تجاهل الموتى مستمر: القضاء الإداري يرفض إلزام محافظة الإسكندرية بتخصيص مقابر لغير أتباع الأديان الثلاثة والمبادرة تدين الحكم وتطعن عليه أمام الإدارية العليا

بيان صحفي

28 ديسمبر 2021

قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية أمس 27 ديسمبر 2021 برفض إلزام محافظة الإسكندرية بتخصيص أراض تستخدم كمقابر غير أتباع الأديان الثلاثة وينتفع بها المواطنون المسجل في خانة الديانة في أوراقهم الرسمية علامة (-)، باعتبارهم فئة رابعة من فئات التنوع الديني المسجل في الأوراق الرسمية، ولا يمكنهم دفن موتاهم في جبانات المسلمين أو المسيحيين أو اليهود، حيث أن أماكن الدفن مقسمة ومخصصة بحسب الانتماء الديني.

وكان محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، موكلا عن مجموعة من المواطنين المقيمين في محافظة الإسكندرية المسجل في أوراقهم الرسمية علامة (-) في خانة الديانة، قد تقدم في يناير 2021 بدعوى رقم ٧٠٦٠ لسنة ٧٥ ق ضد رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية ومحافظ الإسكندرية ومدير إدارة الجبانات بالإسكندرية، بصفتهم، يطلب فيها إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تخصيص أراض لمقابر هذه المجموعة من المواطنين.

أجهزة الدولة تتجاهل المطلب وتتهرب من التزاماتها
وسبق الدعوى طلبات تقدم بها المواطنون المدعون إلى إدارة الجبانات بمحافظة الإسكندرية وجهاز مدينة برج العرب ورفض المسئولون في هذه الإدارات استلام الطلبات، فتقدم محامي المبادرة موكلا عن المدعين بشكوى إلى بوابة الشكاوى الموحدة  لمجلس الوزراء في يوليو 2020 وتم استلام ودراسة الشكوى تحت رقم  2903473، وجاء رد محافظة الإسكندرية على الشكوى في نوفمبر 2020 بعدم اختصاص المحافظة بهذا الشأن، وذلك برغم ما ينص عليه قانون تنظيم الجبانات رقم 5 لسنة 1966 من أن تخصيص المقابر يتم بقرار من المحافظ المختص، بعد دراسة من جانب المجالس المحلية لاحتياجات المجموعات الدينية المختلفة وعرض للمواقع والمساحات المقترحة على المحافظ، وفي حالة غياب المجالس المحلية تشكل المحافظة لجنة خاصة للنظر في شأن الجبانات، وفق المواد 6 و42 و43 من القانون المذكور.

ووفق التقرير الذي أصدرته المبادرة المصرية تحت عنوان "تجاهل الموتى: أين ذهبت مقابر أحرار العقيدة والمؤمنين بأديان غير معترف بها؟"، فإن الدولة المصرية خصصت حوالي عام 1850 قطعة أرض لدفن موتى المنتمين لغير الأديان الثلاثة من المقيمين في مصر، وسميت باسم "مقابر أحرار الفكر" أو "المقابر المدنية"، ودفن فيها أيضا عدد من موتى البهائيين المصريين منذ بداية القرن العشرين حتى الستينيات، حيث توقف أنذاك الدفن في هذه المقبرة التي أعيد تخصيصها لصالح إحدى الجمعيات المسيحية، ومنذ ذلك الوقت، يحاول البهائيون التقدم بطلبات إلى الجهات المختصة لتخصيص قطعة أرض بديلة لدفن موتاهم وقوبلت هذه الطلبات بالتجاهل.

