بيان الشبكة العربية لاستقلال القضاء حول قضية التآمر في تونس: نرفض تسخير القضاء لتجريم الحقوق السيّاسية

بيان صحفي

9 ديسمبر 2025

بعد محاكمة لم تحترم فيها ضمانات المحاكمة العادلة ولم يسمح للمتهمين بحضورها ولا تم في إطارها تلقي دفاعهم، أصدرت الدائرة الجنائية الاستئنافية المختصة في القضايا الإرهابية في محكمة تونس أحكامها في القضية المصطلح على تسميتها في الوسطين الإعلامي والحقوقي التونسيين بقضية التآمر 1. وقضت بتوقيع عقوبات سجنية قاسية بحقّ 34 من المحالين أمامها وهم في أغلبهم من المعارضين والناشطين السياسيين والحقوقيين والفاعلين الاقتصاديين. وقد بلغ مجموع العقوبات 824 عاما كاملة زيادة على الخطايا ومصادرة المكاسب. 

وإنفاذًا لهذا القرار، تمّ القبض على 3 من أعلام الحركة الديمقراطية في تونس، وهم أحمد نجيب الشابي وشيماء عيسى والمحامي العياشي الهمامي (وهو رئيس الهيئة الوطنيّة للدفاع عن الحريات والديمقراطية وهي عضو مؤسس في الشبكة)، وزجّ بهم في السجن لينضمّوا إلى سائر المحكوم عليهم في القضية نفسها. وقد انبنت المحاكمة على أدلّة واهية قوامها حصول تواصل بين المذكورين بهدف التصدّي بالطرق السلمية لاستيلاء الرئيس قيس سعيد على السلطة السياسية بعد تقويضه مجمل السلطات الأخرى.  

وقد شكّلت هذه القضيّة بالنسبة لأعضاء الشبكة كما لأيّ مراقب موضوعيّ مؤشّرا خطيرًا على ثلاثة انزلاقات يهمّ الشبكة التشديد عليها: 

أولًا، إنها ظهّرت للأسف بصورة جليّة انخراط جانب من القضاة التونسيين في مختلف مراحل الملاحقة والمحاكمة، في تنفيذ مخطّطات السلطة السياسية، على نحو جعل  من هؤلاء مجرّد امتدادٍ لها وأفقدهم دورهم المنتظر في حماية الحقوق والحرّيات. وقد تجلّى ذلك في استسهال إصدار الاتهامات وقرارات الإدانة بجرائم الإرهاب بحقّ عشرات من الناشطين السلميين في مجالات مختلفة وعلى أساس معطيات واهية. كما تجلّى في التمسّك في إجراء المحاكمة عن بُعد وبغياب أيّ مبرر قانوني وواقعي ورغم تمسّك المتهمين بمثولِهم أمام المحكمة وكون التهم موضوع المحاكمة تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام. كما تجلّى أخيرًا بقسوة العقوبات وعدم تناسبها المُطلق مع الأفعال المعزوة من دون أيّ دليل إليهم. وقد أتى الأداء القضائي في هذه القضية بمثابة تتمة لسلسلة من التدابير الانقلابيّة على القضاء التونسي واستقلاله. وكانت هذه التدابير قد بدأت بتفكيك المجلس الأعلى للقضاء ونقض القانون النّاظم له واستكملت بنقض الدستور وإعفاء 57 قاضيا بقرار سياسي وإقامة دعاوى جنائية ضدّهم، وصولًا إلى استفراد وزارة العدل في إصدار المذكرات المتصلة بنقل القضاة وبكلّ ما يتّصل بمساراتِهم المهنية. وإذ شكلت القضية مؤشّرا على سقوط الفواصل بين السلطات، فإنها رشحت عن سعي واضح إلى استبدال نموذج القاضي المحايد والمستقلّ وحامي الحقوق والحريات بنموذج قاضي النظام الذي يشكّل مجرد ذراع وامتداد له،    

ثانيًا، أدّت هذه القضية عمليًّا إلى قلب منظومة الحقوق والقيم رأسًا على عقب من خلال تحويل العمل السلميّ المُعارض من حقّ سياسيّ تحميه المواثيق الدوليّة كما القوانين التونسيّة إلى محض تآمر على السّلطة وإذًا اعتداء عليها وجرم يعاقب عليه. ومن هذه الزاوية، رمت القضية إلى نسف نموذج المواطنة القائم على المساواة والشراكة الوطنية بغية استبداله بنموذج التابع الذي ينحصر عمله في الشأن العام في أداء طقوس الطاعة والإذعان والتسليم بأبدية السلطة الحاكمة،  

ثالثًا، أدّت هذه القضيّة بنتيجة استتباع جانب من القضاة وتجريد المواطنين من حقوقهم السياسيّة، إلى تظهير نوايا السلطة الحاكمة في تونس في احتكار العمل السياسي وتاليا في تقويض ما تبقى من أسس الديمقراطية التونسية في اتجاه إحكام الديكتاتورية وسلطة الفرد في أوضح صورها. 

 

وعليه فإن الشبكة العربية لاستقلال القضاء،

وبعد الاطلاع على بيانات جمعية القضاة التونسيين ومنظمة العفو الدولية والمقررين الخاصين لدى الأمم المتحدة وجمعية القضاة التونسيين، 

  1. تبدي تضامنها الكامل كليّا مع المتهمين المحكوم عليهم وعائلاتهم وتطالب  بالإفراج عنهم بعد إسقاط جميع التهم عنهم بصورة فورية، باعتبارهم  ضحايا محاكمات غير عادلة وتوقيف تعسفي، على خلفية ممارستهم حقوقا مشروعة كان يتعيّن على الدولة بكامل أجهزتها حمايتها وضمان احترامها، لا تجريمها ومعاقبتها،   

  2. بانتظار إعداد تقرير كامل عن هذه القضية بكامل تفاصيلها ومراحلها بالتنسيق مع أعضائها، تعلن الشبكة عن استعدادها الكلّي لتزويد أيّ منظمة حقوقية أو هيئة مهنية في دول المنطقة العربية والعالم بالمعلومات المتاحة إثباتًا للتعسف والانتهاكات الحاصلة في هذه القضية وأملا بأوسع تضامن حقوقي ضدّ هذه المظلمة وما باتت ترمز إليه، 

  3.  تدين بأشد العبارات ارتضاء جانب من القضاة في تونس الاصطفاف في جانب السلطة الحاكمة، وتشد على أيادي سائر القضاة وتدعوهم إلى التمسك بدورهم في حماية الحقوق والحريات والالتفاف حول هياكلهم المستقلة من أجل استرجاع ضمانات استقلاليتهم من دون انتقاص ومعها استرجاع ثقة الشعب؛ 

  4.  تستهجن بأشدّ العبارات تسخير السلطة السياسية جانبًا من الهيئات القضائية للتخلص من القوى المعارضة لها أو المعترضة عليها. كما  تستهجن تحكّم وزارة العدل بمسارات القضاة المهنية من خلال مذكرات إداريّة، في موازاة الاستمرار في تعطيل قيام أي هيئة قضائية مستقلة.