حق زيارة المسجون لا يجوز تحريمه ولا تجريمه

16 يناير 2018

نشر موقع برلمانى الإلكترونى بتاريخ التاسع من ديسمبر على لسان النائب إسماعيل نصر الدين عضو مجلس النواب، عن بدء إعداد اقتراح لإجراء تعديلات على قانون العقوبات وقانون تنظيم السجون، على أن تتضمن هذه التعديلات تشديدات كبيرة جدا على المسجونين فى قضايا الإرهاب، سواء تم الحكم عليهم أم لا، منها حرمانه من الزيارات، وهو ما يساعد فى قطع الاتصال بين عناصر التنظيمات الإرهابية فى الداخل والخارج، كما تتضمن منع الزيارة عن الإرهابى الذى يثبت تورطه ويحصل على حكم نهائى بالإدانة لمدة عامين من تاريخ إصدار الحكم، وكذلك وضع المحكوم عليه فى غرف حجز منفردة، وبعد مرور العامين يسمح لأجهزة الأمن بتسجيل الزيارة بالصوت والصورة حتى لا يتم الاتفاق مع الزائر على تفاصيل تضر بالأمن القومى، وحرمانه من الزيارات الاستثنائية، وعدم جواز تطبيق أى عفو عليه حتى ولو كان عفوا رئاسيا.

هذا هو مجمل ما أعده النائب كمشروع قانون تم تقديمه إلى مجلس النواب، وذلك حسب ما نشره موقع برلمانى، وإن كان هدف النائب على حسب ما جاء بسياق تصريحه أنه يهدف لمنع التواصل بين المتهمين فى قضايا الإرهاب وبين من لهم بهم علاقة فى خارج السجن، وأنه يزعم أن الزوجات أو الزوار عموما يتم من خلالهم تناول أو نقل المعلومات والبيانات من داخل السجن إلى خارجه والعكس.

ولكون الزيارة فى السجن ليست حقا للسجين فقط يتم معاقبته به بالحرمان، ولكنه حق مشترك بين السجين وذويه فللأسر الحق فى رؤية سجينهم، دون إلحاق أى ضرر بهم ولو لمجرد التعنت فى سبل التزاور، أو التضييق عليهم خلالها، أو قصر وقتها، أو حتى جعلها تحت المراقبة، وذلك لكونها فى الأساس زيارة إنسانية مجتمعية، وكما قال علماء علم العقاب الاجتماعى تسهل من تواصل المحكوم عليه مع ذويه، ومن ثم مع المجتمع فيما بعد الخروج، كما أنها جزئيا أو نسبيا ترأب الصدع فى نسيج الأسرة، ولو بشكل بسيط.

***

ومن زاوية ثانية فإن بناء السجون ووضع المحكوم عليهم داخلها لم يكن أبدا يهدف إلى الانتقام الاجتماعى من المحكوم عليه، أو تعمد إلحاق الأذى النفسى به عن طريق العزل عن باقى المسجونين، والحبس الانفرادى. كما أنه قد لحق بالعقوبات السالبة للحرية العديد والعديد من التطورات الآخذة فى البعد عن نظرية المغالاة فى الجزاء الانتقامى، والتقرب من الهدف الإصلاحى للعقوبات فى مجملها، فنجد فى العديد من دول العالم بدأ التوجه إلى أنواع جديدة للعقوبات أهمها : ــ العقوبات مع وقف التنفيذ المشروط، ويقصد بهذا البديل تعليق العقوبة المحكوم بها على شرط واقف خلال مدة معينة يحددها القانون، فإذا لم يتحقق الشرط أعفى المحكوم عليه من تنفيذها نهائيا، أما إذا تحقق الشرط ألغى إيقاف التنفيذ، ونفذت العقوبة المحكوم بها. ونجد جهاز الرصد الإلكترونى والذى بمقتضاه يخضع المحكوم عليه لنظام المراقبة الإلكترونية الذى يقيد حريته خارج أسوار السجن عن طريق وضع سوار إلكترونى شبيه بالساعة، فى معصمه ويرسل إشارات للمصالح المكلفة بالمراقبة. وأيضا عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة، وهذه العقوبة توقع خارج أسوار السجن، بمقتضاها يلزم الجانى بأداء عمل لفائدة المجتمع كتعويض رمزى عن الضرر الذى نتج عن فعله الجرمى. وذلك من خلال العمل لصالح هيئة أو مؤسسة أو جمعية عامة، لمدة محددة قانونا تقدرها المحكمة، وبدون مقابل. وكذلك نجد إطلاق السراح المشروط، والذى بمقتضاه يتم إطلاق سراح المحكوم عليه بعد قضاء نصف المدة من العقوبة المقضى بها، وفق اشتراطات خاصة، ترجع لسلوك المحكوم عليه داخل السجن، ولانتظام حياته الاجتماعية خارج السجن.

