لماذا يذهبون إلى الجهاد؟ قفزة من الواقع المأزوم وصور تداعب الخيال التاريخي ويوتوبيا تفرض نفسها

30 ديسمبر 2015

مقتطفات من ندوة "لماذا يذهبون إلى الجهاد؟" التي نظمها "منتدى الدين والحريات" في مقر "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في الثلاثاء 15 ديسمبر 2015

 شاهد الفيديو الكامل للندوة

 

عمرو عزت:

ــ "لماذا يذهبون للجهاد؟" .. يبدو أن هذا التساؤل يشغل الأذهان بقوة، فهناك إقبال غير معتاد على حضور هذه الندوة وأيضا هناك عدد كبير من المتفاعلين على دعوة الندوة على فيسبوك.

في البداية أريد أن أوضح أن استخدامنا لكلمة "الجهاد" في العنوان هو بالمعنى اﻹصطلاحي الذي يشير للحالة الجهادية المعاصرة التي لها مجموعة من التقاليد الفكرية والممارسات العملية على اﻷرض التي يعتبر ذروتها إعلان تنظيم "داعش" تأسيس دولة إسلامية على مناطق من سوريا والعراق.

ــ التفاعل على صفحة الندوة على فيسبوك كان حماسيا ومثيرا للجدل، هناك العديد من تطوعوا لتقديم إجابات. هناك من قال أن اﻹسلام نصوصه تؤدي بالضرورة لحالة إعلان الجهاد ضد العالم مثل حالة داعش، وهناك من قال إن ما يطلق عليه "الجهاد المعاصر" هو فهم مغلوط للإسلام ويتبنى تأويلات متطرفة للنصوص اﻹسلامية، لكن الأكثر إثارة أن هناك من قاموا بالإجابة باﻷصالة عن أنفسهم وعرفوا أنفسهم على أنهم "جهاديين" وبعضهم قال أنه متواجد في مناطق سيطرة داعش، وقدموا إجابات مختلفة عن سؤال "لماذا ذهبوا هم أنفسهم للجهاد"، منها على سبيل المثال: أنهم يدافعون على اﻷمة اﻹسلامية وأن اﻷمة اﻹسلامية تنتهك، أو لأن الجهاد ذورة سنام الإسلام ومن الطبيعي أن يواصل المسلمون الجهاد، وإجابات أخرى أثارت نقاشات ساخنة أدعوكم لتصفحها وتأملها على صفحة الندوة.

ــ لا يمكن غالبا طرح إجابات بسيطة عن ظواهر إنسانية مركبة لا يزال العالم مرتبكا أمامها. الظاهرة الجهادية تمثل إرباكا لفئات كثيرة: للمسلمين والمؤسسات التي تحاول التعبير عنهم، فهي من جهة تبدو أهم تجليات هذه الظاهرة مثل "الدولة الإسلامية" أو داعش هي ظاهرة تجسد النصوص الدينية التاريخية ولكن معظم المسلمين ومؤسسات مثل اﻷزهر تحاول بقوة نفي الصلة بين النصوص اﻹسلامية وبين ممارسات داعش، كما تمثل إرباكا للدول المعاصرة في منطقتنا ﻷن تنظيم مثل داعش استطاع السيطرة على مساحة واسعة من اﻷرض وإعلان دولة عليها، وإرباكا للمجتمع الدولي الذي لم يتفق حتى الآن على طريقة محددة لمواجهة داعش، كما يمثل إرباكا للتنظيمات اﻹسلامية الإصلاحية أو المعتدلة لأن الخطاب الجهادي تحول من خطاب استشهادي شبه يائس إلى مرحلة إعلان دولة وهناك جدل داخل التيار الإسلامي عن جدوى السلمية والانخراط في العملية السياسية بهدف تأسيس دولة إسلامية بعد التطورات المختلفة التي مرت بها الانتفاضات العربية.

