إعدامات قضية إستاد كفر الشيخ العسكرية ظلم محقق و توسع في إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية وأحكام الإعدام
بيان صحفي
أدانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حكم المحكمة العسكرية بالإسكندرية الصادر يوم 2 مارس بإعدام سبعة مواطنين، ضمن القضية رقم 22 لسنة 2015 جنايات عسكرية طنطا والمعروفة إعلاميًّا بقضية إستاد كفر الشيخ. وطالبت المبادرة المصرية بعدم التصديق على الحكم وأكدت على موقفها الرافض للمحاكمات العسكرية للمدنيين وطالبت بإعادة محاكمة المتهمين أمام المحكمة المدنية المختصة مع توفير كافة ضمانات المحاكمة العادلة لهم وفتح تحقيق عاجل ومستقل فيما تعرض له خمسة من المتهمين من تعذيب وإخفاء قسري .
يأتي حكم قضية إستاد كفر الشيخ وسط تزايد في إصدار أحكام الإعدام التي وصلت إلى ٣٢ حكمًا على الأقل في العامين الماضيين - منهم ثلاثة قضايا أمام المحاكم العسكرية - شملت 1200 شخص وتزايد لجوء السلطات إلى المحاكمات العسكرية.
وتخشى المبادرة بشدة أن يكون مصير المحكوم عليهم بالإعدام يوم 2 مارس مماثلًا لما جرى في قضية عرب شركس. عندما قررت المحكمة العسكرية في القاهرة في يوم 25 أغسطس 2014 إحالة أوراق سبعة من المتهمين التسعة إلى المفتي، منهم واحد غيابي ووافق المفتي على أحكام الإعدام بعدها بشهرين فصدر الحكم يوم 21 أكتوبر 2014 وصدق وزير الدفاع عليه وتم رفض طلب الطعن في يوم 24 مارس 2015 وتم تنفيذ الإعدام بالشنق في 17 مايو 2015 على ستة من المحكوم عليهم.
كما أن هناك قضية أخرى يتعرض فيها متهمون للإعدام في القضية المعروفة إعلاميًّا بالعمليات المتقدمة 174 لسنة 2015 جنايات عسكرية، أحيل فيها أوراق ٨ متهمين إلى المفتي ومنتظر الحكم فيها سواء لتأكيد عقوبات الإعدام أو تخفيفها يوم ٣ إبريل ٢٠١٦.
تتسم المحاكمات العسكرية في مصر بالسرعة الفائقة التي قد تؤثر بشكل جدي في استيضاح الحقائق والتيقن منها وتحرم المتهم من حقه في الوقت الكافي لتحضير دفاعه وعرضه وكلها أمور قد تشكل تأثيرًا سلبيا في النتيجة النهائية للمحاكمة. بعد صدور الحكم يعرض على وزير الدفاع للتصديق عليه وفي أحكام الإعدام يلزم أن يتم عرض ملف القضية على المحكمة العليا للطعون العسكرية.
في ظل التوسع في اختصاصات القضاء العسكري قامت النيابة العامة في 19 إبريل 2015 بإحالة قضية إستاد كفر الشيخ إلى النيابة العسكرية. وقد اتهمت النيابة العسكرية 16 شخصًا وفقًا ﻷمر الإحالة في القضية بالقتل العمد لثلاثة طلاب بالكلية الحربية، والشروع في قتل طالبين آخرين نتيجة التفجير الذي حدث في مكان دخول طلبة الكلية الحربية يوم 15 إبريل 2015 بإستاد كفر الشيخ، وانتهت بالإحالة إلى دوائر الجنايات بالقضاء العسكري قبل نهاية يوليو ٢٠١٥.
