www.mo3taqaleen.com

سجن العقرب سجن العقاب الجماعي: انتهاك حق الزيارة يهدد سلامة السجناء

بيان صحفي

9 أبريل 2016

يشهد سجن العقرب انتهاكات منهجية تجعله السجن الأكثر سوءًا حاليًّا في مصر، فمن الإهمال الطبي والإفراط في العقوبات التأديبية مثل الحبس الانفرادي الممتد إلى منع زيارات الأهل، والذي يؤدى إلى انتهاكات مختلفة لأنها تعتبر المنفذ الوحيد إلى حصول السجناء على الأدوية وملابس الشتاء في أثناء البرد القارس والطعام الملائم أو الإعاشة. ورغم وضوح لائحة السجون في حق السجناء في الزيارة لمدة ٦٠ دقيقة مرة واحدة أسبوعيًّا في حالة السجناء الاحتياطي، ومرتين شهريًّا في حالة السجناء المحكوم عليهم، إلا أن إدارة سجن العقرب تتجاهل ذلك الحق وتسمح بالزيارات وقتما تشاء وتمنعها وقتما تشاء، وقد منعت الزيارات بالفعل لفترات تصل إلى شهرين متتاليين، ما يجعل العقرب مكانًا لتدمير السجناء. وقد شهد سجن العقرب في منتصف شهر فبراير ٢٠١٦ إضرابًا عن الطعام بدأه مجموعة من السجناء للمطالبة بحقوقهم التي يكفلها لهم القانون المصري ولإتاحة الفرصة لذويهم لزيارتهم وتحسين ظروفهم المعيشية.

سجن العقرب احتل دائرة الضوء نتيجة للانتهاكات المستمرة في الحق في الزيارة وللحياة القاسية للسجناء داخل السجن، بالإضافة إلى الإهمال الطبي والتعنت في علاج السجناء أو السماح بدخول أدوية، الأمر الذي أدى إلى موت ـ على الأقل ـ ٥ من السجناء في العام الماضي وهم: فريد إسماعيل، فى مايو ٢٠١٥، نبيل المغربي، في يونيو ٢٠١٥، عصام درباله، في أغسطس ٢٠١٥، مرجان سالم، في أغسطس ٢٠١٥، عماد حسن، في سبتمبر ٢٠١٥.

وتقول المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "سجن العقرب كان دائمًا/منذ إنشائه يمثل كابوس أي سجين من حيث سوء المعاملة وظروف الاحتجاز، ولكن اليوم نرى بالإضافة إلى ذلك الحرمان الممنهج لحقوق السجناء الأساسية والتعنت في الحفاظ علي أرواحهم ويبرز فيه أن السياسة العقابية تهدف إلى كسر السجين كعقاب سياسي و ليس تأهيله".

ويحدد الدستور المصري بالمواد ٥٥، ٥٦ السياسة العقابية الواجبة الاتباع بالسجون المصرية لتحقيق الهدف المرجو من وجود السجون، كونها بالأساس دار إصلاح وتأهيل وليست أماكن لامتهان الكرامة. جاء بالمادة ٥٦ منه أن السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.

وفي شهادة للواء إبراهيم عبد الغفار مأمور سجن العقرب السابق مع الإعلامي شريف عامر عقب ثورة يناير ٢٠١١، وصف فيها سجن العقرب بأنه سجن مخصص لـ"إن إللي يدخل ميطلعش تاني"، ووصفه بأنه سجن "مبتدخلوش شمس ولا هواء، والهوا يا دوب استنشاق"، فالسجن وفقًا لشهادة القائمين عليه مصمم لقتل السجناء وليس فقط حبسهم.

