عن الإرهاب وسنينه.. قضية غير قابلة للتأجيل

10 يناير 2018

فوجئ المجتمع المصري بشكل خاص، والعالم بأسره بالحادث الجلل الذي وقع على المصليين بمسجد الروضة ناحية بئر العبدبشمال سيناء بالمقربة من مدينة العريش، وهو الحادث الذي راح ضحيته 312 شهداء، ومخلفا عددا من المصابين يقارب المائتين، وذلك نتيجة لعمل إرهابي يفوق أي قدرة بلاغية على التوصيف الدنيء، بعد أن اقتحم الإرهابيون المسجد بعد إطلاق قنابلهم على المصليين، واصطيادهم من داخل أو خارج المسجد، مخلفين من وراء حادثهم أثرا لا يمكن أن ينمحي من ذاكرة وتاريخ المصريين، وهو الحادث الذي يمثل نقلة خبيثة في أفعال أولئك الذين لا دين لهم ولا ملة، وصدق فيهم قول رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم .........«يأتي في آخر الزمان قوم: حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، (غزيرو اللحية)، مقصرين الثياب، محلقين الرؤوس، يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء. هذا بخلاف الآيات القرآنية التي تنهي عن قتل النفس، وهذا ما يدلل بداهة أن الخطاء ليس في القواعد، ولكن الخطأ في عقول أولئك المتلقيين، الذين يديرون الآيات والأحاديث بما يتوافق ورغباتهم.

ولكن لم يكن الإرهاب على اختلاف دوافعه وليد لحظة آنية، ولكنه له جذور تضرب في عمق التاريخ، حتى وإن لم يكن في شكل جماعات منظمة، ويذكر أن أول جماعة إرهابية منظمة ظهرت كانت منظمة يهودية يطلق عليها منظمة «السيكاري» والتي شكلها بعض المتطرفين اليهود في فلسطين في نهاية القرن الأول الميلادي، وكان هدفهم هو إعادة بناء الهيكل، والذي أطلقوا عليه اسم «المعبدالثاني» وذلك بعد أن قاموا بحملة متصلة من الحرائق والتخريب والتدمير من أجل تحقيق هدفهم، وعلى مر القرون عرفت أوروبا عصابات الإرهاب في العصور الوسطى، وقد كان يستخدمها النبلاء لإشاعة الفوضى في ربوع خصومهم.

وفي القرن العاشر الميلادي ظهرت منظمة إرهابية ذائعة الصيت في العالم الإسلامي كان يطلق عليها «جماعة الحشاشين»، وقد كانت على درجة عالية من التنظيم، وكان يقودها حسن الصباح، والذي اتخذ من قلعة الموت بإيران مركزا له، وقد كانت هذه المنظمة تنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، وقد أشاعت الرعب في قلوب الحكام والزعماء والقادة، وقد كانت تستخدم أسلوب الاغتيالات كطريقة معتمدة ضد خصومها، وذلك لقلة عدد المنتميين إليها، وهو ما يجعل من مسألة خوض حروب منظمة أمرا صعب التحقيق.

وفي القرن التاسع عشر كانت حادثة اغتيال الأمير «رودلف» ولي عهد النمسا والتي ارتكبتها مجموعة إرهابية صربية هي السبب المباشر لقيام الحرب العالمية الأولى، كما كانت حادثة اغتيال الملك الكسندر ملك يوغسلافيا والمسيو برافو وزير خارجية فرنسا سنة 1934من أهم العمليات الإرهابية، التي أدت إلى تدخل عصبة الأمم، حيث وضعت أول أساس للتعاون الدولي لمحاربة الإرهاب.

