الوضع القانوني للأزهر يبقيه تحت ضغط السلطة التنفيذية .. ودوره المرجعي يهدد الحريات وتطور التشريع
بيان صحفي
تعيد "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" نشر موقفها من الوضع القانوني للأزهر، في ظل تجدد الجدل حول دور الأزهر ومسئوليته وعلاقته بأجهزة الدولة وتوجهاتها.
وتشير المبادرة إلى أن الأزمات الحالية المرتبطة بالأزهر، سواء من جانب أدواره الرقابية على الإنتاج الفكري والتعبير الفني وأدواره الاستشارية في عملية التشريع القانوني، أو من ناحية ما يمكن قراءته، بأنها ضغوط من جانب أجهزة الدولة لتبني توجهات محددة في التفكير الديني، وهذه الأزمات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالوضع القانوني للأزهر وتاريخ قانون تنظيمه وتعديلات هذا القانون التي صدرت في 2012 بمرسوم عن المجلس العسكري الحاكم وقتها، وهو المجلس الذي شمل تشكيله رئيس الجمهورية الحالي.
وتؤكد المبادرة على استمرار توصيتها بأن الاستقلال الحقيقي للأزهر وإصلاح وضعه القانوني يكون عبر ثلاثة طرق:
- أولًا، ضرورة ابتعاد الأزهر عن أي دور رقابي أو مرجعي بقوة القانون، وأن تتحرر أجهزة الدولة والسلطات المختلفة من قيد رأي ديني واحد يوصف بأنه "ملزم" أو "نهائي" وتتوقف هيئات الأزهر عن الشراكة مع جهات الدولة بدور استشاري يؤثر سلبًا على تطور عملية التشريع القانوني و يعوق حرية الرأي والتعبير والحريات الدينية.
- ثانيًا، أن تنفتح مؤسسات الأزهر على التنوع الفكري وأن تكفل حرية البحث الأكاديمي في علوم الدين، ويقوم علماء الأزهر في الجامعة وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بأدوارهم التعليمية والدعوية بدون ضغوط أو توجيهات محددة من أي جهة، سواء من قيادات أزهرية لها ميولها، أو من جهات الدولة التي لها توجهاتها، وأن يكون ساحة علمية للعديد من الآراء والاجتهادات.
- ثالثًا، وهو رهن بالتقدم على الطريقين الأول والثاني، أن يتمكن الأزهر من تحقيق استقلالٍ ماليٍّ وإداريٍّ عن أجهزة الدولة، وتتولى أوسع دائرة من علمائه صياغة أطره الإدارية والأكاديمية لتؤكد الاستقلال عن توجهات سلطات الدولة وعن قيود نخبة دينية محددة، ليمارس دوره كجامعة مستقلة لعلوم الإسلام، تتسع للتنوع وتقدم إنتاجها الفكري إلى عموم المسلمين والمهتمين، بدون وصاية على أي طرف أو خضوع لضغوط طرف آخر.
2012:
المصادرة على فرص الإصلاح والإبقاء على جذور الأزمات
وكانت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" قد أصدرت في يونيو 2012 موقفًا من تعديلات قانون تنظيم الأزهر التي صدرت بمرسوم رقم 13 لسنة 2012 عن جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، وبعضوية عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية الحالي.
ووصفت المبادرة في موقفها، الذي كتبه عمرو عزت، الباحث ومسئول برنامج "حرية الدين والمعتقد"، التعديلات على القانون بأنها تعديلات للحفاظ على الوضع القائم للأزهر، وتقطع الطريق على مشروعات ومقترحات الإصلاح والاستقلال الحقيقي للمؤسسة الأزهرية، لأنها تحافظ على الأدوار السلطوية لمؤسسة الأزهر وفي الوقت نفسه تبقيه تحت ضغط السلطة التنفيذية ورهنًا بتوازنات بين السلطة التنفيذية والتشريعية آنذاك.
وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أصدر مرسوم تعديل بعض مواد قانون تنظيم الأزهر في 19 يناير 2012 بالتشاور مع مشيخة الأزهر قبل أيام من انتهاء سلطته التشريعية مع انعقاد البرلمان، الذي شكلت أغلبيته نواب حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) والنور (الذراع السياسي لجماعة الدعوة السلفية)، كما أقر مجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية برئاسة كمال الجنزوري تشكيل هيئة كبار العلماء التي قام شيخ الأزهر باختيارها عبر لجنة قام بتشكيلها، وذلك قبل أيام من بدء ولاية الرئيس السابق محمد مرسي، وظلت في انتظار موافقة رئيس الجمهورية لإقرارها رسميًّا.
وعبر الموقف الذي أصدرته المبادرة عن عدة تحفظات على نصوص تعديلات القانون وعملية إقراره واختيار تشكيل هيئة كبار العلماء، أهمها:
- أولًا: يشير توقيت التعديلات إلى الرغبة آنذاك في استباق تدخل أعضاء البرلمان والرئيس المنتخبين، نظرًا إلى انتمائهم إلى التيار الإسلامي، وقطع الطريق على محاولات منهم لتغيير وضع الأزهر، ولكن التعديلات في الوقت نفسه قطعت الطريق على النقاشات الواسعة التي دارت من أجل الوصول إلى تصورات مختلفة عن مستقبل وضع الأزهر، وعكس مشروع القانون مصالح وتوجهات مشيخة الأزهر والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة الانتقالية.
- ثانيًا: حققت تعديلات القانون مطلبًا للعديد من الأطراف داخل الأزهر وخارجه، وألغت سلطة رئيس الجمهورية في تعيين شيخ الأزهر، وجعلت اختيار الشيخ القادم للأزهر بالانتخاب من جانب هيئة كبار العلماء، ولكن أبقت على سلطة رئيس الجمهورية في التصديق على نتيجة الانتخاب، كما أبقت التعديلات أحمد الطيب، شيخ الأزهر الحالي، في موقعه، ومنحته سلطة تشكيل هيئة كبار العلماء، بموافقة رئيس الجمهورية على التشكيل، وأيضًا، على انضمام أي عضو جديد إليها، كما يشترط موافقة رئيس الجمهورية على اختيار وكيل الأزهر، وكان لهذه التعديلات أثر قوي في بقاء وضع الأزهر على ما هو عليه بعيدًا عن أي تغيير، كما أنها أبقت جانبًا كبيرًا من سيطرة السلطة التنفيذية ممثلةً في رئاسة الجمهورية على القيادات المستقبلية لمؤسسة الأزهر.
وأكدت المبادرة آنذاك أن تلك الترتيبات "تهدد استقلال المؤسسة الأزهرية بتداخلها الواضح مع السلطة التنفيذية ومع أدوار محتملة يمكن أن يتورط فيها الأزهر دعمًا للنظام السياسي".
- ثالثًا، أكدت التعديلات على الدور المرجعي والرقابي للأزهر ودعمت دوره في الفتوى الرسمية لهيئات الدولة المختلفة، فنصت على أنه "المرجع النهائي فيما يتعلق بشئون الإسلام"، وتنص على دور "هيئة كبار العلماء" في "البت في المسائل الدينية والقوانين والمسائل الاجتماعية ذات الطابع الخلافي".
وحذرت المبادرة من أن "استمرار الأزهر في لعب دور المرجع المعتمد لسلطات الدولة يهدد دوره بما هو متوقع من ضغط السلطة التنفيذية على رأيه، أو على تشكيلاته، بهدف السيطرة على اتجاهات هذا المرجع. كما يهدد الحريات المختلفة باعتباره مرجعًا مجملًا ونهائيًّا للاجتهاد الديني".
كما أضافت في ورقة الموقف: "إن الحفاظ على الوضع القائم للأزهر، سواء ارتباطه بالسلطة التنفيذية أو بدعم دوره المرجعي والرقابي والاستشاري، من المرجح أنه سيؤثر على دوره التعليمي والدعوي ويجعله عرضة لاستقطاب وصراع سياسي كبير يحاول تشكيل دور المؤسسة من أعلى".