تاريخيًّا يحمل سجن العقرب سمعة سيئة منذ إنشائه، فسجن طرة ٩٩٢ والمعروف باسم سجن العقرب هو السجن الشديد الحراسة الأبرز في مصر، والذي يتم استخدامه كمكان لحبس السجناء السياسيين وسجناء قضايا العنف السياسي. تم إنشاء سجن العقرب في عام ١٩٩١ وتم افتتاحه عام ١٩٩٣. ووفقًا لتقرير نشره المصري اليوم فهو يتكون من ٣٢٠ زنزانة مقسمين على ٤ عنابر، يأخذ كل منها حرف H، يحتوى كل عنبر على ٨٠ زنزانة تبلغ مساحتها ٥,٢ في ٣ وارتفاعها ٣,٥ متر و بكل زنزانة شباك ٩٠ سمفي ٨٠ سم ويرتفع عن الأرض بـ ٢,٥ متر يطل على طرقة سقفها حديد، ويبلغ طول باب الزنزانة مترين، به فتحة مساحتها ٢٠ سم في ١٥. و لا يدخل نور الشمس إلى الزنزانة بشكل مباشر.

وقد وثقت المبادرة المصرية ١١ شهادة شخصية لأهالى السجناء فى سجن العقرب للوقوف على أوضاع الزيارة فى السجن و مدي قدرتهم على إدخال الطعام والملابس لذويهم في ظل تردي الأوضاع داخل السجن، بالإضافة إلى قدرتهم على إدخال الأدوية التى يحتاج اليها السجناء و التى فى أغلب الأوقات هى غير موجودة داخل صيدلية السجن . ناهينا عن كون الزيارة أحد الوسائل القليلة المتوافرة أمام السجناء لايصال الشكاوى من سوء المعاملة بالسجن للعالم الخارجي.

حق الزيارة

رغم نص المادة (٣٨) من قانون تنظيم السجون على حق السجين المحكوم عليه في تلقي الزيارة من أقاربه "مرتين شهريًّا"، فإن واقع الأمر أن إدارة السجن تستطيع أن تمنع الزيارات كما تشاء، كما أن لوزارة الداخلية ومصلحة السجون الحق في منع الزيارات عن سجن معين جزئيًّا أو كليًّا لأسباب تتعلق بالأمن أو الصحة وغالبًا ما يتم التعسف في استخدام هذا الحق حيث لم يحدد القانون الأسباب المبررة لمنع الزيارة على وجه الدقة واستخدام لفظي الصحة والأمن وهي مصطلحات فضفاضة جدًّا.

المادة ٦٠من لائحة تنظيم السجون تنص على حق المحكوم عليه بحكم بسيط (الحبس لمدة لا تجاوز الثلاثة أشهر) أو المحبوسين احتياطيًّا، في أن يزورهم ذووهم مرة في الأسبوع. ومن حق النيابة أو قاضي التحقيق فقط أن يمنعا هذه الزيارة وذلك بالنسبة إلى المحبوسين احتياطيًّا. وقد تم تعديل هذه المادة بقرار رقم ٣٣٢٠لعام ٢٠١٤ الصادر عن وزير الداخلية لتصبح مدة الزيارة الخاصة والعادية ٦٠ دقيقة.

أما عن المواثيق الدولية، فقد ضمنت المادة ٥٨من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة حق السجناء فى الاتصال بذويهم عن طريق المراسلات والزيارات وتنص القاعدة رقم ١٥ من مجموعة المبادئ الخاصة بالأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن الصادرة أيضًا عن الأمم المتحدة على أنه "لا يجوز حرمان الشخص المحتجز أو المسجون من الاتصال بالعالم الخارجي وبخاصة بأسرته ومحاميه لفترة تزيد على أيام".

وبخلاف كل ذلك، قامت إدارة السجن التابعة لوزارة الداخلية بمنع الزيارات تمامًا لمدة شهرين في الفترة ما بين مارس إلى مايو ٢٠١٥، ثم سمحت بالزيارات ثلاثة أسابيع ثم تم منعها مرة أخرى لمدة شهرين، من يونيو ٢٠١٥ حتى أول أسبوع في أغسطس، ثم منعت مرة أخرى لتفتح في ٣ سبتمبر، ثم منعت مرة أخرى لمدة شهرين لتفتح في ٥ نوفمبر، ثم منعت في يناير لتفتح في فبراير بعد ذكرى التنحي. و يعني ذلك أنه في العام الماضي تم منع الزيارة على الأقل لمدة ٢٠ أسبوعًا.