ــ محاولة البحث عن إجابات بسيطة لظواهر مركبة لن يكون مفيدا، ولكن في ندوتنا اليوم سوف نحاول تقليب التربة أكثر من محاولة تقديم إجابات مباشرة للسؤال الذي يمثل عنوان الندوة. الدكتور كمال حبيب، الكاتب والباحث في شئون الحركات الإسلامية، سيقدم لنا عرضا لتطورات الفكرة الجهادية قبل وبعد الثورات العربية، ومحمد العربي، الباحث في العلوم السياسية، سيقدم لنا عرضا وتحليلا لجوانب "بروباجندا الجهاد"، عن رسائل إعلام داعش وصورة البديل الإسلامي الجديد، وشريف محي الدين، الباحث في ملف مكافحة الإرهاب وشئون حقوق الإنسان في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" وسيقدم لنا عرضا لنماذج من تحولات أفراد وانضمامهم إلى داعش أو أنصار بيت المقدس أو حركات جهادية، وتحليل مسار التحولات وعلاقته بالسياق السياسي والاجتماعي.

كمال حبيب:

ــ أرى أن هناك ثلاثة جوانب لتحليل الظاهرة: النص واﻹنسان والواقع.

هناك تفسيرا وتحليلات للظاهرة الجهادية انطلاق من النص الديني وهناك تفسيرات ترتكز على الواقع باعتبار أن النص كان موجود قديما ولم ينتج ظواهر عنف خاصة بعد سقوط دولة الخلافة ونشوء دولة ما بعد اﻹستعمار وتبني مواقف من الممكن تفسيرها على أنها ضد الدين.

ودائما ما يتم إهمال اﻹنسان الذي يفهم النص ويتعامل به مع الواقع، ﻷن هناك جانب سيكولوجي لمن يقرأ النص ويذهب للمنحى العنيف المخاصم للحضارة والمخاصم حتى للنص الذي يتأوله.

 

ــ الأفكار الجهادية هي بالأساس أفكار مدرسة "السلفية الجهادية" والظاهرة السلفية مرت بثلاثة أجيال:

الجيل اﻷول:

وكانت مرحلة محلية، وهي عبارة عن تنظيمات محلية ترى أن النظم الحاكمة مفارقة للقرآن أو كما يقولون أن السلطان مفارق للقرآن. هذه التنظيمات المحلية لم يكن لديها بعد عولمي، كانت أفكار الجيل اﻷول خليط من أفكار سلفية بمعنى الثقة في الماضي وأن الارتكاز على الماضي يعطي نوع من الثقة في الاجتهاد المعاصر، مع أفكار سيد قطب القائمة على خصام المجتمع واعتزاله واعتبار حالة الجاهلية قد اطبقت على الناس أجمعين ولابد من ثورة جديدة تعيد الناس للإسلام وهذه مشكلة حركات اﻹحياء اﻹسلامي.

وأرى أن مقولة اﻹحياء اﻹسلامي تحوي عددا من المشاكل ﻷن معنى المقولة طرح سؤال اﻹسلام من جديد وهذا ما ينتج عنه عدة اسئلة: "ما هو اﻹسلام؟ من هم المسلمون؟ وهل الديار التي نعيش فيها ديار مسلمة؟ هل المساجد التي نصلي بها يجوز الصلاة فيها خلف أئمتها؟". واثيرت هذه اﻷسئلة مع شكري مصطفى في السبعينات وترجع جذور هذه اﻷسئلة في اﻷصل لمحمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر وتجدها واضحه في كتبه، وأنا أرى طرح هذه اﻷسئلة عملية خطيرة جدا.

الجيل الثاني:

بدأ لما تم فتح باب الذهاب ﻷفغانستان أثناء حربها ضد اﻹتحاد السوفيتي وهذه المرحلة عسكرت العقل اﻹسلامي، وفي مصر نشأت "الجماعة اﻹسلامية" وجماعة "الجهاد"، و"جبهة اﻹنقاذ" في الجزائر، وأرى أن الجماعات المسلحة التي توجد على الساحة اﻵن هي نتاج فترة افغانستان.

