الصورة عن موقع https://manshoor.com

المبادرة المصرية تطالب بالإفراج الفوري عن المقبوض عليهم وتحذر من تعرضهم لأي انتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، المبادرة المصرية تطالب الإعلام المرئي والمقروء بالتوقف عن بث خطاب الكراهية والتحريض ضد المثليين

بيان صحفي

4 أكتوبر 2017

تدين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الحملة الأمنية المستمرة منذ 22 سبتمبر الماضي حتى الآن ضد عدد من المواطنين مثليي الجنس، أو من يظن بهم المثلية، على خلفية واقعة التلويح بعلم "قوس قزح"، والمعروف كإشارة للتنوع وقبول مختلف الميول الجنسية وهويات النوع الاجتماعي، وذلك خلال حفل غنائي بأحد المراكز التجارية بالقاهرة، وهي الحملة التي أسفرت عن إلقاء القبض على 57 شخصًا على الأقل منذ الأيام القليلة السابقة على الحفل وحتى الآن في القاهرة وعدد من المحافظات الأخرى، ولا يقوم دليل واحد على علاقة غالبيتهم الكاسحة بالواقعة التي لا تشكل بحد ذاتها جرمًا يستوجب العقوبة من الأصل، كما لا تشكل العلاقات المثلية الرضائية بين البالغين بشكل عام جرمًا يستوجب العقوبة.

كما تدين المبادرة غياب ضمانات المحاكمة العادلة للمقبوض عليهم وفي القلب منها عدم تمكين المقبوض عليهم من الاتصال بذويهم ومحاميهم وإحالة النيابة تلك القضايا إلى المحاكم في زمن قياسي لا يتيح للدفاع الاطلاع على أوراق تحريات الشرطة أو محاضر التحقيق لتجهيز دفاعهم ودفوعهم، هذا بخلاف تعرضهم لأشكال عدة من الانتهاكات في مقارِّ احتجازهم.

وأخيرًا، تدين المبادرة المصرية ما يقترن بتلك الهجمة الأمنية من حملة تحريض منظم في وسائل الإعلام المرئي والمقروء توظف خطاب كراهية وتمييز وتحريض ضد قطاع من المواطنين المصريين على خلفية ميولهم الجنسية، وتدعو وسائل الإعلام إلى التحلي بالحد الأدنى من المهنية والمسئولية الأخلاقية.


حملة غير مسبوقة وانتهاكات بالجملة:

بدأت وقائع تلك الهجمة الأمنية عندما قام بعض الأشخاص بالتلويح بعلم قوس قزح والمتعارف عليه كرمز داعم للتنوع وقبول مختلف الميول الجنسية وهويات النوع الاجتماعي، خلال حفل لفرقة "مشروع ليلي" الغنائية اللبنانية في أحد المراكز التجارية الرئيسية بالقاهرة يوم 22 سبتمبر سبتمبر الماضي. وبمجرد انتهاء الحفل وانتشار صورٍ لتلك الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، قامت العديد من وسائل الإعلام والشخصيات العامة السياسية والدينية بتحريض ممنهج يستهدف الشباب المفترض بهم التلويح بهذا العلم. وعلى إثر ذلك قامت قوات الشرطة بالقبض على العشرات من المثليين، أو من يفترض بهم المثلية، ممن لم تكن لهم أي علاقة بالحفل الموسيقي في حملة هي الأشرس من نوعها منذ عقدين.

في هذا السياق، وثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وقائع إلقاء القبض على 57 شخصًا على الأقل على خلفية ميولهم، أو ما يُظَن أنه ميولهم، وهو المثلية. وشملت تلك الحملة محافظات القاهرة، الجيزة، الإسماعيلية، جنوب سيناء، ودمياط. يواجه غالبية المقبوض عليهم تهم اعتياد ممارسة الفجور أو نشر مواد تحرض على الفجور، وفقًا للمواد 9 و10 من قانون مكافحة الدعارة والفجور رقم 10 لسنة 1961. في حين واجه البعض الآخر تهم تسهيل الفجور، ويواجه متهمان اثنان تهم الانضمام إلى جماعة مشكلة على خلاف أحكام القانون تهدف إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون والتحريض على الفسق.

