المال السايب يعلم أي حاجة

4 أكتوبر 2016

أعلن البنك المركزي في يونيو الماضي عن ارتفاع حجم الدين العام المحلي إلى 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، وارتفاع الدين الخارجي إلى 53.4 مليار دولار، ليصل إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) إلى أعلى مستوى في تاريخه، وعلى صعيد الدين الخارجي، أوضح البنك المركزي أن حجم الزيادة في قيمة الدين الخارجي بلغ 13.5مليار دولار مقارنة بمعدله في نهاية مارس 2015 والذي كان يبلغ 39.9 مليار دولار.

وهذه الحقيقة المفزعة تدفع إلى البحث عن الفساد في المال العام، بحسبه من أهم الطرق لمكافحة هذا الترهل في الديون، فلو الحكومة المصرية تعاملت مع قضايا الفساد في المال العام بشكل أكثر جدية، أو على الأقل بالطريقة التي تتعامل بها مع المعارضين السياسيين من شدة في القوانين، وسرعة في المحاكمات وتوقيع عقوبات غليظة، ولكن الحكومة المصرية آثرت سلامة آكلي أموال الدولة مقننة بموجب المرسوم بقانون رقم 4 لسنة 2012 التصالح معهم، ومكتفية بأن يتربحوا من عدوانهم على المال العام، وأن يقوموا بسداد الأصول التي نهبوها فقط، كيفما تقدرها اللجان المعنية بعقد المصالحة، وهذا ما تم مؤخرا مع حسين سالم وتم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول أو الملاحقة، وكذلك الحال في قضية فساد القمح. وعلاوة على أوجه القصور التي تنال من هذا القانون، جاء القرار الجمهوري بالقانون رقم 56 لسنة 2014، بتعديل أحكام قانون حماية المنافسة ومنع الممارسة الاحتكارية، مجيزاً التصالح في هذه الجرائم بمقتضى ما يتم مع مجلس إدارة هذا الجهاز، وكأن الدولة هي الطرف الأضعف في هذه المعادلة، وأنها قد قررت مكافأة الفاسدين سارقي قوت الشعب الذي يعاني من شظف العيش، وتحمله قدره في متلازمة الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المدونة القانونية قد منعت المواطنين أصحاب البلاد الحقيقيين من حقهم في مراقبة ذلك التصالح، أو معرفة ما يتم بشأنه، وقصرت ذلك على أطراف الخصومة، وكذلك منعت الطعن على ما يتم من إجراءات بهذا الشأن.

ولا يخفى على أحد حجم الفساد المالي أو الإداري، الذي تعاني منه الدولة المصرية منذ سنوات طويلة، أدى إلى تجريف الثروة المصرية وتحويلها إلى جيوب وحسابات حفنة من الفاسدين تحت شعار الاستثمار، وقد كان لنا في قضايا الخصخصة التي سبقت ثورة يناير وما قضت به محكمة القضاء الإداري، والمحكمة الإدارية العليا من بطلان ما عُرض عليها من عقود شابها الكثير من أوجه الفساد خير دليل على صحة كلامنا.

ونقرر عودا لذى بدء أن المال العام المصري هو ملك لجموع الشعب الذي يتحمل قدره المحتوم من الديون التي زادت على حجم الدخل القومي، والقروض التي تعقدها الدولة تحت مظنة حل مشكلات بشكل وقتي، ولكن سوف يدفع المصريون جميعا سواء هذا الجيل أو الأجيال القادمة ثمن تلك القروض أو الديون من عمرهم وصحتهم ومستقبلهم في الوقت الذي ينعم فيه الفاسدون بما جنت أيديهم من مال المصريين، في حين أن بإمكان السلطة أن تعيش من خلال استغلال حقيقي لثروات البلاد ومنع تسريبها في كل القطاعات إلى من لا يتورعون في إفقار أكثر للمواطنين لصالح تكديس أكبر لثرواتهم.

فهل يمثل المال العام معنى «المال السايب»، حسب قول المثل الشعبي، وهو الذي فعلا يعلم السرقة، لكونه لا حارس له، ولا مقيما عليه؟ إن أولى الناس بمالهم هم فقراء هذا الشعب، الذين حُموا حتى من مكنة مراقبة مالهم، وهو ما يسمى بالرقابة الشعبية والتي تعد من أهم أساسيات الإدارة والحكم الرشيد، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تعديلات جذرية لهذه القوانين التي تشكل فعليا حاجزاً يمنع معاقبة هذه الفئة، وهذه المهمة التي أعلم قدر صعوبتها هي من أهم أساسيات عمل مجلس النواب المصري، هذا المجلس الذي فقد ظله من خلال عرض لا يليق في فصله التشريعي الأول، والذي انتهى بمخالفة المجلس ذاته لما أوجبه عليه الدستور من وجوب سن تشريع للعدالة الانتقالية.

كما أن على الدولة ذاتها دوراً لا يقل أهمية في إتاحة المعلومات الخاصة بهذه الجرائم وغيرها مما يخص المال العام، وإعمال رقابة حقيقية للمجالس الرقابية وتفعيل تقاريرها التي تقدمها للسلطة التنفيذية، كما أن عليها أيضا السعي الدؤوب نحو تحويل الشفافية إلى واقع ملموس وفاعل في تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والعمل على نشر تقارير الأجهزة الرقابية أسوة بالقوانين على الشعب، وعدم ربط هذه الأجهزة الرقابية بالسلطة التنفيذية، بل يجب أن يتم ذلك تحت رقابة برلمانية وفي جلسات علانية، فمن حق الشعب أن يعلم من يحميه ومن يسرق قوته.

تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 30 سبتمبر 2016