لزوم ما يلزم - حول فوائد وضوابط التطعيم الإلزامي ضد كوفيد-19

12 أكتوبر 2021

في هذا المقال يناقش د /علاء غنام مدير برنامج الحق في الصحة وأحمد عزب الباحث في برنامج الحق في الصحة اتجاه الدولة نحو إلزام بعض فئات المجتمع بالتطعيم ضد كوفيد-19 ، والضوابط والمعايير التي يجب مراعاتها حتى لا يساء استخدام إلزامية التطعيم كوسيلة لتقييد حقوق الأفراد .

أعلنت وزارة الصحة في يوم 23 أغسطس عن نيتها جعل اللقاح إلزاميا على بعض فئات المجتمع،  بحيث لا يُسمح بدخول الجامعات أو المدارس بدون التطعيم وتقديم ما يثبت تلقيه، وذلك استعدادًا لبداية العام الدراسي الجديد. وقدرت وزارة الصحة عدد العاملين بالتربية والتعليم والتعليم العالي بحوالي 5,5 مليون مواطن. كما أعلنت الوزارة عن نيتها تعميم التطعيم الإلزامي على كل العاملين في الجهاز الإداري للدولة، و صدر بالفعل كتاب دوري من الأمين العام لمجلس الوزراء طالب فيه جميع الوزراء بإصدار قرارات تنظيمية بعدم السماح بدخول العاملين للمقار الحكومية بحد أقصى شهرين من تاريخ صدور القرار (26 سبتمبر) إلا بعد الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كورونا أو تقديم تحليل PCR كل ثلاثة أيام.

هذه ولا شك خطوة جيدة لكن لابد من  مراعاة عدد من المعايير حتى لا يساء استخدام إلزامية التطعيم كوسيلة لتقييد حقوق الأفراد. و يجب أن تضع الدولة سياسة إلزامية اللقاح كجزء من استراتيجية جديدة شاملة وعادلة وشفافة في التعامل مع الجائحة بشكل عام، وأن تقوم الدولة بدورها في الترويج والتوعية الصحية بأهمية اللقاحات في حماية أرواح المواطنين. فمنذ بداية حملة التطعيم ضد كورونا في 24/ يناير من العام الحالي لم تقم الدولة بدورها في التوعية بأهمية اللقاحات بشكل كاف، و تركت فراغا معلوماتيا تسبب في نشر المعلومات المضللة و الغير صحيحة عن اللقاحات وبالتالي يجب أن لا تكون الإلزامية بمعزل عن سياق التعامل الحكومي مع الجائحة، حتى تكون أداة فعالة لحماية الصحة العامة للمجتمع. فاللقاحات أحد الأدوات الحاسمة في السيطرة على الجائحة، وإلزام بعض فئات المجتمع بها ضروري لحماية النظام الصحي والصحة العامة للمجتمع. وتاريخيًا كانت قدرة النظام الصحي على السيطرة الفعالة على العديد من الأمراض المعدية تتحقق من خلال إلزامية التطعيم. 

يسمح القانون المصري بالفعل بمبدأ إلزام الدولة للمواطنين بالتطعيمات، (قانون رقم 137 لسنة 1958 في شأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية بالإقليم المصري)، والمعدل بالقانون 142 لسنة 2020 بالتطعيم الإلزامي "للسلطات الصحية أن تأمر بتطعيم أو تحصين سكان أي جهة من جهات الجمهورية ضد أي مرض من الأمراض المعدية".

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية لم تتخذ موقفًا واضحًا مع أو ضد مبدأ التطعيم الاجباري في ملخص سياسات نشرته عن "كوفيد-19 و التطعيم الإلزامي: الاعتبارات والمحاذير الأخلاقية" وتركت المنظمة الدولية الملف لكل دولة حسب ظروف توافر الكميات والإمدادات من اللقاحات. ولكن في سياق تطعيم العاملين بالقطاع الصحي قالت "قد يبدو التطعيم الإلزامي لـ كوفيد-19 مقبولًا بشكل خاص للعاملين الصحيين بالنظر إلى أن تطعيم هذه الفئة من السكان قد يُنظر إليه كضرورة لحماية قدرة النظام الصحي، ولأن العاملين الصحيين يتم تحديدهم عمومًا على أنهم مجموعة ذات أولوية للتطعيم".

