قانون الجمعيات الأهلية إلى أين يمضى انطلاقا من إشارة رئيس الجمهورية

16 ديسمبر 2018

جاء حوار رئيس الجمهورية فى ملتقى شباب العالم ليكشف عن رغبته فى إعادة قانون الجمعيات رقم 70 لسنة 2017 للحوار المجتمعى، إيذانا منه بتعديله من قبل مجلس النواب، ولا شك فى مدى إيجابية هذه الإشارة فى حالة قبولها بتعديلات جدية تنال من السلبيات الموجودة فى قانون الجمعيات الأهلية الأخير، والتى تنال من جدية العمل الأهلى بشكل عام والحقوقى بشكل خاص، والتى يغيب عنها بشكل أساسى الهدف من النص الدستورى على حماية الحقوق والحريات العامة فى الدستور المصرى الأخير، ويكفى لذلك مثلا ما جاء بنص المادة 75 من الدستور المصرى بقولها «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار»، كما أضافت بعدم جواز تدخل الجهة الإدارية فى شئونها.
ومن الزاوية الحقوقية الدولية فإن الحق فى حرية التجمُّع والانضمام إلى الجمعيات أو تكوينها هى الحق فى الانضمام إلى مجموعة رسمية أو غير رسمية للانخراط فى عمل جماعى. ويشمل هذا الحق، الحق فى تشكيل مجموعة أو الانضمام إليها. وعلى النقيض من ذلك، فإنه يشمل أيضا الحق فى عدم الإكراه على الانضمام للجمعيات، يشمل «التجمع» الجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى والنوادى والجمعيات التعاونية والمنظمات غير الحكومية، والجمعيات الدينية، والأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والمؤسسات أو حتى تجمعات شبكة الإنترنت.
ويقر القانون الدولى لحقوق الإنسان أن تكون ممارسة الحق فى حرية التجمع السلمى وتكوين الجمعيات خالية من القيود إلا من القيود التى يسمح بها القانون الدولى، ولا سيما القانون الدولى لحقوق الإنسان، الذى لا غنى عنه للتمتع الكامل بهذه الحقوق، وبخاصة عندما يتبنى الأفراد معتقدات أقلية أو مخالفة أو دينية أو سياسية، ويجدد دوما مجلس حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة التزامه بتعزيز وحماية الحق فى حرية التجمع السلمى وتكوين الجمعيات، من خلال تبنى القرار رقم 16 /21 (أكتوبر 2912)، والقرار رقم 5 /24 (أكتوبر 2013)، ويؤكد هذان القراران وغيرهما على أهمية حرية التجمع السلمى وتكوين الجمعيات، فضلا عن أهمية المجتمع المدنى والحكم الرشيد، بما فى ذلك من خلال الشفافية والمساءلة، والتى لا غنى عنها لبناء مجتمعات سلمية ومزدهرة وديمقراطية.
***
وقد عانى المجتمع المصرى من مشكلات فى العمل الأهلى، كانت أهمها معوقات قانونية، تم النص عليها عبر القوانين المختلفة، والمنظمة لحق تكوين الجمعيات، والتى كان آخرها القانون رقم 70 لسنة 2017، والذى جاء مخالفا لمواد الدستور، على النحو السابق، إضافة لمخالفته، وبعده التام عن مضمون الحق فى التنظيم، كما أشارت إليه المواثيق الدولية، فقد جاء بهذا القانون العديد من العراقيل منذ لحظة التسجيل، وهو ما يتعارض صراحة مع معنى التسجيل بالإخطار الوارد بالدستور المصرى الأخير، إضافة إلى العديد من المشكلات التى تعرقل عمل الجمعيات الأهلية، والحقوقية منها بشكل خاص، منها عدم ممارسة نشاط يتعارض مع الأمن القومى والنظام العام، بل ويفترض أن تبتَّ الجهة المختصة ما إذا كان نشاط الجمعية يتوافق واحتياجات المجتمع وخطط الدولة فى التنمية من عدمه، وهو ما يشكل تدخلا صريحا فى كيفية سير عمل الجمعيات الأهلية، ومؤسسات العمل الحقوقى، التى لن تستطيع تسجيل أى موقف فى ظل الرقابة المفرطة على جميع أوجه النشاط.