والملفت أن عددًا من تلك القضايا قد أحيلت إلى المحاكم في زمن قياسي بل وصدر في 9 قضايا منها أحكام قاسية بالسجن لمددٍ تتراوح ما بين عام وستة أعوام.

ومن ناحية أخرى، تستمر قوات الشرطة في سعيها إلى إلقاء القبض على الأفراد المفترض بهم المشاركة في واقعة التلويح بعلم قوس قزح حيث قامت بمداهمة منازل العديدين بداية من التاسعة مساءَ الأحد وحتى فجر يوم كتابة هذا البيان. وألقت قوات الأمن القبض على كلٍّ من أحمد علاء وعلي فرج في محافظة دمياط ونقلا إلى "قسم أول دمياط" حيث أُطلق سراح علي فرج. وقبل إطلاق سراحه تم استجوابه من قِبَل ضباط الأمن الوطني عن علاقته بواقعة التلويح بالعلم والمتورطين فيها. وفي نفس السياق، أُلقي القبض على سارة حجازي من محافظة القاهرة. وتم التحقيق مع كلٍّ من سارة حجازي وأحمد علاء يوم الاثنين الماضي بنيابة أمن الدولة العليا ووجهت إليهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة شكلت على خلاف أحكام القانون وتهدف إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون، كما سبق الذكر. كذلك داهمت الشرطة محل سكن أخريات ممن يشتبه في مشاركتهن في واقعة التلويح بالعلم دون إلقاء القبض على أيٍّ منهن لعدم وجودهن بمحل سكنهن.


وفي هذا الصدد، يقول جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي للمبادرة: "نحن على ثقة أن حجم الهجمة الأمنية أكثر بكثير مما نعلمه، ففي كل مرة توجه فيها المحامون إلى النيابات أو قاعات المحاكم فوجئوا بعدد أكبر من المتهمين، كما لوحظ أن جميع المقبوض عليهم سواء من خلال الإيقاع الإلكتروني أو من أماكن صديقة للمثليين ومجتمع الميم يجري استجوابهم بمقتضى قضية منفصلة لكل شخص مقبوض عليه".

هذا، وتشوب وقائع إلقاء القبض والتحقيق والإحالة إلى المحاكمة مخالفات صريحة للحق في المحاكمة العادلة وضماناتها التي نص عليها الدستور والمواثيق الدولية التي صَدَّقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة. وعلى وجه الخصوص، تعرب المبادرة المصرية عن بالغ قلقها من سرعة الإحالة في هذه الجنح دون تمكين المتهمين من حقوقهم الدستورية في الاتصال بذويهم واختيار محاميهم بشكل يهدد ضمانات المحاكمة العادلة.


وفي هذا الصدد يقول علاء فاروق محامي المبادرة المصرية: "بلغت الرغبة في سرعة الإحالة إلى المحاكمة حد إحالة القضايا من قبل النيابة إلى دوائر غير مختصة بنظر قضايا بهذه الأرقام من الأساس، حتى وصل الأمر إلى إصدار بعض الدوائر قرارها بعدم الاختصاص في نظر هذه القضايا المحالة".


وبلغ الأمر في حالة واحدة على الأقل تجاهل النيابة العامة للاختصاص القضائي للمحاكم بالكامل كما يظهر في واقعة إحالة أحد المقبوض عليهم إلى محكمة الجنح على الرغم من كونه تحت السن القانوني. ويذكر أحمد حسام المحامي الحقوقي الذي حضر التحقيقات مع المتهم أن "النيابة قامت بجعل أحد مفتشي الصحة يقدم شهادة بأن المقبوض عليه عمره 19 عامًا، ما اضطرنا إلى تقديم شهادة ميلاده إلى المحكمة لإثبات أن عمره 17 عامًا وخلال الجلسة الثانية اقتنعت المحكمة بأنها لا يجب أن تحاكمه كبالغ وأحالته إلى محكمة الطفل".