والزيارة في سجن العقرب تتم عن طريق وجود حائل زجاجي بين السجين وأهله وتتم عن طريق سماعات تليفون موجودة على الجانبين، وبالرغم من عدم وجود نص صريح يمنع أن تتم الزيارات بهذا الشكل إلا أن عدم السماح بالاتصال الجسدي المباشر بين السجناء وأسرهم يفرغ هذه الزيارات من الهدف المرجو منها، وهو احتفاظ السجناء بعلاقاتهم بأسرهم وأصدقائهم، وذلك لأن هؤلاء السجناء سيعودون إلى حياتهم خارج السجن بعد قضاء فترة العقوبة وبالتالي لا بد من تقليل الفوارق إلى أقصى حد ممكن بين حياة السجن والحياة في العالم الخارجي لتسهيل عملية إعادة اندماجهم في المجتمع بعد خروجهم من السجن.

وقد ذكرت المادة رقم ٥١ من "التقرير العام الثاني بشأن أنشطة اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب"، أنه لاينبغي فرض أي قيود على اتصال السجين بأسرته وأصدقائه وبالعالم الخارجي إلا بناء على اعتبارات أمنية ذات أهمية قصوى أو ذات صلة بالموارد.

وقد أجمعت الشهادات أنه حين يسمح بالزيارة، تضع إدارة السجن عقبات كثيرة أمام الزيارة. (ل) والدة أحد السجناء تصف الزيارة بأنها تكاد تكون مستحيلة، فبعد فتح الزيارات في فبراير أصبح لا بد من التسجيل قبل الزيارة بـ ٣ أيام وأغلب الأهالى يقضون الليل أمام السجن. تقول (ل): "الناس بتقعد ١٤ ساعة قدام السجن علشان يزوروا دقيقتين بالظبط، همه بيدخَّلوا الناس إللي بتبات قدام السجن، أنا رحت الساعة ٦ علشان الزيارة رفضوا يدخلونى".

(ن) ابنة أحد سجناء العقرب تصف مشقة الزيارة حاليًّا واحتياجهم إلى الذهاب ليلًا وقضاء الليلة أمام السجن، أو قريبًا من الطريق الدائرى بعد رفض إدارة السجن بقاءهم أمامه، فتقول: "الزيارة إللي فاتت رحنا الساعة ١١ بليل ودخلنا لبابا الساعة ٤ ونصف العصر، تاني يوم وقعدنا ١٠ دقائق".

تسطرد (ل) في وصف التغير فى ظروف ووقت الزيارة فتقول: "الزيارة الأوِّل كانت كويسة، كنت بقعد معاه ساعة، وكنت بدخَّل أكل وشرب ويوم ما تضيق أوى بتبقى نصف ساعة، لكن هذا تغير بعد مارس ٢٠١٥ حيث تم إغلاق الزيارات حتى مايو، وبعدها أصبحت الزيارات يتم منعها لفترات تقترب من ٦٠ يوم وإذا ما تم السماح بها تكون لمدة ٥ دقائق أو ١٠ دقائق فى أفضل الأحوال بعد أن كانت من نصف ساعة إلى ساعة قبل مارس". وهي نفس الشهادة التي أفادت بها (س) للمبادرة المصرية.

و ترى (ل) بأن الزيارة يتم منعها ثم بعد الضغط يتم السماح بالزيارة لفترة قصيرة، فيصل الإعلام ويعلن أن الزيارة قد تم فتحها، ومن ثم يتم غلقها مرة أخرى.