ومنذ بداية القرن العشرين وظهور ما يسمى بجماعات الإسلام السياسي، والتي بدأت في اتخاذ العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، والتي كان محورها الرئيسي يدور في فلك فكرة «مشروعية الخروج عن الحاكم الجائر، ومحاولة نزع الحكم بالقوة، مستندة في ذلك إلى تأويلات غريبة أو متناسبة مع أهدافهم للنصوص الدينية، وقد ارتبط الصعود السياسي للجماعات الأصولية في المجتمع العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، مستغلة الظروف السياسية التي كانت تمر بها البلدان العربية في حينها، وقد كان لضعف الأحزاب السياسية وغياب القوى الديمقراطية الفاعلة في المجتمع العربي الأثر البالغ في نمو وتطور هذه الجماعات، وبالتالي استطاعت أن تجتذب الجماهير من خلال إلهاب العواطف الدينية ونشر خطابها السياسي، هذا إلى جانب بعض العوامل الأخرى والتي تعد الدول والنظم الحاكمة مسؤولة عن هذه العوامل مثل غياب البيئة السياسية المناسبة، وانتشار الفقر والجهل، وعدم التواجد الفعلي للشفافية أو للديمقراطية، أو حتى للمشاركات السياسية بشكل حقيقي وفاعل.

وبعد حادثة 11سبتمبر سنة 2011بدء الاقتناع بأن غياب العقل وانعدام التنمية وعدم اندماج الأقليات داخل المجتمعات، هذا إضافة إلى الاستبداد السياسي الواقع فعليا في المجتمعات العربية، والبعيد كل البعد عن مسميات أو حتى هوامش التداول السلمي للسلطة السياسية، كل ذلك كان من أهم الأسباب الداعمة لظهور الحركات الإرهابية، على الرغم من تواجد المعاهدات والاتفاقيات القانونية سواء كانت دولية أو إقليمية لمكافحة الظواهر الإرهابية.

وقد بدء استخدام العمليات الإرهابية مؤرخا كنموذج معتمد من تلك الجماعات للرد على تصرفات السلطات الحاكمة على نحو لا تبغاه الجماعات الإرهابية، كما تمثل العمليات الانتقامية مثلا لأسلوب الرد على بعض الممارسات السلطوية تجاه بعض المعارضين، أو انتشار ظاهرة التعذيب، وغياب معاني الانتماء للأوطان.ولكن الحادث الأخير الذي ألم بالمجتمع.

وإذا ما حاولنا أن نرصد تصاعد العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، والتي تصاعدت فيه وتيرتها وحدتها، فعلى حسب موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تشير إحدى دراساته عن حدوث 1165عملية إرهابية منذ عام 2013حتى الآن، وهذا الرقيم مخيف جدا خلال هذه السنوات البسيطة، ومن زاوية مغايرة يؤكد تطور نوعي في تكتيكات هذه التنظيمات، فبعد أن كانت توجه هذه العمليات بشكل مباشر لقادة أو قضاة أو فاعلين في الحكومة، تطور الأمر إلى أن وصل إلى اقتحام المسجد وقتل من به من أطفال وشيوخ، دونما أدنى معيار إنساني أو فكري، وهو الأمر الذي لابد من النظر إلى أن طرق المواجهة التي تتعامل بها الأنظمة لم تعد قادرة أو صالحة لمجابهة كل هذا الكم من التطورات العددية أو الكيفية.

ومن ثم فإني على يقين بأن المواجهات الحربية ليست وحدها كافية أو قادرة على تجفيف منابع الإرهاب، كما أن التشدد في العقوبات والزيادات المضطردة في عقوبات الإرهاب لن تكون حلولاً، فإن للمجتمع دور في مواجهة تفحل ظاهرة الإرهاب لابد وأن تدعمه الدولة بكل مقوماتها، وهو دور تنويري يؤسس على تصحيح المفاهيم العقائدية الخاطئة التي يستغلها زعماء هذه التنظيمات، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق التعليم الرشيد والبناء العلمي الحقيقي داخل الأروقة التعليمية، وتأسيس أجيال واعية، ولكن لابد من الإشارة إلى أن تواجد ظاهرة الفقر لها الدور البالغ في حشد طاقات الإرهابين في استقطاب أفراد من المجتمعات الفقيرة، التي تغيب عنها الرؤية الإصلاحية والبنية اللازمة لتواجد المواطنين من مستشفيات تقدم خدمات صحية حقيقية، ومدارس بها تعليم فعلي، علاوة على ما يلزم من بينة تحتية كالصرف الصحي والطرق.

تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 3 ديسمبر 2017