المسرح السياسى والاستحقاقات الرئاسية

3 فبراير 2018

فزعت لما أصاب الحالة العامة للمجال السياسى العام فى مصر، وخصوصا بعد متابعة شبه يومية ودقيقة لكل مستجدات الوضع السياسى العام منذ تباشير انطلاق الانتخابات الرئاسية الخاصة بنا كمصريين، فمنذ أن حددت اللجنة الوطنية للانتخابات فترة الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكيف أنها قد ضيقت الوقت اللازم لخوض هذا السباق الهام جدا، وأهم هذه الإجراءات هى وضع الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية، الذى يتضمن كل المواعيد الخاصة بعمليات فتح باب الترشح وفحص أوراق المرشحين والطعن عليها وتحديد مواعيد الاقتراع بالنسبة للمصريين فى الخارج والداخل ومواعيد الإعادة إن وجدت، وحتى إعلان النتيجة،

ويتضمن الجدول الزمنى للانتخابات، المواعيد اللازمة للانتخابات الرئاسية، التى ستستغرق نحو 102 يوم لإتمام عملية الانتخابات برمتها منذ فتح باب الترشح وحتى إعلان اسم الرئيس المنتخب. كما تتضمن شروط الترشح فى الانتخابات أيضًا أن يزكى المترشح 20 عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، وفى جميع الأحوال، لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، ولكنى وبمزيد من الأسف لم أتمكن من الوصول إلى العلة فى التعجل فى الوقت والتلاحق الزمنى لأمر من أهم الأمور فى الشأن العام.

وتابعت أيضا ما تم بخصوص رغبة الفريق شفيق فى الترشح، ثم إعلانه الانسحاب من السباق الذى لم يدخله من الأصل، ثم محاولة الفريق عنان للدخول، ثم انسحاب خالد على من هذه الاستحقاقات، ثم كانت حالة الاستخفاف العام من الترشح الهابط من السماء فى آخر ربع ساعة مسموح فيها بالترشح من رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، والتى سبقها بيانات متضاربة عن ترشح رئيس حزب الوفد، وهو الأمر الذى انتهى ببيان من الهيئة العليا للحزب برفضها ترشح رئيس الحزب وكيف لموسى مصطفى موسى بالترشح دون أن تكون له أدنى سابقة فى خوض أية محاولات فى الشأن العام المصرى، اللهم سوى كونه يمثل رئيس حزب من الأحزاب الصغيرة داخل الكيان السياسى، ثم كانت حالة التعليقات على مسألة ترشحه، وهو الشخص الذى أكد فى غير مرة دعمه لخصمه السياسى فى الانتخابات، وخلال هذه الآونة تابعت ما تداولته وسائل الإعلام المختلفة من تصريح لدار الإفتاء المصرية مجمله، أن الممتنع عن أداء صوته الانتخابى آثمٌ شرعًا، ومثله من يدفع صاحب الشهادة إلى مخالفة ضميره أو عدم الالتزام بالصدق الكامل فى شهادته بأيِّ وسيلة من الوسائل، وكذلك من ينتحل اسمًا غير اسمه ويدلى بصوته بدل صاحب الاسم المنتحل يكون مرتكبًا لغشٍّ وتزويرٍ يعاقب عليه شرعًا.

***

كل هذه الأمور التى حدثت، تجعلنى أتسأل هل نحن لدينا فعلا انتخابات رئاسية؟ أو أنه سوف يشهد شهر مارس المقبل ما سوف تطلق عليه بعض الصحف والمواقع الإخبارية كالعادة «العرس الديمقراطى» ؟ فتعود بى ذاكرتى لما حدث فى الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2014، وما حدث فيها من عدم إقبال جماهيرى، وهو ما أدى إلى فتح باب التصويت لمدة يوم إضافى لم يكن فى جدول الانتخابات، على الرغم من التكثيف الدعائى من قبل بعض المنصات تحت ما يسمى برد الجميل.

كل ذلك يجعلنى أقف عند حد قول «إنها انتخابات المرشح الواحد» على الرغم من محاولات الحكومة التجميلية واللحاق بآخر لحظة وإنزال مرشح ثانٍ للسباق، ولكن السماء لا تمطر ذهبا، وأن تلك الجراحات التجميلية قد تمت بطريقة بدائية لم تراع فيه مستحدثات العلوم، ومستجدات الخبرات، وهو الأمر الذى فى نهايته أكسب هذه الانتخابات نكهة الاستفتاء إجبارا لكون صانعى الخلطة لم يدركوا سرها، وهو ما أفسد الطعم، ولم يجعله سائغا للهضم.

ثم يأتى بعد ذلك من يتحدث عن الإقبال على الانتخابات تصويتا، بغض النظر إن كان هذا التصويت بالسلب أو الإيجاب، موجها اللعنات إلى كل من يتحدثون عن المقاطعة بوصف تلك الصيحات لا تعبر عن حقيقة إرادة الشعب ورغبته، أو أنها حمالات موجهة أو مستهدفة تقويض الانتخابات الرئاسية، مستخدمين ما نُسب إلى دار الإفتاء المصرية من تحريم المقاطعة، بحسبها إحدى طرق الشهادة، ولكن هل تناسى أولئك أن عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع يمثل خيارا مملوكا لصاحبه، شأنه فى ذلك شأن التصويت بنعم أو بلا، أو لصالح مرشح أو ضد آخر، أو أن ذلك على الأقل يعد مساويا لرغبة الشخص فى إبطال صوته.

فإن كان أصحاب تلك الصيحات الداعية إلى إنجاح المسألة الانتخابية ومحاولة إظهارها أمام العالم بالشكل اللائق، والراغبين فى تهافت المواطنين على صناديق الانتخاب، أصحاب وجهة نظر وجيهة، فقد كان بالأجدر بهم أن يخرجوا المشهد الأول منها فى صورة لائقة، سواء من حيث الإتاحة الزمنية وتمديد الوقت بما يسمح للمرشح بعقد جولات ومؤتمرات انتخابية لجذب ناخبين لصالح كفته، أو كان من حيث الإتاحة الشخصية لمن يرغب فى خوض هذا السباق حتى يكون ظهوره معبرا حقيقيا عن الإرادة الشعبية، إن كانت ذات محل لديهم.

***

إذن فى النهاية نحن أمام مشهد لعرض فردى ونتيجته محسومة لم يتبق منها سوى الإعلان الرسمى الذى سيصدر من الهيئة الوطنية للانتخابات بتمديد فترة الرئاسة، وذلك يعود فى مقامه الأول لغياب المنافسة بشكل كامل، فكيف توجد المنافسة فى ظل تأييد من قبل جهات رسمية ونقابات مهنية وعمالية، وأحزاب سياسية مثل حزب الوفد وهو من أقدم الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية المصرية.

وإن كنت أرى أنه فى ظل كل ما تقدم ذكره أنه كان الأجدر أن يكون ذلك المشهد فى صورة استفتاء، على الأقل حتى لا يتم تجريح شخص المنافس الأوحد الذى ظهر فى آخر كادر للصورة، والذى تناولته الأقلام بالكثير من أسهم النقد، والتى وصلت لدرجة وصفه بأنه مجبر على تلك الصورة، وهذا ما ينتج للأسف ضبابية للصورة المصرية بشكل كامل أمام الرأى العام العالمى، ويوهن الوضع العام المصرى، وهو ما سيكون له الأثر الأسوأ على الإقبال على المجال العام فى مصر، أو المشاركة فى أى استحقاقات تفاعلية سياسية مقبلة، حتى ولو كانت فى أقل المجالات.

تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 3 فبراير 2018