التعليم في مصر.. هموم وتحديات

20 ديسمبر 2016

مصادفة شاهدت أحد البرامج التليفزيونية يعقد مسابقة ما بين طلاب المدارس يدعمها البنك الأهلي المصري لصالح تطوير التعليم في مصر، مما استرعى انتباهي عن حال التعليم، ولكوني كنت في بيتي فتحدثت إلى أولادي بحسبهم طلاب في المدارس المصرية الرسمية، وكان رد الأكبر بوصفه في الثانوية العامة بأنه لا يذهب إلى المدرسة ويعتمد فقط على الدروس الخصوصية، وأن زملاء الصف الثالث الثانوي لا يذهبون إلى المدرسة منذ أول العام الدراسي، وكان رد ابنتي وهي في الصف الثاني الإعدادي، أكثر إيلاماً حيث أسكتتني عن استكمال الحوار بقولها إن عدد الطلاب في فصلها الدراسي 94 طالبا، وردد نفس القول أصغر الأبناء بأن فصله وهو في الصف الرابع الابتدائي به 98 تلميذا، فعلمت كيف تكون مصر في ذيل المؤشر العالمي لجودة التعليم.

ولما كانت العملية التعليمية تتكون من مجموعة من العناصر التي يجب الاهتمام بها مكتملة، بحيث لا يصبح هناك تطور أو ازدهار في العملية التعليمية، إلا بالحرص على هذه المكونات وهي: معلم، متعلم، مكان للتعليم، ومنهج للعلم. ولابد أن تحرص الدولة على تكريس جهدها على النهضة بكل هذه العناصر مجتمعة، فالمعلم وهو الرسول الذي يقوم بتوجيه المنهج التعليمي لطالب العلم فالأوجب أن يتم الاهتمام به من بداية تجهيزه ليصبح صالحا لريادة العملية التعليمية، ولا يبدأ ذلك إلا منذ لحظة تأهيله تعليمياً وتربوياً، وذلك لا يكون إلا في معاهد أو جامعات مخصصة لبناء ذلك الفرد الذي يشكل كيان من يتعلم تحت يده، ومن ثم وجب مراجعة مناهج كليات التربية المعنية بتخريج هؤلاء المعلمين، ثم وجوب معاملتهم على النحو المالي الذي يضمن لهم المعيشة الكريمة، ويخرجنا من بوتقة الدروس الخصوصية، التي همها الأول والأخير هو التلقين مقابل مبلغ مالي من أجل نجاح الطالب فقط.

أما عن طالب العلم، فكما هو الحال في معظم دول العالم الساعية بجد لنهضة تعليمية حقيقية، فيجب الاقتداء بهذه التجارب والتي تتمحور في الاهتمام الصحي والغذائي والتربوي والنفسي قبل التعليمي للطلاب في كافة المراحل التعليمية، فإذا ما وجد الطالب نفسه محور اهتمام البيئة التعليمية فلا شك بأنه سوف يكون مقبلاً على التعلم ساعياً للإبداع.

ومكان التعليم يجب أن يكون مكاناً صحياً ملائماً، وأن تراعى فيه الكثافة الطلابية حتى يتمكن كل من المعلم والطالب من التحاور الفعال والإقبال المثمر، فكيف لفصل كثافته الطلابية تقارب المائة طالب أن يكون بيئة مناسبة لتلقي العلم.

ويجب كذلك في المناهج التعليمية أن تكون مناسبة ومتفاعلة مع متطلبات العلم الحديث وقدرات المراحل السنية المختلفة، ويجب أن تحتوي على مواد عملية إضافة إلى تدريس مواد أخلاقية للمساعدة على غرس القيم في نفوس الأبناء.

وأرى أن جوهر الصراع في العالم الآن لا يخرج عن كونه سباقا في التعليم، وإن أخذ هذا الصراع أشكالاً سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فالجوهر هو صراع تعليمي لأن الدول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفرات هائلة في النمو الاقتصادي والقوة العسكرية أو السياسية نجحت في هذا التقدم من باب التعليم، فلم تعد أهمية التعليم محل جدل في أي منطقة من العالم فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة في العالم هي التعليم، وأن كل الدول التي تقدمت بما فيها النمور الآسيوية قد تقدمت من بوابة التعليم ولذا تضع الدول المتقدمة التعليم في أولوية برامجها وسياساتها.

ومن منظور حقوقي فقد أولى القانون الدولي لحقوق الإنسان عناية واهتمام بالتعليم، وجاء النص عليه في العديد من الاتفاقيات، وأهمها ما جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والذي جاء النص في المادة الثالثة عشرة منه على أن «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهى متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهى متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الاثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم».

ولكن كيف يتسنى لنا النهوض بالتعليم وتطوير أدواته في ظل الموازنة العامة للدولة، التي أقر الدستور المصري الأخير بوجوب تخصيص نسبة 4 % على الأقل من الناتج القومي للإنفاق على التعليم الحكومي، وكذلك تخصيص نسبة 2% على الأقل للإنفاق على التعليم الجامعي، على أن تتصاعد هذه النسب تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. فهل تكفي هذه النسب في حالة افتراض التزام مؤسسات الدولة بها كما جاء بالنصوص الدستورية للنهوض بالمسألة التعليمية بالغة الخطورة على مستقبل الوطن؟

الأمر جد خطير ولابد من لفت الانتباه في كل المستويات وعلى كل الأصعدة الرسمية إلى أن الاهتمام بالتعليم هو صلب تقدم الأمم وعامود خيمتها، ولكم في دول النمور الآسيوية الأسوة الحسنة حيث لم تتقدم هذه الدول وتصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن أولت صلب اهتمامها وتركيزها على التعليم.

تم نشر هذا المقال عبر موقع المصري اليوم بتاريخ 14 ديسمبر 2016