وذلك رغم أن التحريات العسكرية التي أجرتها المنطقة الشمالية العسكرية بخصوص الواقعة، أقرت بأنها "لم تتوصل لمرتكب الواقعة نظرًا لعدم وجود كاميرات بمكان الحادث، وأن الكاميرا رقم (1) ... يصعب من خلالها تحديد مرتكبي الواقعة نظرًا لبعد المسافة ووجود عوائق رؤية." ومن ضمن المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام فكيه عبد اللطيف الذي يعمل مدرس علوم بمدرسة الشهيد أحمد سعد الديهي الإعدادية بشنو بمحافظة كفر الشيخ، وتحتفظ المبادرة بإفادة رسمية مختومة بختم النسر من ديوان المحافظة والإدارة التعليمية بها أنه كان متواجدًا بالمدرسة يوم الحادث 15 إبريل 2015، وقام بجميع أعماله المدرسية ولم يغادر المدرسة في ذلك اليوم، وهو ما يخالف ما جاء في قرار الاتهام من نيابة طنطا العسكرية للمواطن فكيه، والذي ادعت فيه تواجده في موقع الحادثة ومشاركته في التفجير.
الاختفاء القسري و انتهاك حق الدفاع:
ورصدت المبادرة المصرية في قضية إستاد كفر الشيخ العديد من الانتهاكات لحقوق المتهمين وفقًا للدستور المصري وقانون حقوق الإنسان الدولي.
فقد تعرض خمسة من المتهمين للاختفاء القسري من قبل الشرطة، أربعة منهم في يوم 19 إبريل 2015، والخامس أحمد عبد المنعم سلامة في 20 إبريل 2015 من مقر عمله حيث نفت أقسام شرطة كفر الشيخ التابع لها المتهمون احتجازهم رغم وجود شهود على القبض عليهم من قبل الشرطة، ورفضت السلطات الإفصاح عن مكان تواجدهم أو مصيرهم. وحصلت المبادرة على نسخ من محاضر اﻷمن الوطني في ضبط أربعة منهم، وبها تواريخ ضبط مغايرة بعد أكثر من شهرين من تواريخ القبض الحقيقية.
وتفيد شهادة ﻷحد المواطنين موثقة بمكتب توثيق كفر الشيخ، قيام قوات الشرطة بإلقاء القبض على لطفي إبراهيم إسماعيل خليل، أمام أحد المحلات التجارية في قرية شنو بكفر الشيخ في 19 إبريل 2014. وقامت القوات بإخفائه قسريًّا من حينها، ولم يتمكن ذووه من التواصل معه، ولا معرفة مكان احتجازه. وتم عمل محضر ضبط للمواطن لطفي من قبل اﻷمن الوطني في 30 يونيو 2015.
وقد قام ذوو المتهمين بتقديم بلاغات إلى النائب العام عقب اختفائهم، مثل البلاغ المقدم للنائب العام بتاريخ 6/5/2015 رقم 3563 إداري قسم كفر الشيخ، والخطاب الموجه إلى محامي عام نيابات كفر الشيخ بتاريخ 25/5/2015 برقم 1345 تظلمات. ولم يتم التحقيق في البلاغات المقدمة من الأهالي التي تتهم ضباط الشرطة بالاختطاف والتعذيب، بل تم حفظ البلاغ في 12 ديسمبر 2015 إداريًّا دون توجيه اتهامات.
بعد 76 يومًا علم أهالي المختفين عن طريق أهالي سجناء آخرين بتواجد ذويهم في سجن طنطا، ولم يتمكنوا من رؤيتهم سوى بعد 93 يومًا بعد انتهاء تحقيقات النيابة العسكرية معهم. ولم يتم تمكين المحامين من الحضور في التحقيقات التي أجرتها النيابة العسكرية معهم في خرق واضح لحقوق الدفاع. إذ تم التحقيق معهم خلال فترة اخفائهم قسريًّا عندما كان أهاليهم والمحامون يبحثون عنهم، عن طريق تقديم بلاغات. ولكن النيابة العسكرية انتدبت محاميًا يحضر عن المحامين وحصلت مشادات بينه وبين المتهم لطفي، على حسب كلام والده لأنه لم يكن يقوم بدوره تجاه المتهمين ومع أول جلسة عسكرية بشهر أكتوبر حضر محامي المتهمين.
