الدور التشريعى الثانى لمجلس النواب «الدور والدلالات»

5 سبتمبر 2017

قارب الفصل التشريعى الثالث على الانعقاد، حيث يستعد أعضاء مجلس النواب لبداية ذلك الفصل التشريعى بعد عيد الأضحى المبارك وعودتهم من رحلة الحج على متن طائرة مخصصة لعدد أربعمائة عضو برلمانى، وقد نشرت الجريدة الرسمية فى عددها الصادر الأحد 9 / 7 / 2017 قرار رئيس الجمهورية رقم 303 لسنة2017 بفض دور الانعقاد العادى الثانى للفصل التشريعى الأول لمجلس النواب اعتبارا من الخميس السادس من يوليو سنة 2017، وقد كان حصاد هذا الدور التشريعى انعقاد 68 جلسة عامة استغرقت نحو 227 ساعة، شارك فيها 475 نائبا، قدموا خلالها 3594 مداخلة عبروا فيها عن تحملهم المسئولية وإدراكهم للتحديات وتطلعات الشعب المصرى، كما وافق مجلس النواب خلال دور الانعقاد الثانى على 217 مشروع قانون مقدمين من الحكومة والنواب بإجمالى 2338 مادة، والتى وصفها الدكتور «على عبدالعال» رئيس مجلس النواب بأنها أكبر عدد من التشريعات فى تاريخ الحياة النيابية المصرية والتى كان لها أثرها الإيجابى على جميع الأصعدة.

وأهم ما جاء بهذه الإنجازات بحسب وصف رئيس مجلس النواب من قوانين هى تعديلات قوانين الإجراءات الجنائية والكيانات الإرهابية والطوارئ والتظاهر وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وتعديلات قانون الطوارئ، وإقراره لتمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، هذا إضافة إلى إقراره لقانون الخدمة المدنية، بعد أن تم رفضه فى الدور التشريعى الأول، وقانونين بزيادة المعاشات العسكرية والمدنية، علاوة على أن مجلس النواب قد أقر عدد 61 اتفاقية أبرمتها الحكومة، يأتى أهمها بالنسبة للمجتمع المصرى هى اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، تلك التى لن يندمل أثرها على الكيان المصرى، إضافة إلى ما أقره هذا البرلمان من اتفاقيات قروض تحمل الشعب بمزيد من الأعباء.
***
وبشكل عام هل ما قام به مجلس النواب من أعمال تشريعية كانت تصب فى خانة مصلحة الوطن والمواطنين، أو أنها قد حظيت بنقاشات موضوعية حيادية تؤكد عن حاجة المجتمع لها؟ ولا توجد إجابة تتفق ــ أصول العمل التشريعى وعلم بناء وصناعة القانون ــ إلا النفى، حيث إن معظم ما أنجزه مجلس النواب المصرى لم يكن إلا تلبية لطلب السلطة التنفيذية، سواء كانت هى صاحبة الاقتراح المقدم بالقانون، أو كان ذلك الاقتراح مقدم من خلال كتلتها البرلمانية الممثلة فى جبهة دعم مصر، وهو ما يؤكده سرعة الانتهاء من مناقشة ومن ثم إصدار تلك القوانين التى جارت على حريات وحقوق للمواطنين، أهمها الحق فى التقاضى، متمثلا فى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وكل هذه القوانين قد جاءت انسياقًا مع رغبة الحكومة فى تمريرها عبر البرلمان، وأنها تتعارض مع نصوص الدستور المصرى فى كل ما جاء فيه معنيا بالحقوق والحريات، وأرى أن هذه القوانين فى مجملها مآلها ولو طال الأمد الإلغاء أو القضاء بعدم دستوريتها، وذلك على الأقل تماشيا مع باب الحقوق والحريات، ومع التطورات الدولية فى علم صناعة القانون، وتطور الأدوات العقابية، والبعد قدر المستطاع عن الغلو والشطط فى العقوبات وخصوصًا فيما يتعلق بأمر من الحقوق الحريات.