وقد قابل أعضاء مجلس النواب تصريح رئيس الدولة بالترحاب الشديد، إلى الدرجة التى انتقد بعضهم القانون رقم 70 لسنة 2017، وكأنهم لم يكونوا هم الموافقون عليه من قبل، فمثلا قال أحد هؤلاء النواب حسب ما نشره موقع اليوم السابع بتاريخ الخامس من نوفمبر، أن هناك ما يقرب من 50 ألف جمعية أهلية فى مصر، أعرب الكثير منها عن تخوفهم من عدم مواصلة عملهم بسبب تشديدات القانون، لافتًا إلى أن هذه الجمعيات لها دور بارز فى المجتمع بالتوازى مع مجهودات الدولة المصرية فى هذا الإطار، ولهذا لابد من بحث تذليل العقبات التى قد تواجهها فى أداء عملها فى القانون الجديد. كما قال أحد أعضاء لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب، إنه من الوارد أن الاعتبارات التى اتخذتها اللجنة فى طريقة التفكير وصياغة القانون كانت فى ظروف مختلفة، فالقانون صدر منذ عامين، وحينما يطلب الرئيس إعادة المناقشة فهذا أمر واجب التأمل من أجل تحقيق المصلحة الوطنية.
***
ومن بعد ذلك العرض أرى أن المهمة الملقاة على عاتق مجلس النواب، وبشكل خاص أعضاء لجنة التضامن الاجتماعى ثقيلة فعلا فى تفعيل تصريح رئيس الدولة وجعله فى صورة ترضى الفئات المخاطبة بقانون الجمعيات الأهلية، وهم كُثر، ويأتى على رأس الجهات أو الأفراد المنتظرين لما سوف يقدمه البرلمانيون من تصويبات حقيقية ــ العاملون بالحقل الحقوقى بشكل خاص، وذلك لكونهم من أهم الفئات المترقبة لمثل هذه التعديلات المنتظرة، ولكونهم كذلك أشد الفئات تضررا من كل القوانين التى حكمت أو نظمت موضوع الجمعيات الأهلية، وكذلك لكونهم جميعا من العالمين بما هو عليه الشأن العالمى فى هذا الموضوع، وما تنظمه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وما تسعى إليه كذلك جميع قرارات اللجان المعنية فى الأمم المتحدة، فهل سيكون أعضاء مجلس النواب المصرى عند حد كلمتهم عند تلقيهم إشارة رئيس الدولة، حتى ولو كان الأمر سيتوقف عند الحدود التى سيكون عليها مشروع التعديل الذى ستتقدم به الحكومة، يداعبنى الأمل فى أن تكون لكلمة رئيس الجمهورية صدى واسع لديهم فى تعلية سقف الحقوق والحريات بما يتوافق على الأقل مع الوقت الحالى، وما هو عليه حال الكثير من الدول، ولم يتبق لى سوى أن أذكر السادة أعضاء مجلس النواب، بوصفهم هم القائمين على هذه التعديلات المرجوة، بما قالته المحكمة الدستورية فى حكمها رقم لسنة 37 قضائية دستورية، والصادر حديثا بتاريخ 2 / 6 / 2018، وكان حق المواطنين فى تكوين الجمعيات الأهلية، وما يرتبط به ــ لزوما ــ على ما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، وهى جميعًا أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معًا، ويعضد كل منها الآخر فى نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانا عاليا، ومن أجل ذلك حرص الدستور فى المادة (75) منه على كفالة الاستقلال للجمعيات الأهلية وأجهزتها القائمة على شئونها، تمكينًا لها من أداء دورها وممارسة نشاطها بحرية، تحقيقًا لأهدافها، فحظر على الجهات الإدارية التدخل فى شئون الجمعيات أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى يقى تلك الجمعيات تدخل جهة الإدارة فى شئونها بأدواتها المختلفة، أيًّا كان مسماها، سواء بحل مجالس إدارتها أو عزلها، بغية تنحيتها عن أداء دورها فى خدمة أعضاء هذه الجمعيات، والمجتمع ككل.

نشر هذا المقال في جريدة الشروق بتاريخ 27 نوفمبر 2018