هيئة الشراء الموحد ولقاح سبوتنيك الروسي
في 24 فبراير 2021 أعلنت إحدى الشركات الخاصة (شركة برايم سبيد للخدمات الطبية) عن اتفاقها مع الحكومة الروسية على توريد 10 ملايين جرعة من لقاح سبوتنيك المضاد لفيروس كورونا إلى مصر، موضحة أن تلك الدفعة ستكون تحت تصرف الجهات الحكومية. وقالت برايم سبيد إن الاتفاق تم بعد مفاوضات بين هيئة الدواء المصرية والجانب الروسى، ممثلًا فى الصندوق السيادي الروسي للاستثمار المباشر. ثم أوضحت الشركة المصرية لاحقا، في 8 مارس 2021، بعد أن أثار الخبر تساؤلات و تحفظات، أن توفير اللقاح سيكون تحت تصرف الجهات الحكومية المصرح لها بذلك فقط، والمقصود بها هيئة الشراء الموحد والإمداد الطبي، ولن يكون إلى المواطنين مباشرة.
وفي ظل عدم الإفصاح عن التعاقدات التي تمت لتوفير اللقاح عموما، و عدم الإعلان عن مواعيد توريد الكميات المتفق عليها، و غياب الشفافية بشكل عام فإن هذا الاتفاق بين الشركة الخاصة والحكومة الروسية يثير القلق والتساؤلات، لما يبدو من تعارضه مع القانون الجديد الذي ينظم عمل قطاع الدواء في مصر، ولما تحظى به الشركة من معاملة تبدو استثنائية منذ بداية جائحة كورونا، في ضوء المعلومات المفصح عنها حتى الآن.
وكان مجلس النواب قد وافق في في يوليو 2019 على قانون جديد ينظم قطاع الدواء، وأنشأ هذا القانون هيئتين وحدد مهامهما وهما "هيئة الشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية" و"هيئة الدواء المصرية". وصدق رئيس الجمهورية على القانون رقم 151 لسنة 2019، ونشر القانون في الجريدة الرسمية يوم 25 أغسطس 2019 . و نشرت اللائحة التنفيذية للقانون في الجريدة الرسمية يوم 29 مارس 2020 .
القانون الجديد قام بإعادة هيكلة قطاع الدواء في مصر من الناحية التنظيمية و الإدارية، وفصل قطاع الدواء عن وزارة الصحة و السكان، و جعل تبعية هيئة الدواء المصرية وهيئة الشراء الموحد لرئيس مجلس الوزراء. فقبل قانون 151 لسنة 2019 كان قطاع الدواء تابعا لوزارة الصحة و السكان ، و لكن بعده حلت هيئة الدواء المصرية محل ثلاث هيئات، و التي كانت تتبع وزارة الصحة و السكان سابقا : الإدارة المركزية للشئون الصيدلية ، والهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية ، و الهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية. بالإضافة إلى أن هيئة الدواء المصرية حلت محل وزارة الصحة والسكان وذلك فى الاختصاصات المنصوص عليها فى القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة .
وأنشأ القانون هيئة جديدة للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي ، بحيث تقوم الهيئة بإجراء جميع عمليات الشراء و تدبير احتياجات الدولة و الجهات الحكومية ، و وزارة الصحة و السكان و هيئاتها و مستشفياتها، و الجامعات الحكومية و مستشفياتها، و اي مستشفيات تابعة للوزارات و المؤسسات التعليمية و المعاهد البحثية الحكومية .
جعل القانون الجديد مهمة الشراء للجهات الحكومية حصرا على هيئة الشراء الموحد في المواد التالية من القانون:
- مادة (3 ) من الفصل الثاني من القانون : - تتولى الهيئة المصرية للشراء الموحد ، دون غيرها ، إجراء عمليات الشراء للمستحضرات و المستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات و الهيئات الحكومية - التعاقد مع جميع الشركات و الجهات و المؤسسات الطبية الخاصة داخل و خارج مصر لشراء المستحضرات والمستلزمات الطبية لصالح الجهات الطالبة – إدارة منظومة التخزين والنقل والتوزيع للمستحضرات و المستلزمات الطبية .
- مادة (10) من الفصل الثاني من القانون : - لا يجوز لأي من الجهات الإدارية شراء المستحضرات أو المستلزمات الطبية من غير طريق الهيئة إلا في أحوال الضرورة وبعد أخذ رأي مجلس إدارة الهيئة وموافقة مجلس الوزراء.
والهدف من إنشاء هيئة للشراء الموحد وقصر المشتريات الخاصة بالجهات الحكومية عليها هو الاستفادة من المزايا التي تنتج عن عملية الشراء الموحد :
- خفض تكلفة شراء الأدوية و المستلزمات الطبية من خلال شراء كميات أكبر بأسعار أقل، و بالتالي تحقيق الوفر المادي.
