بعد قرار إحالة القانون للبرلمان: مخاوف من صدور تشريع يمنع حرية تداول المعلومات
بيان صحفي
ناقشت لجنة حقوق حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني يوم الأحد ١١ يونيو موضوع حرية تداول المعلومات، وبعد أيام قليلة أوصى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بإحالة مشروع قانون حرية تداول المعلومات الذي أعده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى مجلس النواب. وتعرب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن تخوفها من أن يجري إصدار القانون وفق الرؤية الأمنية التي تميل للمنع والحجب وفرض عقوبات على حرية الرأي والتعبير.
حرية تداول المعلومات استحقاق دستوري بنصّ المادة ٦٨ من دستور٢٠١٤ الذى يشير إلى أن البيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، وأن الإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وأن القانون ينظّم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها وقواعد إيداعها والتظلّم من رفض إعطائها ويحدّد عقوبات حجب المعلومات أو تقديم معلومات مغلوطة عمدًا. كما أنها جزء من التزامات مصر الدولية بموجب الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والميثاقين الأفريقى والعربى لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الصحفيون والباحثون يواجهون صعوبات كبرى في الحصول على المعلومات. وبالتبعية، يكون الحصول على أي معلومة رسمية أو شبه رسمية أكثر صعوبة على المواطن العادي، مما يستحيل معه تفعيل مبدأ الرقابة الشعبية على السلطات العامة.
خلال مناقشات اللجنة أثيرت مخاوف بشأن المسار الذي يمكن أن يتجه نحوه القانون المرتقب. فالقول بمنح المجلس الأعلى للإعلام حق "الضبطية القضائية"، وجعله مسئولا عن الإشراف على تنفيذ القانون يثير الكثير من القلق، خاصة بعد التجربة العملية السابقة والتي أظهرت ميل المجلس للتوسع في العقوبات بما ذلك حجب المواقع وعرقلة إصدار تراخيص الصحف والميل لتغليب الهواجس الأمنية على تكريس حرية الرأي والتعبير.
النقطة الثانية التي أثارت مخاوف المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي الحديث المطول والمتكرر عن "ضوابط" حرية تداول المعلومات وألا تتعارض مع "القيم والأخلاق" ولا الدين وهو ما يفتح بابا كبيرا لمنع تداول المعلومات واستمرار الحبس باتهامات مطاطة وغير دستورية مثل "إساءة استخدام حسابات وسائل التواصل الاجتماعي" أو "ازدراء الأديان" أو مخالفة "قيم الأسرة". هناك أيضا التوسع المخيف في مفهوم "الأمن القومي" والذي ظهر في العديد من المداخلات دون تعريف واضح ومحدد له.
يتزايد الخوف من شكل القانون المرتقب وصياغته انطلاقا من الخبرات السابقة مع قوانين الصحافة والإعلام، وقانون مكافحة جرائم الانترنت، وقانون الجمعيات الأهلية، وغيرها من القوانين التي خرجت في صيغة تدل على سيادة الهواجس الأمنية والرغبة في التضييق بدلا من الإتاحة ووضع أطر تدعم الحريات وترسخها. وليس أدل على ذلك من المادة المعيبة والفضفاضة في قانون مكافحة جرائم الإنترنت والتي تعاقب على مخالفة "قيم الأسرة المصرية"، وهي المادة التي يتم استخدامها لحبس عشرات النساء والفتيات لمجرد ظهورهن على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مختلف عن التصور النمطي السائد لطريقة وشكل المرأة المهذبة.
بخلاف الخبرات السيئة مع تشريعات سابقة, كان من الفترض نظريا أن تحمي الحقوق والحريات وانتهى بها الأمر لتكريس تقييد الحقوق وتقنين القمع، هناك أيضا المناخ العام. فالقانون لا يعمل في الفراغ، لكنه يعمل فى بيئة قانونية وسياسية وثقافية، وبالتالي كلما كانت تلك البيئة تقدم ضمانات لممارسة الحريات والحقوق، كلما جاء القانون معبرا عن الواقع. المخيف هو أن البيئة الحالية التي يصدر فيها القانون غير مشجعة على الإطلاق، فقائمة المواقع المحجوبة تتزايد، وحبس المواطنين في قضايا نشر وتعبير عن آرائهم مستمر، وأعداد كبيرة تعاني فترات مطولة من الحبس الاحتياطي الذي تحول إلى عقوبة في حد ذاته، بدلا من كونه مجرد إجراء استثنائي ومؤقت، بخلاف التضييق على عمل الأحزاب وعمل مؤسسات المجتمع المدني.
ومن هنا توصي المبادرة المصرية أولا بتهيئة مجال عام مناسب للقانون عبر مجموعة من الخطوات الأساسية من بينها:
- تعديل النصوص المقيدة للحق في حرية الرأي والتعبير في القوانين القائمة بالفعل مثل القانون١٨٠ لسنة ٢٠١٨ الخاص بتنظيم الصحافة
- رفع الحجب على المواقع الإلكترونية والذي يتم عادة بدون سند قانوني، بل وبدون معرفة هوية الجهة القائمة بالحجب
- الإفراج عن المحبوسين احتياطيا في قضايا رأي دون سند قانوني
- فتح المجال السياسي للأحزاب والنقابات وعموم المواطنين للعمل على الأرض بحرية حقيقية
- رفع القيود عن عمل مؤسسات المجتمع المدني
وتدعو المبادرة المصرية إلى قانون من شأنه أن يكون أداة داعمة لحرية الرأي والتعبير، وأداة للشفافية والمساءلة، انطلاقا من كونه وسيلة أساسية لدعم باقي الحقوق والحريات المكفولة دستوريا. قانون يكون أداة أساسية لتعزيز الحقوق في المجتمع فضلا عن أهميته في تعزيز مناخ الاستثمار فلا استثمار دون معلومات متاحة للجميع وبلا قيود . وبالتالي فالحق في المعرفة لا يقف عند كونه حق ولكنه أداة لتفعيل ممارسة حقوق أخرى، كالتعليم والصحة والتقاضي الحر ويجب على الدولة أن تتيح لمواطنيها حق الوصول للمعلومات التي من شأنها أن تؤثر على حياتهم.
مثل هذا القانون ينبغي أن تتوافر فيه النقاط التالية:
1- باستثناء المعلومات التي يتم تصنيفها كمعلومات وبيانات سرية, يجب أن يتيح القانون المعلومات لمن يطلبها بناء على طلبه وليس وفقا لتقدير الموظف فالمعلومات ملك للشعب وليس المؤسسات المختلفة.
2- ينظم ضوابط الحصول على المعلومات وسريتها وإتاحتها ويحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا ويقضي على احتكار الحكومة ومؤسسات الدولة للمعلومات
3- أن تكون ألفاظ القانون واضحة ومحددة بلا ألفاظ غامضة أو مطاطة
4- التأكيد على أن القانون هو وسيلة المواطنين للمشاركة في مكافحة الفساد والحفاظ المال العام
5- ألا يشمل أية عقوبات على تداول المعلومات وتبادلها مع الآخرين بأية وسيلة متاحة طالما لم تكن معلومات وبيانات سرية وفق تصنيف واضح، وتكون العقوبات على منع أو حجب المعلومات ورفض إتاحتها دون مبرر قانوني سليم.
6- أن يفرض على المؤسسات الاقتصادية والشركات الشفافية فيما يتعلق بأوضاعها المالية والإفصاح عن البيانات المختلفة التي يمكن من خلالها للمواطنين مراقبة أداء تلك المؤسسات والشركات