حقوق العباد فى ثروات البلاد

11 أغسطس 2017

تمثل الثروات الطبيعية فى كل بلاد الدنيا المخزون الاستراتيجى الدائم والمستقبلى لجميع الأجيال سواء كانت الحاضرة أو المستقبلة، ولا تعد سيادة السلطة على الدولة كاملة إلا بممارستها هذه السيادة على ثروات البلاد دونما تدخل من بلدان أخرى، وقد جاء فى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 ما يؤكد ذلك بقوله نصا (حق الشعوب والأمم فى السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية التى يجب أن تمارس فى صالح التنمية القومية ولرفاهية شعب الدولة المعنية).

ومن هذا المنطلق وجب على أى سلطة حاكمة أن تكون على قدر مسئوليتها فى المحافظة على ثروات البلاد وعدم تبديدها فيما لا يصلح حال الدولة، ويحافظ على حقوق الأجيال المقبلة فى هذه الثروات، وقد ساير ذلك جميع الدساتير على مستوى العالم، وهو ما أكدته المعانى الواردة فى الدستور المصرى الأخير فى فصله الثانى من الباب الثانى، والمعنون «المقومات الاقتصادية» وأهم ما جاء بهذا الفصل هو ما جاء بالمادة 32 منه بقولها إن «موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها».
***
تعد الثروات الطبيعية فى مصر من أهم المشكلات التراكمية منذ سنوات طويلة، وتكمن المشكلة فى كيفية إدارة هذه الثروات، فطبقا لدراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء، فإن مصر تملك أكبر مخزون من الرخام، والجرانيت، على مستوى العالم، ويمكنها أن تصدر للخارج كميات بقيمة مليارى دولار سنويا إذا أحسن استغلال المحاجر.
ويضاف إلى هذا مئات الملايين من الأطنان من الرمال السوداء التى تدخل فى صناعة السيراميك وتفرط الدولة فيها بسعر ٤٥ قرشا للمتر المكعب، فى حين يصل سعره العالمى إلى عشرات الدولارات.
وتتكرر نفس كارثة الإهدار فى الرمال البيضاء، وفى الطفلة التى تدخل فى صناعة الاسمنت وتفرط فيها الدولة بأقل من جنيه واحد للطن.
وهناك كميات كبيرة من التلك، والكبريت، والجبس، والكوارتز، والكاولين، ورمل الزجاج، والأحجار الكريمة، والألبستر، والحجر الجيرى، والشواطئ الخلابة، والمناخ الرائع، وثلثى آثار العالم، هذا بالإضافة إلى مخزون من الفوسفات يصل إلى عشرة آلاف مليون طن فى المحاميد والمناطق المجاورة لها وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور. وإذا كان سعر الطن حوالى ٨٠ دولارا فإن لدينا مخزونا من الفوسفات يصل إلى ٨٠٠ مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك هناك مخزون من المنجنيز فى سيناء يقدر بحوالى ١٧٥ ألف طن. وهناك مخزون من الرمال البيضاء التى تدخل فى صناعة الزجاج، وشرائح الأجهزة الكهربائية، وإنتاج الكهرباء يقدر بحوالى 20 مليار طن.
وطبقا لتقرير أعدته هيئه المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات الممكن استخراجها من غاز وبترول حول العالم، تأكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحرى له من البحر المتوسط بهما أكبر التقديرات على مستوى العالم وبها ١٨٠٠ مليار برميل بترول و٢٢٣ ألف مليار قدم مكعب غاز وحوالى ستة مليارات برميل غاز مسال، بالإضافة إلى خمسة مليارات برميل بترول فى البحر الأحمر و١١٢ ألف مليار قدم مكعب غاز.
وهو ما يعنى تأكيدا بأن الدولة المصرية ليست من الدول الفقيرة فى ظل هذا الزخم من الثروات الطبيعية، ولكنها من البلدان التى تعانى من سوء الإدارة وسوء التخطيط لكيفية استغلال ثروات البلاد والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة فيها، وطبقا لآراء الخبراء العالميين بأن مصر دولة غنية جدا بمواردها ولكنها فقيرة للغاية فى وجود إدارة لم تستفد من هذه الموارد ففى عام 2012 قالت (كاثرين أشتون) المفوضة العامة للاتحاد الأوروبى بأن مصر لديها ثروات تكفى لمساعدة ربع الدول الأوربية وإن ما تم سرقته وإهداره من أموال وأرصدة خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك يكفى لظهور ملايين الأثرياء فى مصر كما قال «مهاتير محمد» رئيس وزراء ماليزيا عندما قام بزيارة القاهرة قائلا إن مصر لديها ثروات ضخمة غير مستغلة كافية لمساعدة خمسين دولة على مستوى العالم.