الطعام و المياه و الملابس

ووفقًا لشهادات أهالي المسجونين كان يتم اعتماد نظام "الطبلية". حيث تقوم عائلة كل سجين فى الزنزانة بتحضير وجبة تكفي عدد السجناء فى الزنزانة الواحدة وهكذا يصبح لدى السجناء طعام يكفيهم. وعند منع الزيارات، فإن هذا يعني أنه لا فرصة للسجناء في الحصول على طعام إلا عن طريق طعام السجن - والذى أشار الجميع إلى سوئه وإلى قلة كميته أيضًا - أو شراء طعام من كانتين السجن. تقول (ل): "الأكل وحش قوي، في رمضان كانوا بيدخلولهم السحور والفطار سوا على الظهر فا الأكل بيحمض. وفي أول يوم عيد إدولهم بيضة واحدة كفطار". تصف (ل) هذا السلوك بأنه تعذيب ممنهج ضد ابنها وزملائه: "همه عايزين يجوعوهم و يموتوهم". لا يشتكي نجل (ل) من أى مرض ولكنه يشتكي فقط من نقص الطعام ومن ارتفاع أسعار طعام الكانتين، تقول (ل): "الحاجة إللي بـ ٣ جنيه جوه عاملة ١٢، نصف الفرخة عامل ٤٠ جنيه". وتصف (ن) ابنة أحد السجناء حالة والدها الصحية بعد إيقاف الزيارة لمدة شهرين من سبتمبر إلى نوفمبر قائلة: "بابا كان خس جدًّا، بابا فى الأربعينات بس كان منظره ستينات".

وعندما بدأت الزيارات مرة أخرى، وضعت إدارة السجن قيودًا كثيرة على إدخال الطعام.

فتقول (ن): "الأكل إللي بندخله بيبقى عبارة عن معلقتين رز، قطعة لحم صغيرة جدًّا وممنوع ندخل بطاطس، وكله بيتحط على بعضه فى كيس بلاستيك فيتعجن", تضيف(ن): "القطة نفسها ترفض تأكل الأكل ده لما يخرج من الكيس"... تتفق (ف) زوجة أحد السجناء مع (ن) فتقول إن إدارة السجن لا تسمح إلا بدخول بما يسمى "وجبة فرد واحد"، وتتكون من "معلقتين رز وقطعة لحمة صغيرة متكفيش عيل صغير". (ف) تعتبر أيضًا أن إدخال الطعام في كيس هو إذلال للسجناء بالداخل فتقول: "الكيس بيدخل والأكل جواه بمنتهى الإهانة ولو فيه أدوية بتتحط مع الأكل جوه الكيس". ترى (ل) أن: "الهدف هو إذلالنا".

ويعاني الأهالي أيضًا من رفض إدارة السجن مأكولات معينة. تقول (ص) إن الطعام الذي ترسله غالبًا ما يتم رفضه فتقول: "الزيارات آخر بهدلة، وبقوا بيقولوا لأ على كل حاجة، الأكل إللي بيدخلوه مينفعش يكفي حيوانات". تسترسل (ن): "إنه في حالة الموافقة على دخول فاكهة فغالبًا ما تكون أعداد لا تذكر، تفاحة أو برتقانية والباقي بيرجع".

جانب آخر من أهمية الزيارة هو إدخال الملابس للسجناء بخاصة مع دخول فصل الشتاء. وقد كان هناك سماح من إدارة السجن للأهالي قبل مارس ٢٠١٥ بإدخال الملابس التي يحتاج إليها السجناء لكن مع تولى الوزير مجدي عبد الغفار وزارة الداخلية تم القيام بـ "تجريدة" للزنازين وسحب كل ما فيها من متعلقات. تؤكد (ن) أن الزيارات كانت أفضل قبل مارس ٢٠١٥ وأن إدخال الطعام والأدوية وأدوات النظافة الشخصية كان أسهل فتقول: "كان اللبس والأكل بيدخل، حتى بابا احتاج لنضارة نظر جديدة ودخلتهاله". ولكن مع تجريدة مارس تم سحب كل شئ منهم "حتى الشباشب والأطقم الداخلية". وفقًا لـ (ن)، والتى وصفت أول زيارة إلى والدها فى مايو بعد فتح باب الزيارة فتقول: "بابا كان لابس بدلة ميري طويلة قوى عليه، شعره كبير قوى، فيه ناس تانية بدلها كانت مقطعة".