رابعًا، بقاء أحمد الطيب شيخ الأزهر في منصبه حتى وفاته، وهو ما تم تأكيده بالنص الدستوري في تعديلات 2014 على أن "شيخ الأزهر غير قابل للعزل"، ومنحه سلطة تشكيل أول هيئة لكبار العلماء يوافق عليها رئيس الجمهورية، أثرت على هذا التشكيل الذي ضم أغلبيته العظمى العلماء الذين قادوا الأزهر أو تولوا منصب وزير الأوقاف سابقًا، مع أسماء قليلة مقربة من التيار الإسلامي (مثل: يوسف القرضاوي، أبرز علماء تيار الإخوان المسلمين وتم إنهاء عضويته لاحقًا في 2013، والمختار المهدي رئيس "الجمعية الشرعية" المقربة من الإسلاميين والذي توفي في 2016).
وذلك التشكيل ومواءماته السياسية قطع الطريق على تنوع هيئة كبار العلماء وانفتاحها على طيف واسع من الميول والاتجاهات الفكرية، وكرس سلطة النخبة الأزهرية القديمة على مستقبل الأزهر وعلى فرص تجديد دمائه وأفكاره.
من 2013 إلى 2018: تجدد أزمات الأزهر مع السلطة التنفيذية واستمرار دوره
ومنذ منتصف عام 2013 وحتى هذه اللحظة تراوحت علاقة الأزهر مع السلطة التنفيذية بين التأييد والمساندة، إلى اتخاذ مواقف متحفظة.
ففي 3 يوليو 2013، حضر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الاجتماع الذي ألقى فيه عبد الفتاح السيسي، بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعزل محمد مرسي، رئيس الجمهورية السابق، وقال الطيب في كلمته إنه "يؤيد الرأي الذي انتهى إليه المجتمعون"، ولكن بعد فض اعتصام أنصار مرسي في أغسطس 2013، أصدر شيخ الأزهر بيانًا صوتيًّا أعرب فيه عن أسفه وحزنه لوقوع قتلى وأكد فيه على حرمة الدماء وعظم مسئوليتها أمام الله وأمام الوطن والتاريخ، وأشار إلى أن "الأزهر يعلن للمصريين جميعًا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا من طريق وسائل الإعلام".
وفي السياق الراهن، تجدد الجدل حول دور الأزهر بعد شواهد عن توترات بين رئاسة الجمهورية ومشيخة الأزهر، بعد إشارات من عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية موجهة إلى شيخ الأزهر للاستجابة لدعوة عامة حول "تجديد الدين" وإشارات مقابلة من شيخ الأزهر لممانعة وتحفظ حول هذه الدعوة.
ففي يناير 2015، دعا رئيس الجمهورية في كلمته بالاحتفال بالمولد النبوي بحضور شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي الجمهورية إلى ما سماه "تجديدًا للخطاب الديني" و"ثورة دينية" وإعادة نظر في "نصوص وأفكار تم تقديسها لقرون، تعادي الدنيا كلها، وأصبح الخروج عليها صعبًا" بدون الإفصاح عن تفاصيل واضحة تخص هذه النصوص والأفكار، وتوجه إلى علماء الدين ورجال الأزهر بقوله: "والله لأحاجيكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى عن إللي أنا باتكلم فيه دلوقتي".
وفي يناير 2017 في كلمته بالاحتفال بالمولد النبوي تحدث رئيس الجمهورية عن مقترح لتعديل قانوني بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي ما لم يتم توثيقه، ووجه كلامه إلى أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قائلًا: "مش كدا ولا إيه يا فضيلة الإمام"، ثم أضاف: "تعبتني يا فضيلة الإمام".
وفي نهاية يناير 2017، كتب أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية مقالًا في جريدة الأهرام حمل انتقادًا إلى قيادة الأزهر، جاء فيه: "شهدنا في الفترة الحالية أمرًا عجيبًا، وهو أن الوطن يستنجد بالأزهر، ويلح عليه، ويطالبه، ويلمح ويصرح، ويستنهض ويشير، ويتألم ويستغيث، فيبقى الأمر ثابتًا عند مستوى واحد من تسيير أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، دون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن".
