رئيس مجلس النواب الذى يحيلها إلى اللجنة الدستورية والتشريعية، لإعداد تقرير خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ إحالتها، بحيث يتضمن التقرير توضيحا عما إذا كانت المعاهدة من المعاهدات التى تخضع لسلطة البرلمان من حيث الموافقة أو الرفض، أم أنها من المعاهدات التى تتطلب إجراء استفتاء عليها، وفى الحالة الأولى تكون الموافقة أو الرفض بالأغلبية المطلقة للحاضرين، ولا يجوز إجراء أية تعديلات على المعاهدة، فإذا كان القرار بالموافقة يقوم رئيس الجمهورية بالتصديق عليها، ولا تكون نافذة إلا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية.
ولكن هل فعليا قد أعمل مجلس النواب المصرى هذه الصلاحيات الدستورية، وقام بتفعيل رقابته على ما يخص المال العام منذ انعقاد أول جلسة نيابية له، ونخص بالذكر فى هذا الصدد الكم الرهيب من اتفاقيات القروض التى أبرمتها الحكومة المصرية، وعلى حسب ما نشره موقع اليوم السابع بتاريخ الجمعة، 14 يوليو 2017 أن مجلس النواب قد اعتمد عدد 29 قرضا ومنحة فقط فى دور الانعقاد الثانى، نضرب منها مثلا الموافقة على قرار رئيس الجمهورية رقم 528 لسنة 2016 بالموافقة على اتفاق قرض بين جمهورية مصر العربية وصندوق الأوبك للتنمية الدولية «أوفيد» فى القاهرة بتاريخ 25 يوليو 2016 بشأن مشروع الصندوق الاجتماعى للتنمية (المرحلة الثالثة) بمبلغ 40 مليون دولار أمريكى، وكذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 530 لسنة 2016 بالموافقة على اتفاق قرض برنامج التنمية المحلية لمحافظات صعيد مصر بمبلغ 500 مليون دولار أمريكى، والموقع بين حكومة جمهورية مصر العربية والبنك الدولى للإنشاء والتعمير فى القاهرة بتاريخ 6 أكتوبر 2012.
***
وإذا ما تعرضنا لطريقة تعاطى مجلس النواب لهذه الاتفاقيات المتعلقة بقروض مالية، مثلا، نجد فى مضبطة الجلسة السادسة والستين 24 مايو سنة 2016، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الاقتصادية ومكتب لجنة الخطة والموازنة عن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم (168) لسنة 2016 بشأن الموافقة على عقد القرض التلقائى (السادس) بين حكومة جمهورية مصر العربية وصندوق النقد العربى، والموقع فى القاهرة بتاريخ 26 / 11 / 201. حيث قام النائب / مدحت عواد مصطفى الشريف بعرض تقرير اللجنة.
وقام رئيس المجلس بفتح الباب لملاحظات النواب على تقرير اللجنة، ولم يطلب الحديث سوى النائب/ محمد أحمد مسعود عفيفى (المسعود)، وكان ملخص حديثه توجه بالشكر للجنة المشكلة لبحث القرض، ثم عرض لضرورة الانتهاء من المناقشة على هذه الاتفاقية لوجود شرط فى البند (أ) من المادة الثامنة بضرورة الانتهاء من هذه الإجراءات والتصديق خلال ستة أشهر ثم توجيه التحية لصندوق النقد العربى، ثم الموافقة على هذه الاتفاقية.
ولم يقم أحد من النواب حتى بطلب الكلمة، وانتهت الجلسة بالموافقة على اتفاقية القرض.
فهل هكذا قد أعمل مجلس النواب رقابته البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، أو قد حقق نوعا من الرقابة على التصرفات المالية، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بشأن القروض التى تثقل كاهل المصريين الحاليين، والأجيال القادمة، كما أنها تهدد ثروات البلاد الطبيعية، لأن تكون هى مجرد حصيلة لسداد مستحقات هذه القروض سواء القرض ذاته أو فوائده.
أم أن مجلس النواب المصرى بكامل هيئته لا يرغب سوى فى شراء ود السلطة التنفيذية، ولو على حساب كتلة ناخبيه، وهم من أوكلوهم إن، صح التعبير، فى الحفاظ على ثروات البلاد، ومقدرات الأجيال المقبلة، أم أن الآمال تحدوهم فقط فى تحقيق ولائهم للسلطة التنفيذية، والحفاظ على دعمها فى الانتخابات النيابية المقبلة، ولا عزاء للشعب.

نشر هذا المقال علي موقع الشروق بتاريخ 6 ديسمبر 2018