تتحدث (ل) عن تجريدة مارس قائلة: "جردوا الزنازين و أخدوا كل حاجة، ابنى قعد سنة من غير غيار داخلى علشان رفضوا ندخل واحد". وقد حاولت إدخال ملابس لنجلها لكن تم رفض الملابس وإعادتها فتقول: "قبل شتاء ٢٠١٥ جبنا ترينج بالمواصفات إللي همه عايزينها رفضوا يدخلوه".

تقول (ل) إن أحد الضباط من إدارة السجن أخبرها بأنهم يستطيعون شراء ملابس من الداخل، لكنها تقول إن "أسعار الملابس داخل السجن غير منطقية ، التي شيرت الأبيض النص كم بـ ٨٠ جنيه".

وقد كان هناك تعنت فى توزيع بطاطين على السجناء في أثناء الشتاء ولكن مع زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان فى يناير٢٠١٦ تم توزيع بطاطين على السجناء، لكن رغم ذلك استمر التعنت فى إدخال الملابس. تقول (ب): "جوزى بقاله سنة بطقم واحد وغيار واحد، كانوا رافضين يدخلوا أي حاجة بس بعد ضغط، من شهر ( فبراير) عرفت أدخل طقم شتوى".

جانب آخر من معاناة السجناء هو السماح بإدخال الأدوية. ففي كثير من الأحيان يتم رفض إدخال أنواع معينة من الأدوية، أو يتم إرسالها إلى الصيدلية داخل السجن، لكن ليس هناك ضمانة في أن السجين سوف يستلمها بالداخل. حاولت (ص) إدخال بعض أدوية المعدة إلى ابنها الذي اشتكى من ألم فى معدته لفترة، وقد تسلمت إدارة السجن الدواء منها، لكن حينما قابلت ابنها، قال إنه لم يتسلم أى أدوية، تختتم (ص) شهادتها قائلة: "ابنى كان زي الفل، دلوقتي بروح أشوفه وأحزن عليه وأمشي، بقى أصفر زي الليمونة ومش عارف يقف".

عائلة أخرى قاست من منع الزيارة وعدم دخول الأدوية، هي عائلة السجين (ع). بدأ (ع) الشكوى من معدته فى يناير، تقول زوجته: "كنا بندخلُّه أدوية تقوي معدته لكن لما الزيارة اتمنعت الأدوية كمان اتمنعت". حينما تم السماح بالزيارة تقول زوجة (ع) إنه كان مريضًا جدًّا ويبدو عليه الضعف: "كان ممنوع ندخل لبس أو أكل وشفته، كان خاسس قوى وتعبان ودقنه طويلة". لاحقًا تُوفي (ع) نتيجة لسرطان القولون وقد أفردت المبادرة المصرية تفاصيل أكثر عن تلك القضية فى تقريرها عن الإهمال الطبي فى السجون.

الطعام و القانون المصري

ترتبط الزيارة بإدخال الطعام و المياه و الملابس إلى السجناء. وقد اهتم قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية بهذا الأمر ولكن الحد الأدنى المنصوص عليه بهما لا يتم تطبيقه. فلائحة تنظيم السجون، التي جاءت لتفسير القانون قد أُفرد بها ٣٦ مادة توضح واجبات ومسؤوليات طبيب السجن تبدأ من المادة رقم ٢٤ وتنتهي بالمادة رقم ٥٩، تلك الواجبات والمسؤوليات التي من بينها مراقبة صلاحية الأغذية والملابس والمفروشات المخصصة للمسجونين، وكفايتها وملاحظة نظافة الورش وعنابر النوم وجميع أماكن السجن. كما أن لائحة السجون قد نصت فى مادتها ٨٣ على حق المسجونين احتياطيًّا في الحصول على أثاث لغرفته ومنها سرير وبطانية للشتاء.