***

وقد أثبتت الدراسات على جدوى بدائل العقوبات السالبة للحرية كوسيلة فاعلة للوقاية من السلبيات المترتبة على عقوبة السجن، لذلك أوصت المؤتمرات الدولية المتخصصة على الأخذ بها، ومنها على سبيل المثال المؤتمر السادس للأمم المتحدة للوقاية من الجريمة المنعقد فى كاراكاس «فنزويلا» عام 1980م إذ اعتمد فى توصيته رقم 8 ما نصه» العمل على نشر التدابير البديلة لعقوبة السجن فى العالم على نطاق واسع، وذلك بإدخالها ضمن التشريعات الجزائية وإعطاء أجهزة العدالة الجنائية التأهيل اللازم لفهمها وتطبيقها واعتمادها». كما أن المؤتمر السابع للأمم المتحدة المنعقد فى ميلانو عام 1985م اعتمد فى توصيته رقم 16 ما نصه» وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لعلاج ظاهرة تكدس السجناء، والاستعاضة ما أمكن عن عقوبة السجن بالتدابير البديلة والمؤهلة لإعادة دمج المحكوم عليهم فى الحياة الاجتماعية أعضاء فاعلين، وهو ما يعد امتدادا لمفهوم الإصلاح وإعادة تربية المجرم من جديد ثم إعادة اندماجه داخل المجتمع بعد قضاء فترة العقوبة.

ولكوننا ما زلنا فى أول درج التطور ولم نساير العالم فيما أخذ به فى أمر التطور العقابى، ولم تزل العقوبات السالبة للحرية مغالى فيه، بشكل عال فى القانون المصرى، وهو ما يرجع مفهوميا إلى نظرية الردع الاجتماعى، التى تخلى عنها العالم بشكل كبير، وبدأ فعليا فى التوجه والأخذ بالسبل سابقة البيان، وما زالت السجون عندنا قامة، بل يتم إنشاء الجديد منها لزيادة عدد السجناء، وهو الأمر الذى يعود بالخسارة على المجتمع والدولة، إلا أن يصل التصور من أعضاء مجلس النواب إلى هذا القدر من المغالاة والتشدد فى العقاب، وهو ما يشكل عقوبة مزدوجة للأسر مع المحكوم عليهم، وإن كان هناك مخاوف فعلية من المتهمين فى قضايا الإرهاب، على حسب ما جاء بتصريح النائب صاحب المشروع، فإن هناك العديد من السبل يجب البحث عنها من جانب الدولة، لا يكون من بينها منع الزيارة أو القضاء بالحبس أو السجن الانفرادى، وليس هناك ضمن الأنظمة القضائية أو القانونية على مستوى العالم ما يقرر مثل هذا الإرهاق فى منع التزاور أو التراسل بين السجين وذويه.

كما أن مصر من بين بلدان العالم التى قد انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التى تحرم أن تأتى السلطة بمثل هذه السلوكيات كأسلوب عقابى، كما أنها قد شاركت فى معظم المؤتمرات الجنائية الدولية، التى سعت فى مجمل أعمالها إلى تحسين وتطوير الدور العقابى، وتطوير أداء المؤسسات العقابية والسجون.

***

وفى هذا السياق قد وافق مجلس النواب على مشروع قانون بتعديل بعض مواد قانون تنظيم السجون، وبموجب هذه التعديلات يجوز الإفراج الشرطى عن المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية، إذا ما أمضوا نصف مدة العقوبة المقررة، إذا ما كان سلوكه فى أثناء وجوده فى السجن يدعو إلى الثقة بتقويم نفسه، وذلك ما لم يكن فى الإفراج عنه خطر على الأمن العام. وهذا التعديل فى مجمله حسن وفى صالح المحكوم عليهم، ولكن بقاء الأمر فى سلطة مصلحة السجون ووزارة الداخلية، دونما وجود تفعيل لدور القضاء أو النيابة يجعله قاصرا وخاضعا لسلطة الداخلية، وإن كان من الأجدر أن يحتوى هذا التعديل على رقابة قضائية على هذه السلطة، أو أن يكون الأمر كله بيدها، وأن ترفع الداخلية ومصلحة السجون تقاريرها عن حالة المسجونين إليها.

كلمة ختامية: إن مجلس النواب الحالى يجب عليه أن يسعى فى عمله إلى خدمة المجتمع الممثل لكتلة أو هيئة الناخبين، والذين من بينهم أسر المسجونين، وأن أمر التشريع الجنائى يجب أن يتم وفق دقة عالية، وأن يتم عرضه على المتخصصين فى هذا الشأن، ولدينا مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، والذى يضم بداخله مجموعة عالية الكفاءة من المتخصصين فى هذا الشأن يجب الرجوع إليهم.

تم نشر هذا المقال عبر موقع الشروق الإلكتروني بتاريخ 16 يناير 2018