غير أن اﻹلزام  بالحصول على اللقاح  كشرط من شروط العمل أو الوصول إلى سلع وخدمات عامة وأساسية معينة (مثل التعليم) سيؤدي إلى تقييد حقوق الأفراد. لذلك فإن هناك عوامل يجب وضعها في الاعتبار قبل تنفيذ هذه السياسة حتى لا يُساء استخدامها:

  • مراعاة نوع العمل. على سبيل المثال ، هناك مبررات مقبولة  لجعل التطعيم إلزاميا على العاملين بالقطاع الصحي نظرا للمخاطر العالية التي يتعرضون لها والاحتمالية المرتفعة للعدوى، لا تتعرض كل القطاعات لنفس القدر من المخاطر.

  • احترام الحق في العمل ، و أن لا تتسبب سياسة إلزامية اللقاح في فصل الموظفين.

  • لا يجب حرمان المواطنات و المواطنين من الوصول لخدمة عامة أساسية بشكل كامل في حالة عدم حصولهم على اللقاح. فيمكن على سبيل المثال اشتراط الحصول على اللقاح لدخول الجامعات والمعاهد التعليمية، ولكن لا يجوز حرمان الطالب/ الطالبة من الحق في التعليم في حال رفضه تلقي التطعيم، وبالتالي يمكن أن يتاح له الحضور للامتحانات فقط.

  • توافر اللقاحات بكميات كافية وأن يكون في متناول الفئات المعنية بالحصول عليه، فليس من العدل استبعاد أشخاص من العمل أو من الوصول إلى الخدمات العامة الأساسية إذا لم يتمكنوا من الحصول على اللقاح نتيجة عدم وجود كميات كافية.

  • عندما تقوم الحكومة بجعل اللقاح إلزاميا، فمن الضروري أن يطبق  المسؤولون ذلك بشكل محايد ومتساوٍ، وأن يظلوا يقظين ضد إساءة استخدام تطبيق سياسة التطعيم الإلزامي كوسيلة لحرمان الأفراد من حقوقهم، وكذلك عدم اللجوء إلى القوة أو العقوبات لتنفيذ تلك السياسة. 

  • وضع استثناءات لمن تكون لديهم أسباب فعلية لعدم التطعيم، مثل المشكلات الصحية.

  • الاعتماد على تدابير بديلة أقل تقييدًا بالنسبة للفئات غير ذات الأولوية الصحية في الحصول على التطعيم في اللحظة الحالية. 

بالتوازي مع التوسع في تقديم اللقاح وإلزام بعض الفئات بالحصول عليه، هناك ضرورة للعمل على نشر المعلومات الصحيحة عن أهمية التطعيم والقيام بحملات توعية تعرض المعلومات العلمية والدقيقة بشكل واضح وبسيط للجمهور. فهناك غياب للشفافية وإخفاء للمعلومات أو عدم توفير للدقيق منها، وكلها أمور تعبر عن الاستهانة بمعلومات تتعلق مباشرة بحياة المواطنين ويجب أن تتوقف خاصة  في ملف بخطورة كوفيد-19. في الفترة الأخيرة انتشرت بشكل ملحوظ حالة من عدم اليقين والخوف خصوصًا مع دخول موجة رابعة من الوباء، يحتاج معها المواطنون والمواطنات إلى درجة مرتفعة من الشفافية والدقة والوضوح حتى تكون التصريحات الحكومية ذات مصداقية، وحتى تتوافر ثقة في إجراءات الدولة وما تطالب المواطنين به.قد تأخرت الدولة نحو شهر في الإعلان عن دخول المتحور دلتا سريع الانتشار (متحور من كوفيد 19 انتشر في العديد من بلاد العالم في الشهور الأخيرة) إلى مصر. وأعلنت الوزيرة عن اكتشاف أول حالة مصابة بمتحور دلتا في مصر في منتصف يوليو الماضى. وجاء هذا الإعلان ردا على سؤال من أحد الصحفيين. وكانت الوزيرة والعديد من المسؤولين الصحيين قد نفوا وجود متحورات في مصر قبلها بمدة قصيرة. 