الجيل اﻷول كان من مواليد الخمسينات من القرن العشرين ويتزعمه أسامة بن لادن وبدأ يتشكل مع موجة الانضمام للقاعدة عام 1984 ثم تكاملت مع عام 1998 مع الفتوى التي قالت بوجوب قتال اليهود والنصاري، ثم مع حادث 11 سبتمبر بدأ يظهر الجيل الثاني في الحركات الجهادية المعولمة وكانوا مواليد الستينات وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوي، هذا الرجل كان سببا في إلهام ضخم لجماعة التوحيد والجهاد قي مصر التي تطورت وانتهت بجماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، هذا الجيل الثاني تم تأسيسه بشكل أساسي مع غزو الولايات المتحدة اﻷمريكية للعراق عام 2010 وصعد هذا الجيل مع مجيء حكومة المالكي في العراق وصعود الطائفية المذهبية.

الجيل الثالث:

بدأ يظهر مع نهايات 2011 وهو مواليد السبعينات ويتزعمه أبو بكر البغدادي، والتوحش الذي مارسته الولايات المتحدة في العراق جعل إدارة التوحش جزء من أدبيات الحركات الجهادية في العراق وأسس أبو قتادة الفلسطيني لفكرة أن اﻹنسان وحش من داخله وأن هذا الوحش يجب أن يخرج ليعبر عن نفسه من خلال السيطرة.

ــ داعش فعلت ما لم تفعله أي حركة جهادية من قبل وهي السيطرة على مساحة جغرافية ووضع يدها عليها وخلق مجال جيوبولوتيكي تطبق فيه أفكارها وأسسوا لفكرة "إدارة التوحش" وهي عبارة عن قبضة حديدية تخوف الناس وتقوم على فكرة اﻹكراه.

ــ لماذا يذهب الشباب لداعش؟

أرى أن دولة ما بعد اﻹستعمار في الدول العربية فشلت على مستوى اﻹنجاز وعلى مستوى الهوية، وبالتالي الشباب يبحثون عن دولة بديلة يتصورون أنها دولة الخلافة التي تطبق الشريعة وتعيد الحلم الضائع والشباب في ظل أزمة الدول العربية يبحث عن فضاء جديد يمارس فيه أشكال العسكرة، وفكرة تحليل النص فقط التي كنا نستخدمها لفهم الجماعات الجهادية القديمة غير مناسبة الآن، لذلك علينا فهم سيكولوجية الشباب الذي يذهب ليقاتل مع داعش أو غيرها حيث الجانب السحري المثير لعالم جديد يتشكل مختلف عن العالم الذي تعيش فيه.

محمد العربي

ــ محاولة اﻹجابة على سؤال ندوة اليوم "لماذا يذهبون للجهاد؟" تجعلني أسأل سؤالا آخر: هل إعلام داعش عامل مؤثر في الظاهرة الجهادية؟

ــ حينما بدأت دراسة بروباجندا داعش، وجدت اختزالا كبيرا في اﻹعلام العربي عند تناول هذه الظاهرة، ويرجع ذلك إلى سببين:

اﻷول: تناول الكتابات العربية ﻹعلام داعش تم طرحه في إطار الصراع بين السرديات، هناك من ذهب إلى أن داعش تجسيد لسردية اسلامية كبرى، وهناك من ذهب أن داعش إنتاج حداثي، وكانت أحد حججهم في ذلك هو إنتاجهم المتقدم في صناعتهم للفيديوهات، وقالوا أن هذا نمط هوليودي، ولا توجد خبرة إسلامية تفسر ذلك.

الثاني: هناك دائما اختزال ﻹنتاج داعش في فيديوهات القتل والترويع، بينما هناك إنتاج أغزر وأوسع من ذلك.