وقد نصت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء في القاعدة رقم ٢٢ على حق السجناء في الحصول على وجبة غذائية متكاملة، نفس الشئ أكدت عليه القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء والتي كانت حريصة في القاعدتين ١٩ ، ٢٠ على النص على ضرورة توفير أَسِّرة للمساجين وثياب نظيفة ووجبات طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحة السجين وقواه ولا بد أن يكون هذا الطعام جيد الإعداد والتقديم. كما كانت حريصة على النص على ضرورة أن تتوفر للسجين المياه الصالحة للشرب كلما احتاج إليها.

وليس ما جاء بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء وبالدستور والقانون واللائحة، هو فقط الذي لا يجد طريقًا إلى التطبيق على أرض الواقع بالسجون بل إن هناك العديد من القرارات الوزارية الصادرة بشأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم، هي الأخرى مجرد حبر على ورق.

فقرار وزير الداخلية رقم ٦٩١ لسنة ١٩٩٨ في شأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم، يحدد الحد الأدنى المقرر للمسجونين من الأثاث والملابس وأدوات المعيشة، والحد الأدنى من ملابس المسجونين المرضى بمستشفى السجن، وملابس المسجونات المحكوم عليهن، والمحبوسات احتياطيًّا من النساء، ويحدد الحد الأدنى الواجب صرفه للمسجونات المريضات، ويحدد ملابس الأطفال الرُّضع، كما يحدد الحد الأدنى من مقرر الأغذية للمسجونين بالثلاث وجبات: الإفطار والغداء والعشاء، ويحدد المقرر من أغذية لمرضى القلب وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم، ويحدد مقرر أغذية الأطفال الرضع من سن ٦ أشهر حتى سنة.

المعاملة للأهالي في التفتيش

تنص القاعدة ٥٩ من قواعد الحدود الدنيا لمعاملة السجناء على أن يكون دخول الزائرين مرتهنًا بتفتيشهم وأن لهم الحق في سحب تلك الموافقة في أى وقت ولإدارة السجن الحق في منعهم من الدخول أيضًا لكن في نفس الوقت تنص القاعدة على أنه لا يجوز بأى حال من الأحوال أن تكون إجراءات تفتيش الزائرين ودخولهم مهينة.

وفي الواقع فإن سجن العقرب قد تحول إلى عقاب للسجناء وزائريهم أيضًا، فوفقًا للشهادات فالإهانة في التفتيش وفي أثناء التواجد داخل السجن هو الأمر المتعب في التعامل معهم. تقول (ن): "بيدايقونا في التفتيش قوى، آخر مرة بسأل الظابط بقوله: لو سمحت. قام زعقلى وقاللي: إسكتى، وأقفي جنب الحيط". كما شهدت (ن) بأنها رأت حالات اعتداء بدني من ظباط شرطة على أهالي معتقلين، اعترضوا على أسلوب التعامل معهم فتقول: "لما الزيارات بتتمنع فترة أول زيارة تتفتح بيبقى فيها ناس كتير، ومرة بنت زعقت فيهم، قام الظابط ضربها هي وأختها". تؤكد (ل) أيضًا على إحساسها بالإهانة من التفتيش: "التفتيش عبارة عن بهدلة وقلة أدب ويكاد يكون تحرش". تؤكد (ف) أيضًا إحساسها بالإهانة من طريقة التفتيش فتقول: "إذا سمحوا لينا بالزيارة، التفتيش بيكون في منتهى المهانة". تتفق مع (ف) أخت لسجين آخر (ث) والتى ترى أن التفتيش يكون عملية طويلة ومهينة فتقول: "التفتيش بيكون أقذر ما يكون".

كما بعاني الأهالي من سوء المعاملة في أثناء الزيارة أيضًا. تروي(ن) كيف أن أختها الصغيرة طلبت من الظابط المسؤول عن الزيارة أن تحتضن والدها، فما كان منه إلا أن أخبرهم أن الزيارة انتهت بعنف: "رزع الباب في وشنا وقاللنا الزيارة خلصت وقطع المكالمات علينا".