واستند محامي المبادرة في مذكرة الدعوى إلى قرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 بتسجيل فراغ أو علامة (-) قرين خانة الديانة للمواطنين من غير أتباع الأديان الثلاثة، وأن ذلك القرار يعد إقرارا من الدولة بأن التنوع الديني يشمل فئة رابعة بخلاف المنتمين للأديان الثلاثة، ويتوجب على سلطات الدولة المختلفة مراعاة هذه الفئة في التشريعات والقرارات التنظيمية المرتبطة بالانتماء الديني، وبما إن تخصيص المقابر يتم وفق الانتماء الديني فإنه يتوجب على المحافظين إصدار قرارات تخصيص مقابر لهذه الفئة بقدر حاجتها في كل محافظة، وأن ذلك أحد الحقوق الأساسية للمواطنين التي يعد تعطيلها إخلالا بالدستور الذي يكفل حرية الاعتقاد، ويؤدي إلى التمييز الديني وإهدار لأبسط حقوق المواطنة.

وجاء رد هيئة قضايا الدولة بأن الأديان المعترف بها في مصر هي الإسلام والمسيحية واليهودية فقط وهي الأديان التي يكفل الدستور حرية ممارسة شعائرها واتخاذ دور العبادة لها وطالب المحكمة برفض الدعوى. وعقب محامي المبادرة على هذا الرد بأن هذه الحجة غير دستورية، لأن الدستور المصري يقيد هذه الحريات والحقوق المحددة لأصحاب الأديان الثلاثة المعترف بها رسميا، وإن كان يمكن القبول بهذا رغم مخالفته للمساواة وتضمنه تمييزا على أساس العقيدة، فإن الحق في الدفن وتخصيص المقابر حق أساسي مختلف عن ممارسة الشعائر أو اتخاذ دور العبادة، وهو حق لا يقبل التعطيل ويجب أن يكون متاحا لكل فئات المواطنين والمقيمين بدون أي استثناءات، كما أن الفئة الرابعة من فئات التنوع الديني ليست محددة بدين أو عقيدة ولكنها تشمل كل غير أتباع الأديان الثلاثة وبذلك فإن تخصيص مقابر لهذه الفئة لا يتعارض مع الدستور أو النظام العام.

وتقدم محامي المبادرة بمذكرة تتضمن مستندات تثبت السوابق التاريخية التي خصصت فيها الدولة المصرية في عهودها المختلفة مقابر لغير أتباع الأديان الثلاثة المعترف بها رسميا، بخلاف المقابر المدنية القديمة في الإسكندرية، مثل القرار الملكي بخصوص جبانات أحرار العقيدة في القاهرة عام 1930، وتخصيص جبانات لغير أتباع الديانات غير المعترف بها في قصاصين الشرق بمديرية الشرقية عام 1944 وفي بورسعيد عام 1949، والقرار الجمهوري لتخصيص جبانات مماثلة في السويس عام 1954، والقرار الجمهوري بتأجير أرض للسفارة الهندية لحرق جثث موتى الهندوس عام 1964، وقرار محافظة القاهرة  بنقل مواقع جبانات الهندوس والبهائيين عام 1965، وهو ما يثبت أن هذه الممارسة ليست مناقضة للنظام العام أو الدستور وأن ممارسة تخصيص المقابر لكل فئات المواطنين والمقيمين من تقاليد الدولة المصرية بغض النظر عن الأديان المعترف بها رسميا.

الأزهر يرفض

وطلب اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية، استشارة مشيخة الأزهر بخصوص الدعوى، ورد أحمد الطيب شيخ الأزهر بمذكرة أعدها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في يونيو 2021 وانتهى فيها إلى أنه "لا يجوز تخصيص قطعة أرض لدفن الموتى ممن يحملون علامة (-) الشرطة أو غيرها، لما يؤدي إليه من التمييز والمزيد من التفرقة والانقسام وتمزق نسيج المجتمع الواحد".
وعلل مجمع البحوث رأيه بأنه " من المعلوم شرعا أن الدفن حق ثابت لكل إنسان بعد وفاته، وذلك دون تمييز بين إنسان وآخر (...) بيد أن هذا الحق لا يجوز أن يكون ذريعة للتمييز الديني أو الإعلان عن الهوية الدينية والعقائدية، أو وسيلة للترويج لأفكار معينة أو مذاهب محددة، لأن هذا التمييز يخالف مبدأ المساواة العامة في الحقوق الإنسانية الثابتة للإنسان حال حياته وبعد وفاته، كما يؤدي إلى استغلال حق الإنسان في الدفن للترويج والدعاية لما يخل بتلك المساواة، ولا يتفق وحق الدفن وجلال الموت". 