هذا، ومن واقع إفادات المحامين، وخبرات القضايا المشابهة في الأعوام الماضية، تقوم دلائل قوية على تعرض هؤلاء المقبوض عليهم للمعاملة المهينة والقاسية، وهذا بخلاف الفحوص الشرجية الإجبارية، المفترض بها تحديد ما إذا مارس المتهم الجنس المثلي في فترة قريبة من تاريخ القبض عليه، والتي اعتبرتها لجنة الأمم المتحدة المتابعة لتنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب في 2002 "شكلًا من أشكال المعاملة المهينة واللاإنسانية التي قد ترقى في بعض الأحيان إلى مرتبة التعذيب".


وتقول داليا عبد الحميد: "لقد ثبت مرارًا وتكرارًا أن كشوف الشرج الإجبارية تستند إلى علم زائف وأن الانتهاك لا يتوقف عند التعدي على أجساد المقبوض عليهم دون موافقة، لكنه يشمل تعرض المقبوض عليهم خلال اصطحابهم من قسم الشرطة إلى مصلحة الطب الشرعي لتشهير وفضائح وإهانات في الشارع على يد رجال الشرطة الذين يصطحبونهم، كما أن هذه الفحوص تعكس المفهوم السائد لدى السلطة بأن الفجور يتعلق فقط بمن يتم الإيلاج به".


الإعلام مروج لخطاب الكراهية وشريك في التحريض:

منذ اليوم الأول لتلك الحملة الأمنية، كانت الغالبية الكاسحة من وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع شريكة في تحريض الشرطة وغيرها من المؤسسات الرسمية على تعقب المثليين والتنكيل بهم بمختلف الصور، ومروجة لخطاب كراهية وتمييز بشأن هذه الفئة من المواطنين عبر اِدِّعاء أن الواقعة، وكل الأفراد المثليين في المجتمع، يشكلون تهديدًا متوهمًا لقيم وثوابت وأخلاق المصريين.

فقد رصدت المبادرة قيام إحدى وسائل الإعلام المقروء _صبيحة الحفل_ كتابتها خبرًا بعنوان: "جمهور حفلة ليلى يشكر رافعي علم المثلية في الحفل"، في تلميح مبطن إلى أن كل حاضري الحفل من المثليين، ومواقع صحفية أخرى أبرزت بإلحاح بعض ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء تلك المرحبة أو المستنكرة لواقعة التلويح بالعلم، وهو ما ساهم في التحريض والحشد وتهيئة المناخ العام ضد الواقعة.

وقامت وسائل إعلامية أخرى باستضافة أو إجراء مداخلات هاتفية مع عدد من المسئولين الدينيين الرسميين أو غيرهم من الشخصيات العامة، كنقيب الموسيقيين، والذين صبت مداخلاتهم في نفس الاتجاه المحرض للأجهزة الأمنية. ووصل الأمر حد مطالبة بعض المتداخلين "بالقصاص" ممن لوحوا بعلم قوس قزح، بل ومنظمي الحفل الغنائي، بخلاف وصف كل من شارك في الحفل بأوصاف تحقيرية على رأسها: "الشذوذ الجنسي" بالطبع.

وتوسعت هذه الحملة الإعلامية في الأيام التالية حتى تورط فيها عدد من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان وأعضاء مجلس النواب الذين تقدم بعضهم بطلبات إحاطة للتحقيق، بينما صرح عضو في اللجنة الدستورية والتشريعية بالبرلمان بأن اللجنة ستنظر في تغليظ عقوبة المثلية الجنسية.