المجلس القومي لحقوق الإنسان

و تعد زيارات جهات خارجية مستقلة للسجن من أهم ضمانات حماية حقوق السجناء، ولم يوجد نص من قبل عن زيارات المجلس القومي لحقوق الإنسان للسجون وكانت تتم كلها فقط بعد الحصول علي إذن من النيابة العامة ووزارة الداخلية، ونصت المادة(٧٣) على أن "لأعضاء المجلس الحق في الزيارة فقط بعد موافقة النائب العام"، وبالطبع فإن للنيابة العامة الحق في أن ترفض إعطاء تصريح الزيارة كما تشاء. واشترطت المادة الجديدة أيضًا على أن زيارة المجلس تتم وفقًا للإجراءات القانونية والضوابط التي تحددها اللائحة الداخلية، ويعني ذلك فعليًّا الحصول على إذن مسبق من وزارة الداخلية والتنسيق معها وتحديد وقت وميعاد الزيارة المرجو القيام بها.

و يعكس ذلك واقع زيارات المجلس التي كانت تعتمد تمامًا على مدى تعاون وزارة الداخلية مع الأعضاء رغم حصولهم على إذن من النيابة، وقد رأينا جميعًا مدى صورية زيارات المجلس القومي لحقوق الإنسان ومدى تعنت وزارة الداخلية في السماح لهم بزيارة سجون بعينها وزيارة أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن العقرب ليست بالبعيدة حيث انتظر المجلس حوالي ستة أشهر بين طلبهم للزيارة والقيام بها فعلًا وسيطرة وزارة الداخلية على ماجريات الزيارة جعلتها زيارة للعاملين بالسجن وليست زيارة للسجن والمساجين وتفتيش للوقوف على أوضاعهم وأوضاع السجن وإذا كانت هناك إرادة من المشرع لأن يأتي بجديد في هذا الإطار لكان أعطى الحق لأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان في التفتيش على السجون دون الحصول على إذن مسبق، ورغم صورية الكثير من هذه الزيارات فليس هناك بديل من المجلس القومي لحقوق الإنسان على الأقل في الوقت الراهن.

برغم أن المجلس القومي لحقوق الإنسان ليس لديه الحق في الرقابة على السجون أو الزيارة المفاجئة إلا أنه كان هناك زيارتان من المجلس للعقرب بإذن من النائب العام وبالتنسيق مع إدارة السجن. وقد كان لزيارات المجلس أثر في حصول المساجين على حق من أبسط الحقوق المقررة لهم قانونيًّا وهو حصولهم على بطاطين فتقول (ن): "اللبس كان خفيف جدًّا وهمه مدخلوش بطاطين إلا في يناير مع زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان". ومن الضروري ومن الواجب أن يتم محاسبة المسؤول عن عدم حصول السجناء على حقوقهم القانونية حتى لا يتكرر الأمر وحتى لا يصبح الحق منحة مرتبطة بزيارات المجلس تستطيع الإدارة منعها كيفما تشاء دون مساءلة وحتى لا يكون الغرض من توفير أبسط الحقوق للسجناء مع زيارات المجلس لتجميل الصورة فقط.

الزيارة الأولى للمجلس كانت فى الأسبوع الأخير من أغسطس ٢٠١٥ وكان المجلس قد تلقى شكاوى من أهالى السجناء بعدم السماح بدخول الأطعمة وبقِصَر وقت الزيارة بالإضافة إلى منعها لفترات طويلة.

وقد أصدر المجلس تقريرًا بعد الزيارة أوضح فيه أنه بمناظرة سجلات زيارات أحد السجناء من مقدمي الشكاوى تبين أنه قد قام اهله بزيارته فى تلك الفترة. وجدير بالذكر أنه وفقًا لشهادات أهالي السجناء، فإدارة السجن تقوم باستلام تصريح الزيارة منهم لكنها لا تمكنهم فعليًّا من الزيارة وذلك حتى يظهر في السجلات أنهم قد قاموا بالزيارة. تشرح (ل) نمط رفض الزيارات بعد ذلك فتقول: "الزيارات بعد كده بقت بتقفل بس مش رسمي، يعني تروح تاخد التصريح وتروح السجن فياخد منك التصريح ويقول مفيش زيارات النهارده، تطلب التصريح يقولك لأ، علشان يثبتوا إن الزيارات شغالة".