وردت مذكرة المبادرة على رأي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأنه جاء مرتبكا ومتناقضا ولا يستند إلى أي دليل أو رأي شرعي إنما إلى تقييم سياسي مردود عليه بأن هذا التخصيص هو بالفعل من تقاليد الدولة المصرية كما هو ثابت من قرارات التخصيص السابقة، ولم يهدد ذلك نسيج المجتمع ولم يؤد إلى تفرقة أو انقسام، وبأنه من غير المفهوم أن يكون تخصيص مقابر لفئة من المواطنين يؤدي إلى التمييز، حيث إن القانون يخصص جبانات محددة لكل مجموعة دينية، وهو المعمول به حاليا من تقسيم الجبانات إلى جبانات للمسلمين وأخرى للمسيحيين مقسمة لجبانات مخصصة لكل كنيسة من الكنائس، كما أن الشريعة الإسلامية تقضي بعدم جواز دفن غير المسلمين في مقابر المسلمين، وهذا التخصيص بحسب كل فئة لا يمكن تسميته تمييزا وتمزيقا لنسيج المجتمع، بل تعبيرا عن التنوع الديني يكفله القانون وتطالب به الشريعة فيما يخص المسلمين. 

وأضافت المذكرة أن تخصيص مقابر للفئة الرابعة أو لغير أتباع الأديان الثلاثة المسجل في أوراقهم الرسمية علامة (-) استمرار لتقليد المقابر المدنية، وهو تخصيص لا يتضمن عنوانا دينيا ولا دعاية لعقيدة أو مذهب، وبذلك يكون رأي الأزهر ردا متعسفا يخالف المنطق ويتجاوز حدود الرأي الشرعي إلى التقييم السياسي المخالف للواقع.

وأشارت مذكرة المبادرة إلى أن رأي الأزهر مختلف عن رأي سابق لمفتي الديار المصرية عام  1939 أرسله إلى وزارة العدل بخصوص طلب بهائيين مصريين تخصيص قطع من الأراضي لدفن موتاهم في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية وجاء رده متوقفا عند حدود الشرع واكتفى في رأيه بخصوص الدفن أن قال "لا يجوز شرعا دفن موتاهم في مقابر المسلمين" وترك ما عدا ذلك لتقدير أجهزة الدولة، وعلى إثر ذلك قررت الدولة توجيه البهائيين إلى دفن موتاهم في مقابر أحرار العقيدة في القاهرة والإسكندرية، والتي كانت موجودة بالفعل، ثم صدرت قرارات تخصيص الجبانات لغير أصحاب الأديان المعترف بها في قصاصين الشرق مخصصة لانتفاع البهائيين بمدينة الإسماعيلية عام 1944 ثم في بورسعيد 1949، ويمكن الرجوع لمزيد من تفاصيل ذلك إلى تقرير "تجاهل الموتي".
 

وطلبت المحكمة رأي هيئة مفوضي الدولة في الدعوى، وجاء رد الهيئة مؤيدا لرأي الأزهر ومستندا إليه، وأوصت الهيئة برفض الدعوى ورفض إلزام محافظة الإسكندرية بتخصيص مقابر لغير أتباع الأديان الثلاثة.

المبادرة تطعن على الحكم أمام الإدارية العليا

وتعتزم المبادرة المصرية استئناف الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، وتطالب الدولة بضرورة مراجعة سياساتها والوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين من كافة الفئات، بما يشمل الفئة الرابعة من فئات التنوع الديني التي أقرتها قراراتها وتنظيماتها وأولها الحق في الدفن وتخصيص الجبانات في المحافظات المختلفة بحسب حاجة كل محافظة.