ــ في تتبعي للإعلام عند الحركات الجهادية وجدت أن هناك سمات مختلفة لثلاثة أجيال:

الجيل اﻷول كان إنتاجه بسيطا، كتيبات صغيرة وكتب، من الممكن أن نطلق عليها مانيفستو مثل كتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبدالسلام فرج. ثم بعد ذلك تطور اﻷمر مع الحرب في افغانستان فكانت الفيديوهات، مثل تلك التي سجلها القيادي الجهادي عبدالله عزام.

الجيل الثاني والذي تمثله القاعدة استعانوا بتقنيين في إنتاجهم، فكانت مجلة السحاب المعبرة عن القاعدة.

الجيل الثالث من الجهاديين المتمثل في داعش لديهم فريق كامل من التقنيين والمترجمين وفي الوقت ذاته استوعبت داعش ثلاثة روافد أساسية لتكون بالصورة التي عليها اﻵن:

الرافد الأول: أنه ورث شبكة إعلام القاعدة مع الثورة في سوريا.

الرافد الثاني: تصادف نشأة داعش مع التطور الكبير في استخدام الإنترنت و وسائل التواصل اﻹجتماعي.

الرافد الثالث: استيعاب التقنيين في إعلام داعش، وهؤلاء يكرسون وقتهم لتقنيات اﻹنتاج واﻹخراج ونجدهم يقومون بعمل سيناريوهات بصرية وتركيب للمضمون على الصورة، ومثال على ذلك الفيديو المعروف ب"شفاء الصدور" والذي تناول اعدام الطيار اﻷردني معاذ الكسابسة، في إنتاج هذا الفيديو سيناريو متكامل بدءا من شهادة معاذ على العملية التي تم فيها أسره ونهاية بحرقه. ومن شهادة معاذ لمشهد حرقه نقلة درامية كبيرة وهو يمشي وسط الركام الذي خلفته ضربات التحالف الذي شارك في استهداف أهداف لداعش، وكأنه بذلك يدين نفسه. وبذلك يتم تبرير فعل حرقة، وكأنه شيء طبيعي ﻷنه شارك في قتل اﻷطفال واﻹعتداء على آمنين، ويأتي في النهاية تبرير شرعي:استشهاد بمقولة- أعتقد لابن القيم الجوزية- تذهب لاستحلال الحرق إذا كان جزء من ردع المعتدين.

ــ أما عن المؤسسات اﻹعلامية لداعش يوجد مركز "الحياة"، وهذا المركز على درجة عالية من اﻷهمية ﻷنه يقدم إصداراته مرئية بلغات مختلفة، ومجلة "دابق" التي من خلالها نستطيع قراءة سردية داعش، والجدير بالملاحظة أن اﻹخراج الفني لهذه المجلة على قدر عالي من اﻹحترافية، وافتتاحية المجلة دائما بقلم أبو محمد العدناني، وهو بمثابة مسئول فكرى عن التنظيم، وفي هذه الكلمة تبريرات فقهية لممارسات داعش، كما فيها نقد سياسي للكيانات والدول التي يرى أنهم أعداء اﻹسلام.

كما أن مجلة دابق خصصت بابا للمرأة، تديره امرأة ويكتب فيه سيدات. كما يوجد مؤسسة "أجناد"، وهي متخصصة في اﻹصدارات الصوتية، وأغلب إصداراتها على موقع يوتيوب مثل نشيد "صليل الصوارم" وغيره. ويقوم بالترويج لهذه اﻹصدارات حسابات غير رسمية مناصرة لهم.