وفي نوفمبر 2018 شهد الاحتفال بالمولد النبوي استمرارًا للتباين في الرؤى بين رئيس الجمهورية الذي يشير إلى ضرورة التجديد، بدون توضيح لما يعنيه بذلك، ومعه وزير الأوقاف الذي يؤكد على أهمية التجديد وسعي وزارته للمساهمة فيه، وبين شيخ الأزهر الذي شددت كلمته على أهمية التمسك بتراث السنة النبوية وأن التخلي عنها هدم للإسلام، ما تم اعتباره إشارات إلى استمرار تمسك كل من الطرفين بتوجهه بدون توضيح كبير.
وفي أعقاب الاحتفال وتصديق رئاسة الجمهورية التونسية على مشروع قانون لتعديل أحكام المواريث بحيث يتم مساواة الذكور والإناث في مواضع تمسك الفقه فيها بالنص القرآني على أن "للذكر مثل حظ الأنثيين"، أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر بيانًا حادًّا رافضًا مشروع القانون.
ولم يحظَ بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر بالتغطية في الطبعات الورقية للصحف الحكومية والخاصة أو مواقعها الإلكترونية على غير العادة، وقالت مصادر صحفية لباحثي المبادرة إن "تعليمات عليا" صدرت بعدم نشر أخبار عن بيان هيئة كبار العلماء، بينما أفردت صحيفة الأهرام الحكومية مساحات واسعة لأصوات تنتقد خطاب مشيخة الأزهر أو تتبنى آراء فقهية مخالفة لها، حيث نشرت مقالًا لجابر عصفور، وزير الثقافة السابق، ينتقد خطاب شيخ الأزهر في الاحتفال بالمولد النبوي ويضعه في موقف الضد من خطاب رئيس الجمهورية في نفس المناسبة، ونشرت مقالًا آخر لسعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن المعروف بأفكاره المخالفة للتيار السائد في الأزهر، يشرح بالتفصيل رأيه في عدم مخالفة مشروع القانون التونسي للشريعة، على خلاف رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر.
وشهدت إدارة المجال الديني خلافات معلنة بين مشيخة الأزهر والسلطة التنفيذية، أبرزهم رفض مشيخة الأزهر لمقترح خطبة الجمعة المكتوبة الإلزامية الذي أعلنت عنه وزارة الأوقاف.
كما رفضت رئاسة الجمهورية الموافقة على طلب شيخ الأزهر التجديد لعباس شومان في منصبه وكيلًا للأزهر. وكانت تقارير صحفية قد وجهت إلى شومان انتقادات مختلفة، يتعلق بعضها بتصريحات له مؤيدة لمحمد مرسي وتيار الإخوان المسلمين وقت وجودهم في السلطة، أو انتقادات أخرى تخص التوجه الفكري المعادي لـ"التجديد الديني" وأخرى اتهمته بالفساد الإداري.
وبعد رفض التجديد له وكيلًا للأزهر، قام شيخ الأزهر بتعيين عباس شومان أمينًا عامًّا لهيئة كبار العلماء.
واستمر الدور المرجعي للأزهر لدى هيئات الدولة في ظل تحفظ من جانب الشيخ ومعه هيئة كبار العلماء حول مقترحات تخالف الآراء السائدة المستقرة في الفقه الإسلامي، ما أعاق مقترحات نادت بها مطالبات حقوقية..
ففي فبراير 2017، دعا شيخ الأزهر هيئة كبار العلماء إلى الانعقاد والبت في مسألة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي بعد مقترح التعديل التشريعي الذي أشار إليه رئيس الجمهورية في احتفال المولد النبوي، وأصدرت هيئة كبار العلماء بيانًا رفضت فيه تأييد مقترح التعديل التشريعي الذي أشاره إليه الرئيس، وأكدت أن: "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ".
واستمر الدور الاستشاري للأزهر وهيئاته مثل مجمع البحوث الإسلامية في تقديم تقارير استشارية إلى المحاكم المختلفة تدعم الاتهامات في قضايا الاتهام بترويج أفكار تزدري الأديان السماوية، المعروفة باسم قضايا "ازدراء الأديان".