ثم كانت الزيارة الثانية فى الأسبوع الأول من يناير ٢٠١٦ والتي أوصى فيها المجلس بضرورة الالتزام بلائحة السجون فيما يتعلق بالمدة المقررة للزيارة، والتى أشاد فيها التقرير الذي أصدره المجلس باستجابة إدارة السجن لتوفير الأسرة والمراتب والبطاطين. والجدير بالذكر أن الزيارتين كانتا بالتنسيق ومعدة مسبقًا بالتعاون مع وزارة الداخلية وهو الأمر الذي يختلف عن شروط الزيارة والتى أفرغت لها المبادرة تقريرًا خاصًّا بعنوان: "سجون مصر: انتهاكات ومخالفات دون حساب: كيف يمكن أن تساهم تقارير زيارات السجون في تحسين أوضاعها المتدهورة؟"

التوصيات

تتقدم المبادرة المصرية بالتوصيات الآتية من أجل تمكين السجناء وذويهم من حقوقهم التي نص عليها القانون المصري والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر وتمكينهم من حقهم فى الزيارة وتحسين الظروف العامة لسجن العقرب:

 

  • على إدارة سجن العقرب التنفيذ الفوري للقانون فيما يتعلق بالزيارات وإتاحتها مرتين شهريًّا للمحكوم عليهم بالسجن ومرة واحدة أسبوعيًّا للمحبوسين احتياطيًّا والمحكوم عليهم بالحبس البسيط ولمدة ٦٠ دقيقة للجميع بدون قيود أو شروط أو بدون حائل بين السجناء وذويهم.
  • على إدارة سجن العقرب توفير حقوق السجين وفقًا للقانون المصري وتحسين ظروف أماكن الاحتجاز فيما يتعلق بالمعيشة، بتفعيل كل ما جاء بقرار وزير الداخلية رقم ٦٩١ لسنة ١٩٩٨ في شأن كيفية معاملة المسجونين ومعيشتهم وإعطاء الحق للسجناء بالتريض والمياه النظيفة والطعام الذي يضمن لهم صحة جيدة.
  • علي على إدارة سجن العقرب توفير أماكن لائقة وملائمة لإنتظار الزائرين.
  • على النيابة العامة القيام بدورها في التفتيش والرقابة مرة على الأقل شهريًّا إعمالًا للدستور والقانون الذي يوجب على أعضائها الإشراف على السجون والتفتيش عليها وذلك لضمان تمكين السجناء من حقوقهم والتى من ضمنها الزيارة والتحقيق الجدي فيما يوجد بالسجون من جرائم ومخالفات ومحاسبة مرتكبيها.
  • إنشاء آلية وطنية مستقلة تتكون من منظمات المجتمع المدني لمراقبة أماكن الاحتجاز، لها حق الزيارة المفاجئة والتفتيش على السجون وذلك للتأكد من أن ظروف أماكن الاحتجاز تتماشى مع القواعد الدولية المتعلقة بأماكن الاحتجاز.
  • عدم الاكتفاء بطبيب واحد لكل سجن والعمل على أن يكون عدد الأطباء متناسبًا مع عدد سجناء السجن وتعيين أطقم طبية معاونة "تمريض" بحيث يحصل كافة السجناء على الرعاية الطبية المناسبة.
  • وأخيرًا تطالب المبادرة المصرية النيابة العامة بعدم استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة وامتدادها لمدد غير منطقية وغير مبررة، قد تصل إلى سنتين بدون محاكمة، لِما يتسبب ذلك في ازدياد فرص الانتهكات ضد المحبوسين.