فكيف يقبل العقل البشرى فى ظل كل ما تقدم أن يصبح المستوى الاقتصادى للدولة المصرية فى عام 2017 بهذه القسوة على غالبية الشعب المصرى، وأن يصبح الاقتصاد المصرى أهم مقوماته هى القروض أو المنح الأجنبية، إذ بمراجعة الجريدة الرسمية تجد أن الحكومة المصرية قد استدانت العديد من القروض، أهمها قرض إنشاء محطة الطاقة النووية بالضبعة، وقرض صندوق النقد الدولى الأخير، والذى كان من متطلباته الرئيسية هو رفع الدعم عن الطاقة والمحروقات، وتعويم الجنيه المصرى، وهو ما انعكس سلبا على كل أوجه الحياة؛ أبرزها الغذاء والدواء، واللذان قد ارتفعت أسعارهما بطريقة لا تتناسب مطلقا مع نسبة الدخل لعموم الشعب.
***
فى ظل غياب المعنى الحقيقى للشفافية ومراقبة الشعب للسلطة فى ممارسة أعمالها تراكمت مشكلات إدارة الثروات الطبيعية فى مصر، فلا أحد يستطيع أن يعى تماما كيفية إدارة هذه الموارد، وأين تذهب تلك الأموال، فمنذ عهد مبارك على أقل تقدير كانت هناك مطالبات شعبية لمعرفة حقيقة موضوع منجم السكرى، وحقيقة عقد تصدير الغاز لإسرائيل، وقد كانت هناك محاولات تعتيمية من جانب النظام المصرى آنذاك، وهو الأمر الذى أدى إلى اللجوء للتقاضى طعنا على عقد تصدير الغاز، وليس الأمر يقف عند تلك الحدود، وإنما هى مجرد أمثلة لكيفية التصرف فى الثروات الطبيعية للشعب المصرى، وقد تطور الأمر بصورة أكثر بعدا عن ما كان عليه الأمر فى الماضى، ويكفى فى هذا الوقت ما تم بخصوص جزيرتى «تيران وصنافير» وهو ما أطلق عليه النظام المصرى اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وما ثار بشأنها فى أروقة الدولة المصرية من مخالفات لكل قواعد اللعبة السياسية أو مبادئ السيادة أو الفصل ما بين السلطات، واحترام أحكام القضاء، حيث صدر حكما باتا ببطلان التوقيع على هذه الاتفاقية، وبرغم ذلك تم تصديرها لمجلس النواب غير المختص دستوريا وفقا لحقيقة نصوص الدستور بمناقشة مثل هذه الاتفاقيات، والتفافا حول حكم الإدارية العليا. وتعد هاتان الجزيرتان ضمن الثروات الطبيعية المملوكة للشعب المصرى، التى كان من المفروض والواجب على السلطة المصرية حسن إدارتها ورعايتها، والحفاظ على حقوق الشعب المصرى فيها، وبعيدا عن كل ما تم بشأنها، فإننى أرى من وجهة نظر فقهية دستورية حقوقية أن هناك تجاوزا من السلطة فى أمر هاتين الجزيرتين، وبشكل مبسط لكون حدود السلطة تقف عند إرادة الشعب، ولا يجوز لها أن تتجاوزه أو أن تسير وفق إرادتها وضد إرادة الشعب، لكون السلطة ليست موكلة إلا فى حدود الإرادة الشعبية.
وبصور إجمالية تمثل آفة سوء التوظيف والإدارة مع غياب الشفافية والرقابة الشعبية الحقيقية ما يمثل مكنون حقيقة الهدر المستمر فى الثروات الطبيعية المصرية، وهو الأمر الذى يدفعنا إلى القول بأنه يجب على الإدارة الحاكمة للدولة المصرية على أقل تقدير أن تلتزم حدودها الدستورية، ولا تسعى إلا لما يحقق المصلحة العامة للمواطنين الذين هم أصحاب الحق الرئيسى فى ثروات البلاد الطبيعية.

تم نشر هذا المقال عبر موقع جريدة الشروق الإلكتروني بتاريخ 11 أغسطس 2017