عن الدعم وتوزيع الثروات

16 مارس 2016

فى البدء لابد وأن نصحح مفهوم كلمة الدعم التى تتشدق بها الحكومات منذ ما يزيد على خمسين عاما، وكأن هذه الكلمة قد زُج بها فى قاموس الحياة اليومية للمواطنين من أجل إشعارهم بصنيع الحكومة لهم، وبأن السلطة تعطيهم، وهو ما يعنى التكرم من السلطة على الشعب، لكون الكلمة تعنى أن أعطيك من عندى أو أساعدك من ملكى.

ولكن الحقيقة والوضع الطبيعى للأمور يقول: أن الدولة بما فيها وما لها وما عليها ملك عام للشعب، وأنه حين يُخول السلطة الحاكمة أيا ما كانت أن تسوس أمور وشئون الحكم نيابة عنه، وليست بديلاً عنه أو مستعبدة إياه، كما أن ثروات هذا البلد هى ملك طبيعى لأبنائه، وليست حكرا لفصيل على حساب آخر.

ومن ثم فإن هذه الكلمة المستخدمة بشكل سياسى وضعى، يجب أن تعزف الحكومة عن استخدامها وترديدها فى مناسبات مختلفة، لأن ما يحدث أو يجب أن تسير عليه الأوضاع الطبيعية هو أن تُسخر ثروات الدولة ودخلها لصالح الشعب، وأن يتم توزيع الثروات بشكل عادل وحقيقى، بحيث لا يكون هناك إثراء لفئة على حساب باقى الشعب من خلال استخدام ثروات البلاد دونما معايير موضوعية حقيقية.

ويؤكد هذا القول ما جاء بكل المدونات الدستورية المصرية المتعاقبة، والتى آخرها الدستور المصرى لسنة 2014، وتحديدا ما جاء فى الباب الثانى منه تحت مسمى المقومات الاجتماعية والمقومات الاقتصادية، بما يؤكد هذه المعانى.

وبالتالى لابد من إخراج هذا المصطلح من قاموس الحياة السياسية، واستبداله بمعايير واضحة ومحددة لاستغلال وتوزيع ثروات الوطن المصرى، شريطة أن تكون هناك شفافية فى الإعلان عن ذلك انطلاقا من حق المصريين فى تداول المعلومات، ومراقبة أداء الحكومة التى تسوس أمورهم نيابة عنهم.

***

وتطبيقا لذلك، فقد أعلن رئيس الدولة منذ فترة ليست بالبعيدة عن عدم قدرة الحكومة فى تحمل دعم استهلاك المياه، وأن على الأفراد تسديد ثمن فاتورة استهلاك المياه مرفوع عنها ما يسمى بدعم الحكومة.

ــ فهل فعليا تدعم الحكومة أى سلعة لصالح الشعب؟ فهل للحكومة مال خاص غير مال الشعب تمد به يد العون للشعب المحتاج؟ وإن صح ذلك فمن أين تملكت الحكومة هذه الأموال التى تدعم بها الشعب؟ أليست من أموال الشعب وثرواته.

ــ وإن صح افتراض عكس كل ما سبق، من كون السلطة تدعم المواطنين، فبماذا من الممكن أن نبرر ما تتناوله الصحف والمواقع الإخبارية، من كون ذات السلطة (التى تدعى أنها تدعم مواطنيها الفقراء) قد خفضت أسعار الغاز من 7 دولارات إلى 4.5 دولار لأصحاب المصانع والمستثمرين، فهل هذه الفئة تستحق الدعم؟

وماذا سيحدث لو تم توزيع ذلك الفائض الموزع على ذوى الثروات، وتمت إعادة تدويره بطريقة تصب فى مصلحة الشعب، مثل الصحة أو التعليم، أو الضمان الاجتماعى.. فأيهما أحق؟

وختاما لما تقدم فهل يصح فى دولة تروج سلطتها لعوزها وعدم قدرتها المالية لتحقيق مطالب واحتياجات غالبية مواطنيها «من مسكن ومأكل وصحة وتعليم» بحسب كونها أهم مفردات الحياة، على إنفاق كل هذا البذخ والرفاهية على موكب رئيس الدولة حال توجهه للبرلمان فى موكب ملكى مهيب، ومن قبل السجادة الحمراء فى افتتاح مشروع سكنى للفقراء من الشعب؟

فأى الفريقين أحق بالإنفاق؟ ولن أتحدث عن سيادة القانون، والسير عكس الاتجاه.

مقال الأستاذ طارق عبد العال المحامى بالنقض عبر بوابة الشروق بتاريخ 15 مارس 2016