- خفض تكلفة التشغيل بحيث تتولى جهة واحدة عمليات الشراء وليس كل هيئة أو مستشفى أو بصور منفردة، و بالتالي تقليل الأعباء الإدارية و التنظيمية .
- من ناحية الحوكمة و مكافحة الفساد ، فإن إنشاء هيئة موحدة للشراء ، يساهم في تقليل منافذ الفساد، و تسهيل مهمة السلطات الرقابية في المراجعة و الرقابة و المساءلة.
وفي ضوء هذا القانون فإن تتبع ما هو معلن بشكل رسمي منذ بداية العام الجاري، بخصوص هيئة الشراء الموحد ولقاحات كوفيد-19، يشير لقدر من التضارب وعدم الوضوح:
- 17 يناير 2021 : نشرت هيئة الشراء الموحد بيانا صحفيا، توضح فيه أنها بدأت مفاوضاتها بالتعاون مع الجهات المعنية مع منظمة "جافى" العالمية، وجراء هذه المفاوضات فقد تم الإتفاق على تأمين جرعات من اللقاح تكفى لتغطية احتياج 20% من التعداد السكانى.
- 23 يناير 2021 : نشرت الهيئة المصرية للشراء الموحد بيانا بقيام الهيئة بالتعاقد مع شركة "R-pharma" وشركة "Serum Institute" المصنعين للقاح فيروس كورونا "Oxford-AstraZeneca"وذلك للحصول علي ٢٠ مليون جرعة.
- 31 يناير 2021 : أعلنت الهيئة المصرية للشراء الموحد عن وصول 50 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا-أوكسفورد .
و من الجدير بالذكر أن نشأة شركة برايم سبيد ، التي تم الإعلان أنها ستورد اللقاح الروسي للحكومة، ارتبط بالجائحة ، فقد أعلنت شركة «سبيد ميديكال» في 16 فبراير 2020، بعد أول إصابة بفيروس «كورونا» في مصر، أنها ستكون أول معامل القطاع الخاص التي يتوفر لديها تحليل PCR الخاص بفيروس كورونا. ثم في 30 مارس 2020، وقعت الشركة نفسها مع مجموعة من رجال الأعمال ، من ضمنهم تامر وجيه عضو المكتب التنفيذي السابق لحملة ترشح الرئيس السيسي للانتخابات الرئاسية عام 2014 ، اتفاقية مساهمين لإنشاء شركة جديدة باسم «برايم سبيد» ، تساهم فيها «سبيد ميديكال» بـ 30% من رأس المال.
ومن ضمن المزايا التي حصلت عليها برايم سبيد كان ترسية بيع خدمة اختبارات الكشف عن فيروس كوفيد -19 للمارين بالسيارات، المعروفة بـ«درايف ثرو»، عليها، دون توضيح إذا كانت حصلت على حقوق هذه الخدمة بعد مناقصة تقدم لها عدد من الشركات أم أنها حصلت عليها بالأمر المباشر. ومن اللافت أن عملية التحليل نفسها، التي تبيع الشركة خدماتها للمواطنين، تتم فعليا في المعمل المرجعي التابع للمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية وليس في معامل تابعة للشركة.
لذلك ، فمع إعلان الشركة عن توريد لقاحات سبوتنيك الروسي ( للجهات الحكومية ) هناك بعض التساؤلات التي تثير القلق حول دور هذه الشركة في عملية توريد اللقاح الروسي " سبوتنيك ":
-
لماذا لا تقوم هيئة الشراء الموحد بالتعاقد مباشرة على اللقاح الروسي ، و ما هي الأسباب التي تجعل هيئة الشراء الموحد تلجأ لشركة خاصة لتوريد اللقاح لها، خاصة وأن الشركة لم تتفاوض على حقوق التصنيع مثلا .
-
هل حصلت شركة برايم سبيد على حق توريد اللقاح بعد مناقصة علنية أم أن الإسناد تم بالأمر المباشر.
-
لماذا ذكرت الشركة في بيانها الأول أن (الاتفاق تم بعد مفاوضات بين هيئة الدواء المصرية والجانب الروسي ممثلًا فى الصندوق السيادي الروسي للاستثمار المباشر)، فهيئة الدواء المصرية معنية بتنظيم وتسجيل وتداول والرقابة على المستحضرات والمواد الخام و ليس من وظيفتها التفاوض لصالح شركات قطاع خاص .
و رغم نفي الحكومة في بيان "السماح لعدد من الشركات الخاصة بتوفير لقاح كورونا للمواطنين"، وتأكيدها على أن "وزارة الصحة هي الجهة المنوط بها توفير اللقاح وتطعيم المواطنين" ، فليس من الواضح ما هو دور برايم سبيد في عملية التوريد.
على هيئة الشراء الموحد ، وفقا لدورها الذي نظمه القانون ، و إعمالا لحق المواطنين في الوصول للمعلومات ، أن تلتزم بالشفافية وأن تفصح عن جميع المعلومات الخاصة بطبيعة دور شركة برايم سبيد في عملية توريد اللقاح الروسي.