ــ خصائص إصدارات داعش توضح لنا التحول الكبير، بداية هي إصدارات أممية تنبذ العصبيات ونمط الدولة الحديثة في مقابل اﻷممية اﻹسلامية. كما أنها تكسر مركزية اللغة فاﻹصدارات باللغة التي يستهدفها التنظيم، على سبيل المثال فيديو بعنوان "رحلة الموصل" وصدر بعد سنة من دخول التنظيم للموصل، نجد أن المعلق فيه روسي ومترجم للغة العربية واﻻنجليزية، وللتدليل أيضا على كسرهم لمركزية اللغة فهناك إصدارات لسكان أوزبكستان بلغتهم اللغة اﻷوزبكية.

ــ تنظيم داعش يدرك تماما الطبيعة النفسية للجمهور الذي يوجه له رسائله، وهم غالبا أناس يشعرون بحالة من اﻹغتراب، وعدم اقتناع بنمطهم اﻹجتماعي، ومن ناحية أخرى لديهم رغبة في الدخول في تجربة الجهاد لمواجهة ما يعتقدون أنه بالعالم الزائف.

شريف محي الدين:

ــ مداخلتي اليوم هي جزء من مشروع بحثي قمت فيه بإجراء مقابلات مع 12 شخص اقتنعوا بالعنف المسلح، وكانت مقابلتي لهم بطريقة غير مباشرة، سواء كان عن طريق وسيط أو عن طريق اﻹنترنت، وكان الهدف اﻷساسي من المشروع استحضار منطق الفاعلين بدلا من الاكتفاء بمجرد الحديث عنهم.

 

ــ اﻻفتراض الذي كنت اعتقده حينما بدأت بحثي هو كيف أن اﻷفراد ينشأون على التزام ديني معين ثم تدريجيا يتحولون للسلفية الجهادية ثم التكفيرية في لحظة معينة، ولكن هذا اﻹفتراض السائد تم تحطيمه على يد داعش، حيث وجدنا أناس لم يكونوا متدينين وفجأة في لحظة معينه قرروا السفر لسوريا أو غير ذلك من المناطق التي ينشط فيها القتال.

ــ أحد اﻷشخاص والذي سوف اطلق عليه افتراضا "تامر" وهو من محافظة اﻹسكندرية، بدأ تدينه على نمط الدعاة الجدد، وكان يقوم بإعطاء دورات تدريبية في اسكندرية على أساليب التنمية البشرية على غرار الدعاة الجدد، وبعد 2013 وحينما تعثر المسار السياسي، ورأى أنه لا يوجد افق للتغيير، قرر الذهاب لسوريا واﻹنضمام لجبهة النصرة، وحالياً ينشر ويكتب على صفحاته الخاصة كتابات مناهضة لداعش، ومعترض على ما تقوم به.

ــ نموذج شاب كرداسة وكان من الشباب الناشط مجتمعياً، وتولى مسؤولية الحملة الانتخابية ﻷحد مرشحي الرئاسة غير الإسلاميين، لكنه بعد أغسطس 2013 وما شهدته كرداسة من مداهمات أمنية ووصمة إعلامية للمنطقة، عبّر لنا عن اقتناعه بالعنف المسلح، معتبراً أنه نوع من أنواع مقاومة الظلم. وشهدت ميوله السياسية المعادية للإخوان تغيراً راديكالياً، جعلته يؤيد (التحالف الوطني لدعم الشرعية) ككيان سياسي وحيد، كان يأمل حينها أن يأخذوا القرار الرسمي في اللجوء للعنف المسلح لمحاربة الداخلية.

ــ سوف أنقل لكم حديث بين شخص انضم لداعش وذهب لليبيا ثم بعد ذلك سوريا وبين شخص إخواني سأله فيه الداعشي:"هل تكفر عبدالفتاح السيسي؟" فقال اﻹخواني:"لا"، فرد " أنا أكفره فأرى الخروج عليه واجب أما أنت طالما لا تكفره فلا يحل لك الخروج عليه ﻷنه حاكم متغلب".