بل وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى نشر خبر عن إعلان مجلس جامعة حلوان فصلَ أحد طلبتها إذا ثبت حضوره الاحتفال وقيامه بالتلويح بالعلم دون التأكد من صدقية الخبر أو التعليق على المعايير التي يجب أن تستند إليها هذه النوعية من القرارات مثل ضرورة التحقيق ومعاييره وغير ذلك.

ولا زالت بعض الوسائل الإعلامية حتى لحظة كتابة هذا البيان مستمرة في نشر أخبار بصيغة مرحبة بملاحقة "الشواذ" عن طريق استقطابهم عبر محادثات ومصائد إلكترونية، دون التوقف أمام إخلال هذه الممارسة الفاضح بالقانون والدستور، هذا بخلاف التشهير بالمقبوض عليهم من خلال نشر بعض بياناتهم الشخصة في تلك الأخبار قبل انتهاء التحقيقات أو توجيه أي اتهامات إليهم.

تتمثل الإشكالية الكبرى في بيان المجلس الأعلى للإعلام والذي أعلن فيه المجلس "حظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية" وتعاطى مع المثلية الجنسية بوصفها "مرضًا وعارًا يحسن التستر عليه لا الترويج لإشاعته" في مخالفة صريحة لأبسط قواعد آداب المهنة وكذلك لنتائج الطب الحديث وما ورد في أدبيات منظمة الصحة العالمية بشأن المثلية الجنسية.


ليست واقعة معزولة:

لا يمكن التعاطي مع الهجمة الحالية بمعزل عن الهجمة المنظمة التي تشنها مباحث الآداب ضد المثليين وعابرات الجنس (الترانس) والقائمة منذ أربع سنوات ولم تتوقف في أي لحظة، فلقد وثقت المبادرة _في الفترة من الربع الأخير من سنة 2013 وحتى مارس الماضي_ وقائع إلقاء القبض على 232 مثليًّا، أو مَن يظن بهم المثلية، وإحالة غالبيتهم العظمى إلى المحاكمة بمقتضى نفس مواد قانون تجريم الدعارة والفجور المذكورة.

ومن خلال ملفات القضايا التي جمعتها المبادرة خلال هذا الوقت، وشهادات بعض المتهمين والسجناء السابقين، يتأكد لنا وجود طيف واسع من الانتهاكات، بداية من طرق القبض على الأفراد المثليين أو من يُظن أنهم كذلك، أو الرجال ممن يمارسون الجنس مع الرجال أو العابرات جنسيًّا (الترانس). وتتمثل طريقة القبض الشائعة في ترتيب ما يمكن وصفه "بمصائد إلكترونية" يتم فيها الإيقاع بالأفراد من خلال مواقع المواعدة الخاصة بالمثليين والترانس عبر ادعاء أحد ضباط أو مخبري مباحث حماية الآداب العامة في هيئة أحد طالبي أو راغبي ممارسة الجنس المثلي ثم ترتيب ميعاد يجري فيه إلقاء القبض على الطرف الآخر الذي قبل بالعرض، وهو ما يعد تحريضًا صريحًا على ممارسة أحد الجرائم.

كما أكد جميع من تمت مقابلتهم تعرضهم لأشكال مختلفة من المعاملة القاسية واللاإنسانية وصولًا إلى التعذيب في الكثير من الحالات. شملت تلك الأشكال الضرب الشديد والإهانات المستمرة داخل أقسام الشرطة وكذلك التلويح باستخدام العنف الجنسي مثل تهديد المقبوض عليهم بحبسهم مع باقي المحتجزين وتحريض هؤلاء المحتجزين على اغتصابهم، مرورًا بالتعنت في السماح لذويهم بزيارتهم وإهانة ذويهم. كما وثقت المبادرة تعرض العديد من المقبوض عليهم على خلفية تلك الحملة لما يسمى بكشوف الشرج والتي سبق التعرض لها بوصفها أحد أشكال المعاملة المهينة واللاإنسانية والتي قد ترقى إلى مرتبة التعذيب.