***

وعن المستوى الرقابى للبرلمان فقد جاء مخيبًا لأى تصور فيكفى ما جاء بعرض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، ومعظمنا قد شاهد مقاطع من جلسة التصويت، والتى خلت من أى معيارية حقيقية لآليات التصويت النقاش لأمر يخص جموع الشعب، الذى يشكل أعضاء هذا المجلس نوابا عنه، ناهيك عن تعارض ذلك مع ما صدر من المحكمة الإدارية العليا من حكم نهائى وكان الأوجب أن تحترمه باقى السلطات احتراما لسيادة القانون، وخضوع الدولة للقانون، كما كان من اليسير على الحكومة أن تتحايل على هذا الحكم حتى تتماشى مع أحكام الدستور والقضاء، بإعادة التوقيع على هذه الاتفاقية من شخص رئيس الدولة، بحسب كون حكم المحكمة الإدارية العليا، قد أبطل توقيع رئيس الوزراء المصرى، ولكن مجلس النواب قد أثر الانصياع لكل رغبات السلطة التنفيذية، وكأنه مجلس حكومى معين، وليس مجلس للنيابة عن الشعب، هذا إضافة إلى موافقته على كل ما أبرمته الحكومة من اتفاقيات قد يلزم بعضها الأجيال المقبلة بديون هم منها براء، كما أنها تضعف من حالة الاقتصاد المصرى التى هى بطبيعتها فى حالة وهن واضمحلال منذ خمس سنوات، وما يدعم ذلك القول هو ما تفضحه أوراق مضابط البرلمان، إذا بمراجعة ما يقوله البرلمانيون على أنه إنجاز من إنجازاتهم هو عدد 61 اتفاقية تمت الموافقة عليها جميعها، دون نقاشات أو اعتراضات على أى بند ولو من الناحية الشكلية لواحدة فقط من هذه الاتفاقيات، وكأن السلطة التى أبرمت هذه الاتفاقيات منزهة عن الهوى، وكأن هذا المجلس النيابى قد جاء فقط لمباركة أعمال السلطة التنفيذية وليس للرقابة عليها.

***

ويكفينا أن نقول إن هذا البرلمان الذى تجاوزت ميزانيته مليار جنيه، لم يقم نوابه باستجواب واحد للحكومة برغم تحريكها أسعار الوقود مرتين، ورفع أسعار السلع أكثر من مرة، ونقص اللحوم والدواجن وتحريك أسعار المترو من دون الرجوع إلى النواب، وتمرير اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى من دون مناقشات موسعة، وحصول مصر على الدفعة الأولى من القرض من دون موافقة البرلمان، إضافة على موافقته على قرار رئيس الجمهورية رقم 144 لسنة 2017 بشأن الموافقة على عقد القرض التعويضى (الثالث) بين حكومة مصر وصندوق النقد العربى، والموقع بتاريخ 7 ديسمبر 2016. وكأن انعقاد مجلس النواب حقيقة لا يكون إلا لإضفاء الشكل الدستورى بالموافقة على كل ما تقدمه الحكومة أو تقوم به من أعمال أو اتفاقيات بغض النظر عن مدى صلاحية هذه التصرفات ومدى توافقها مع الصالح العام، ويدعم ذلك القول ما يحدث حين محاولة أحد الأعضاء أن يدلى بكلمة تعبر عن بصيص من المعارضة أو ما يمثل النقد أو التعليق على أى من هذه الاتفاقيات أو التصرفات، وخير دليل على كل ما سبق هو ما جاء بنص خطاب الاستقالة من عضوية البرلمان الذى تقدم به الدكتور / محمد أحمد فؤاد، نائب العمرانية «عن حزب الوفد»، ويكفى أن نعرض ما جاء بالفقرة الأولى من هذه الاستقالة والمرتبط بما أعنيه فى هذا المقال، حيث قال النائب: حيث إنه من الملاحظ أن هناك تعطيلا فى حقوقنا الرقابية والتشريعية، وتعطيلا للائحة المجلس فى العديد من الأمور، ونذكر مثالا على ذلك الاستجواب المقدم فى يوليو 2016 بشأن الأوضاع والخطة الاقتصادية للدولة، والذى تم رفضه على الرغم من استيفاء الشكل الدستورى واللائحى له، والذى اتضح لنا بعد مرور شهور قليلة تحقيق ما ذكر فيه مما يجعلنا نستشعر أن هناك تعطيلا للحق الدستورى فى استخدام الاستجواب.

تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة الشروق الإلكتروني بتاريخ 5 سبتمبر 2017