- في حوار آخر بين مؤيدين لداعش ومؤيدين للإخوان يقول أحد الدواعش:"هو أنا ليه انزل مظاهرة يمكن لأي ضابط أو جندي لا قيمة له أن يقتلني وأنا يمكنني أن أذهب لسوريا وأجاهد هناك". أعتقد أسئلة وحوارات مثل هذه مهمة في ظل الخلافات التنظيمية التي يمر بها اﻹخوان وعدم حسمهم لأي اتجاه يميلون.

ــ من اﻷشياء المهمة التي لابد من ذكرها ما يتم تداوله (لكن لم نتأكد منه بشكل كافي) من أن أحد ابرز قيادات تنظيم أنصار بيت المقدس وهو شادي المنيعي، كان تاجر مخدرات في اﻷصل، وعلى خلفية تفجيرات طابا دخل السجن ولاقى تعذيب شديد، جعلته يحسم أمره ويتجه للعنف.

ــ حينما سألت اكثر من شخص "ما الذي يفسر أن عدد الذين يذهبون لسوريا أكثر من الذين يذهبون إلى ليبيا؟" كانت اﻹجابة أن ليبيا لا خوف عليها ﻷن هذه حالة قبلية ولكن سوريا هناك تهديد للدين والمذهب السني بحسب اعتقادهم.

ــ لاحظت أيضا أن من أسباب تفضيل خيار العنف هو عنف السلطة وإغلاق المجال العام، في مقابل حالة الولع بالصورة التي ترسمها داعش في الفيديوهات التي تصدرها، لكن ذلك لا يصلح كتفسير وحيد، واﻷمر أكثر تعقيداً من مجرد اختزال تفسيره في أن غلق المجال العام أدى تلقائياً لازدهار العنف، ويرتبط أحياناً بميول لدى اﻷفراد ظهرت عندما تم إغلاق المجال العام لتري في العنف المسار الوحيد المتاح للتغيير.

 

المداخلات:

د/ نجلاء مكاوي:

ــ لاحظت من مداخلات الضيوف أن تناولهم لأسباب اﻹنضمام لداعش قائم على سردية "الاستبداد وفشل الدولة الحديثة"، وشريف محيي الدين حصر مداخلته في نماذج مصرية وفقط، لكنني أرى أن تنظيم داعش تنظيم أممي يستقطب عددا كبير جدا من الجهاديين على مستوى العالم ومنهم أوروبيين، لذلك اعتقد أن التنظيم لديه شبكة من المفاهيم، يوزعها من خلال إصداراته لجهة المخاطب الذي يخاطبونه، فنجد أن الخطاب الموجه للغرب قائم على منطق القوة، أنه أصبح لديه دولة واصداراته للغرب ليست عنيفة على اﻹطلاق ولكنهم يقولون للغرب أن العالم كله يحاربنا ﻷننا نجحنا في إقامة دولة.

فمثلا هناك سلسلة اصدارات تحت عنوان "من داخل الموصل" بطلها الرهينة البريطاني جون كامبلي المتواجد حاليا في الموصل، نجد في الفيديوهات أن الكاميرا تمشي مع كامبلي في اﻷسواق وأن اﻷسواق مزدحمة وأن اﻷمن رجع على يد داعش مقارنة بما قبل ذلك وأيضا تم التصوير من داخل جناح للأطفال في مستشفى بالموصل وأن اﻷطفال مرضى نفسيين وذلك بسبب القصف الذي تمارسه الدول التي تحارب داعش.

ــ موقف داعش من الثورات العربية، لم يكن لها موقف معلن من الثورات حتى نهايات 2011، وفي هذا الوقت أعلن تأييده للثورات العربية، وتحدث عن أن الثورات محقة ولكن مسار التغيير هم الذين عليه قيادته. النقطة المحورية في تحولات خطاب داعش كانت سقوط اﻹخوان المسلمين في مصر عندها أعلن نفسه كنموذج في المنطقة للدولة اﻹسلامية وسحب البساط من تحت القاعدة وصدّر نفسه كقائد لحركة الجهاد حول العالم.