واستمر الدور الرقابي للأزهر وهيئاته بخصوص المحتوى الديني المقدم في وسائل الإعلام، ففي إبريل 2015 تقدم ممثلون قانونيون عن مشيخة الأزهر بمذكرات رسمية إلى هيئة الاستثمار، بوصفها المسئولة عن مدينة الإنتاج الإعلامي، لوقف برنامج "مع إسلام" الذي يقدمه الإعلامي إسلام بحيري، واكتفت هيئة الاستثمار بإنذار قناة "القاهرة والناس" التي تبث البرنامج، فتقدم الأزهر بطعن في القضاء الإدراي على القرار السلبي لوزير الإعلام وهيئة الاستثمار بعدم وقف البرنامج، وأعلن الأزهر عن تقدمه أيضًا ببلاغ إلى النائب العام ضد إسلام بحيري وقالت مشيخة الأزهر في بيانها إن بلاغ الأزهر يأتي "بناءً على المسؤولية الشرعية والدستورية التي منحها الدستور المصري للأزهر الشريف في القيام على حفظ التراث وعلوم الدِّين".
كما أوصت إدارة البحوث والتأليف والترجمة والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمصادرة ومنع تداول عدد من الكتب منها كتاب "أين الله" لكرم صابر و"من معجزات القرآن في الآيات والمخلوقات" لمبروك حسين.
كما رصد باحثو المبادرة وقائع تضييق مستمرة على الحرية الأكاديمية داخل جامعة الأزهر، حيث تم وقف أساتذة ومدرسين مساعدين عن العمل لمدد متفاوتة، بسبب تعبيرهم عن آراء مختلفة عن توجهات مشيخة الأزهر أو التيار السائد في جامعة الأزهر، أو بسبب حضورهم مؤتمرات علمية بغير موافقة الجامعة، كما رصد باحثو المبادرة شكاوى متعددة من صعوبة تسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه حول موضوعات لا تلقى قبول التيار السائد في الأزهر، منها على سبيل المثال، دراسة تراث الإمام محمد عبده، أو دراسة أدبيات تنتقد جوانب في تاريخ الأزهر، ولجأ أكثر من باحث في سلك التدريس بجامعة الأزهر لتسجيل الدراسات العليا في جامعات أخرى داخل مصر وخارجها، وتقدم بعضهم بدعاوى في القضاء الإداري ضد امتناع إدارة جامعة الأزهر عن الاعتراف بشهاداتهم استنادًا إلى لائحة داخلية تنص على ضرورة الحصول على الموافقة المسبقة من جامعة الأزهر للتسجيل للدرجات العلمية في الدراسات الإسلامية أو الدراسات الإنسانية في جامعات أخرى للتأكد من موافقتها على ما تسميه الجامعة "منهج الأزهر".
هذه الأزمات السابق ذكرها، يبدو واضحًا أن محورها هو الترتيبات القانونية لوضع الأزهر وهيئاته وأدوارها، ويظهر فيها ما حذرت منه المبادرة المصرية من آثار استمرار تجاوز الأزهر لدوره التعليمي والدعوي إلى أدوار أخرى بقوة الدستور والقانون، بما في ذلك من استمرار الآثار السلبية على الدور التعليمي نفسه وعلى الحرية الأكاديمية داخل الأزهر.
ولذلك تعيد المبادرة المصرية نشر موقفها من قانون تنظيم الأزهر وتعيد التأكيد على أن مواجهة هذه الأزمات يجب أن يتم عبر إصلاح الوضع القانوني للأزهر ليبتعد تمامًا عن الأدوار الرقابية والمرجعية والاستشارية لهيئات الدولة، ويتحرر من ضغط الدولة لكي يساير توجهات معينة، وأن تنفتح جامعة الأزهر داخليًّا على تنوع الأفكار الدينية وحرية البحث في علوم الدين متحررة من ضرورة تقديم رأي واحد سواء إلى الدولة أو المجتمع، وأن يتبع ذلك تفكير في أطر الاستقلال المالي والإداري للأزهر للحفاظ على حريته العلمية والدعوية، بعيدًا عن ضغوط التوجيهات السياسية الموجهة إليه أو الأدوار المرجعية والرقابية المعوقة لتطور التشريع وضمان الحقوق والحريات.