كما صدرت تصريحات متعددة من جانب وزيرة الصحة أو المسؤولين عن إدارة أزمة كوفيد لم يتم الالتزام بها. فلم تصل ال100 مليون جرعة التي كانت وزيرة الصحة أعلنت في فبراير الماضي عن تعاقد مصر عليها، بينما لم يتبق إلا الربع الأخير من عام 2021. ثم تم الإعلان في أواخر يوليو عن أن ما سيتم توريده من لقاحات كورونا حتى نهاية العام الجاري سيصل إلى 148.2 مليون جرعة دون تحديد جدول زمني لذلك، ومدى إمكانية توفير هذه الكمية الضخمة في خمسة أشهر فقط، و ما ترتب على كل ذلك من أن هذه التصريحات لم تعد تؤخذ بجدية. فعالية تطبيق الإجراءات الأخيرة المتعلقة بالتوسع في التطعيم بلقاح كوفيد-19 والتي أعلنتها وزارة الصحة، ولكسب ثقة المواطنين في مواجهة الموجة الرابعة، لا بد من العمل على التالي:

  • سرعة تطعيم كافة الطواقم الطبية (أطباء وصيادلة وتمريض وإداريين وغيرهم من العاملين بالقطاع الصحي) ووضع إطار زمني للانتهاء من تطعيمهم، كما سيحدث في قطاع التعليم. فمن الواضح أن هناك إرادة لتطعيم العاملين بقطاع التعليم، حيث أعلنت وزيرة الصحة أنه لن يُسمح بدخول المنشآت التعليمية إلا بالحصول على اللقاح. كما يجب على  وزارة الصحة أن تعلن بوضوح عن البيانات الخاصة بمعدلات التطعيم بين الطواقم الطبية، فلا توجد معلومات عن ذلك. و يتعين كذلك تذليل كافة المعوقات التي تمنع وصول اللقاح إلى تلك الأطقم. 

  • الانتهاء من تطعيم كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وتوفير بيانات عن معدلات التطعيم بينهم، واستهدافهم بقوافل وحملات وفرق صحية متنقلة، كما فعلت الدولة مع قطاع السياحة وبعض الجهات الأخرى. 

  • الالتفات لباقي القطاعات الأساسية والحيوية، وتوفير التطعيم للعاملين بها كالعاملين بالمخابز وقطاعات المياه والكهرباء والنقل العام. 

  • الإعلان يوميا عن عدد الحاصلين على جرعة واحدة وعلى الجرعتين، والإعلان عن  توزيع التطعيم وفقا للنوع الاجتماعي والمحافظات والشرائح العمرية. 

  • العمل على تنظيم عملية الحصول على اللقاح خاصة للمسافرين حيث شهدت هذه العمليات صعوبة شديدة وتكدسًا غير مسبوق بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المعلومات الدقيقة سواء كان ذلك من الخط الساخن (الذي يصعب الوصول إليه) أو غيره من الطرق.

  • مراعاة الدقة والشفافية في التواصل مع المواطنين، وسرعة إعلان البيانات التي تؤثر على المواطنين، وإشراك المجتمع المدني ومختلف المعنيين بشكل حقيقي يمكِن الحكومة من تفادي واجتياز الأزمات الصحية، ويجعل تحقيق الخطط المعلنة أمرًا واقعيًا و ممكنا.