 

تعقيب شريف محي الدين:

ــ هناك إشارة من الزميلة أننا نقف عند تفسيرات المصريين المنضمين لداعش ولا ننظر للغربيين المنضمين لداعش، السبب في ذلك أن هناك أبحاث كثيرة عن الأوربيين المنضمين لداعش، وهناك التقرير السنوي الذي يصدر عن وحدة مكافحة اﻹرهاب على المستوى اﻷوربي وأرى أنه كافي ﻷنه يحتوي على خلفيات المنضمين لداعش وهو متوفر لمن أراد اﻹطلاع عليه، لكن المشكلة لدينا تكمن في أننا محاصرين بين استقطاب حاد ينتج عنه تفسيرات ساذجة سواء من المؤيدين للنظام الذين يطلقون على المنضمين لداعش أنهم إخوان، أو المتعاطفين مع اﻹخوان الذين يرون ولاية سيناء من ألعاب المخابرات، لذلك كان بحثي والذي تتبعت فيه أناس سافروا لسيناء أو ليبيا أو سوريا.

 

كريم عنارة:

ــ هناك عوامل كثيرة يمكن أن نفكر أنها تدفع الشباب للإنضمام إلى داعش، قد يكون منها الإحباط من الثورات العربية، ولكن قصرها عليه فقط ليس صحيحا، والدليل أن تونس النموذج اﻷنجح في الثورات العربية هي الدولة اﻷكثر تصدريا للمنضمين لداعش على مستوى العالم، وأنا هنا اتذكر نقاش سابق في منتدى الدين والحريات مع الكاتب السوري ياسين الحاج صالح، وكان طرح فيه أن الخيال اﻹسلامي المعاصر فيه بعد استعماري وتوسعي، لذلك أرى أن نموذج داعش هو اﻷكثر جاذبية ﻷنها نجحت في إقامة دولة وهذه الدولة قائمة وتتوسع.

 

تعقيب كمال حبيب:

نحن أمام ظاهرة ليس لها أيديولوجيا واضحة، حتى المنظرين الجهاديين أقرب لجبهة النصرة على سبيل المثال أبو قتادة، وأبو مصعب السوري وأبو محمد المقدسي، لذلك نحن أمام تنظيم ينضم له الشباب بعد تحول فجائي، ناتج عن الفراغ الوجداني التي تجعلهم ينتقلون من حالة لحالة أخرى مغايرة تماما، ولذلك أخطر شيء أن التيار اﻹسلامي اصبح تيار المحبطين والقلقين واليائسين من وجود أمل في الحياة وحينما أنظر للتيار اﻹسلامي في السبعينات أرى بالعكس أننا كنا نعطي للجمهور أملا في الحياة.

أما موضوع الدولة عند اﻹسلاميين، فنجد أنهم بالفعل لديهم ولع بفكرة الدولة، خاصة بعدما قامت إيران الشيعية باقامة دولة لها، واﻹسلاميين لديهم تصور أن الدولة سوف تحل جميع المشاكل، وأنا حينما تحدثت عن فشل دولة ما بعد اﻻستعمار لا يعني أنني ضد الدولة لكن أنا مع الدولة الديمقراطية المدنية التي تحترم مواطنيها وتعبر عنهم جميعا وتقوم على خدمتهم

تعقيب من محمد العربي:

ــ أشار كمال حبيب إلى أن داعش بلا أيديولوجيا ولا تقدم إنتاج فكري جديد، ولكن أرى أنها لديها سردية فكرية معينة ولكن اختلافها أنها ليست أيديولوجيا جديدة ولكن أيديولوجيا تحققت فعليا على أرض الواقع.

يمكن أن نقول أن رؤية داعش مجتزئة للغاية للدين ولفكرة التاريخ والمجتمع، ولكنهم يستخدمون رؤية مبسطة تستعيد الصور اﻷولى التي كان عليها مجتمع المسلمين منذ أربعة عشر قرنا.