أزمة قانون الجمعيات الأخير

27 نوفمبر 2016

جاء خبر تحذير الأمم المتحدة من تدمير المنظمات غير الحكومية للمجتمع المدني، حسبما ذكر الموقع الرسمي للأمم المتحدة. وقد صرح خبير الأمم المتحدة ماينا كياي، بأنه سيتولد عبء خطير على موافقة مصر على مشروع القانون الذي من شأنه فرض قيود كبيرة على عمل المنظمات غير الحكومية، وهو الخبر الذي تناقلته العديد من وكالات الأنباء، من بينها مثلا موقع البديل الإلكتروني.

فهل كان مجلس النواب المصري في حاجة لمثل هذه التعليقات، التي تنال من قدرته على سن التشريعات بما يتناسب مع احتياجات المجتمع المصري، ويتماشى أيضا مع مفهوم الحقوق والحريات، وهذا المجلس النيابي يترأسه أستاذ دستوري جل تخصصه هو الحقوق والحريات؟
وقد أصدر مجلس النواب قانون الجمعيات المقدم له من أحد نواب ائتلاف دعم مصر، بعد مناقشات تكاد تكون منعدمة أو محصورة في كلمات بسيطة، ودونما عرض على المختصين من أهل المجتمع المدني، وكأن المجتمع المدني سبة في جبين مصر يجب التخلص منها بالتقييد الشديد حتى لا تقوم لها قائمة، ولم يسترع انتباه مجلس النواب ما جاء في الدستور المصري من حق تكوين الجمعيات الأهلية بمجرد الإخطار، حسب نص المادة 75 من الدستور المصري الأخير .

وقد جاء القانون المرسل حاليا من مجلس النواب المصري لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لإبداء الرأي في مجمله بصور تعصف بالحق في تكوين الجمعيات منذ لحظة الميلاد حتى ممارسة النشاط في حالة تمام الموافقة على الإشهار، كما جاء مبالغا في عقوباته ومزيدا من حدة تدخلات الجهة الإدارية في عمل الجمعيات، وهو الأمر المخالف للفقرة الثانية من المادة 75 من الدستور بقولها «ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شؤونها أو حلها أو حل مجلس إدارتها أو مجلس أمنائها إلا بحكم قضائي»، هذا بالإضافة إلى الكثير من التعقيدات الإدارية في أمور متعلقة بفتح مقارات أو فروع جديدة، أو الانضمام إلى تحالفات دولية أو أمور متعلقة بالتمويل.

وهو الأمر الذي لا يمكن التعبير عنه سوى بالرغبة في مصادرة العمل الأهلي في مصر، وإن كان القصد من الصياغة المعروضة على مجلس الدولة لهذا القانون سواء كانت متسرعة أم صياغة متعمدة هو التضييق على الكيانات العاملة تحديدا في المجال الحقوقي، زعما من أنه يمثل صداعاً في رأس السلطة، وهي التي بدأت سلسلة الملاحقات للعاملين في هذا المجال بإحالتهم للتحقيق أو بمنع من التصرف في أموالهم أو منعهم من السفر، وكانت خاتمة المطاف هي إصدار هذا القانون.

ومن زاوية أولية لم يسترع انتباه أعضاء البرلمان أن الغاية الحقيقية من التشريع هو التنظيم المجتمعي لحاجة من الحاجات أو أمر من الأمور بما يتناسب مع هذا الاحتياج، كما أنه عند صناعة قانون متعلق بحق أو حرية من الحريات العمومية، وكما استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا تابعة لما أسسه الفقه الدستوري المحلي والدولي، فإنه لا يتعدى حدود التنظيم ولا يتجاوز ذلك إلى حد التضييق من ممارسة الحرية أو وضع القيود على الحق محل التنظيم، بما يثقله أو يخرجه عن مضمونه.

ولا يغيب عن بال المشرعين أن هذه المؤسسات أو الكيانات تمثل واسطة العقد الاجتماعي ما بين المواطنين والدولة، بكونها تسعى لكشف مناطق الخذلان والخمول ومناطق احتياج المجتمعات، حتى تسعى السلطة إلى معالجتها، وقد أسس لذلك القضاء الإداري المصري في العديد من الأحكام، وأبرزه ما سطره المستشار الجليل عبدالوهاب خفاجي في القضية الخاصة بالطعن على القرار المطعون فيه الصادر من محافظ البحيرة فيما تضمنه من حل جمعية رعاية المسجونين وأسرهم بمحافظة البحيرة، المشهرة برقم 7منذ عام 1966 وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الإدارة بالمصروفات. بقوله «إن منظمات المجتمع المدني والجمعيات والمؤسسات الأهلية، هي واسطة العقد بين الفرد والدولة، وعن طريقها ومن خلالها تتم تربية المواطنين على الممارسة الديمقراطية والتوافق مع إطارها وإدراك مناهجها واستيعاب طبيعتها، مما مفاده إدراك المواطن لضرورة إسهامه في شؤون وطنه والتحامه مع آماله والتشكي من آلامه، كما أن إسهام المواطن في العمل الوطني لا يكون فحسب عن طريق التعبير باختيار ممثل له في المجلس النيابي أو المجالس المحلية، وإنما يكون أيضا عن طريق الإسهام في الأعمال المتعلقة بتنمية المجتمع الذي يعيش فيه ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، وأداة ذلك ووسيلة تكوين الجمعيات الأهلية التي تعد الواجهة الأخرى لتحقيق الديمقراطية”.

وإنني على ثقة من كون مجلس الدولة سوف يعيد هذا القانون إلى مجلس النواب وبه العديد من الملاحظات، ومن هنا يجب على مجلس النواب أن يعيد مناقشة هذا القانون بما يراعي ما جاء عليه الدستور المصري وما استقر عليه المجتمع الدولي والحقوقي والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر ونشرتها في جريدتها الرسمية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في هذا الشأن، وبما يتناسب مع الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المصري في شأن تنظيم كيفية التمتع بالحق في تكوين الجمعيات، مبتعدا عن فلسفة تفريغ الحق من مضمونه.

تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 24 نوفمبر 2016