ووفقًا لـبلاغات اﻷهالي التي حققت فيها النيابة العامة فقد اشتكى اﻷهالي ما وصلهم من سجناء سابقين، من تعرض ذويهم المختفين للعديد من صنوف التعذيب الشديد وسوء المعاملة. وهو ما تأكد بعدها في الشهادة الشخصية لبعض الحالات بعد ظهورها مثلما حدث للمتهم (لطفي) من ضرب مبرح وتعذيب بالكهرباء في اﻷعضاء التناسلية، وتهديدات جنسية بالاعتداء على اﻷم واﻷخت، اضطر على إثرها إلى إبلاغهم بأنه على استعداد للتوقيع على أي شئ. ووفقًا لشهادته التي كتبها وهو في الحبس، وأعطاها لذويه في أول زيارة تمكنوا فيها من رؤيته، وتحتفظ المبادرة بنسخة ورقية كاملة بخطه منها. فقد مرَّ لطفي خلال أيام اختفائه على قسم أول مدينة نصر، وهو ما تعرض فيه للتعذيب في البداية، ثم كانوا يأخذونه ليلًا إلى أمن الدولة والمخابرات، وفقًا لشهادته، وقام ضابط المخابرات بأخذه إلى موقع الحادثة أمام إستاد كفر الشيخ، وتصوير فيديو، اعترف فيه لطفي بارتكاب الجريمة تحت ضغط التعذيب.
ورغم عمل النيابة العامة محاضر بشأن الاختفاء القسري والتعذيب وسؤال مقدمي البلاغات من بعض اﻷهالي مثل محضر رقم 3563 لسنة 2015 نيابة كفر الشيخ أول، وتسجيل شكاوي التعذيب التي وردت إلى اﻷهالي من مواطنين خرجوا من مقر اﻷمن الوطني، إلا أنه تم حفظ التحقيق فيها في النهاية.
المحاكمات العسكرية للمدنيين في قانون حقوق الإنسان الدولي:
المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة في إفريقيا 2003 - التي تعد توجيهات للدول التي وقعت علي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب - تحظر تمامًا محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وتنص على أن اختصاص المحاكم العسكرية يجب أن يقتصر على الأفراد العسكريين.
المادة ١٤ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي أصبحت مصر طرفًا فيه عام ١٩٨٢ تكفل حق المحاكمة العادلة أمام محكمة "مستقلة حيادية". ولكن لا تتوفر ضمانات الاستقلال في القضاء العسكري المصري لأنه يقوم علي شأنه هيئة تتبع لجهة تنفيذية وهي وزارة الدفاع، وميزانيتها تابعة لوزارة الدفاع. أحكام المحاكمات العسكرية ليست نهائية حتى تصدق عليها الجهة التنفيذية، والقضاة خاضعون لأحكام الخدمة العسكرية.
وتقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنيــة باستقلال القضاة والمحامين، جابرييلا كنول، في تقريرها المقدم للجمعية العامة بالأمم المتحدة في ٢٠١٣، إن "ممارسات الـدول تظهـر اتجاهًـا يرمـي إلى الحـد مـن الاختـصاص الشخـصي للمحاكم العسكرية على الجرائم والمخالفات المتعلقة بالانضباط، التي يـُدَّعى ارتكابـها مـن قبـل أفـــراد عـــسكرين أثنـــاء الخدمـــة. و تضيف في الفقرة الـ٣٨:
"ويتطلب مبدأ الفصل بين السلطات أن تكون المحاكم العسكرية منفصلة مؤسـسيًّا عـن الفـرعين التنفيـذي والتـشريعي للـسلطة، بغيـة تجنـب أي تـدخل في عمليـة إقامـة العـدل، بمـا في ذلك التدخل من قِبَل السلطات العسكرية. وفي هذا الصدد، ينص المبدأ رقم ١٣ من مـشروع المبادئ التي تحكم إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية على أن يُكفل للقـضاة العـسكريين مركـز يـضمن اسـتقلالهم وحيـادهم، ولا سـيما في مواجهـة التسلـسل الهرمـي للقيـادة. ويـشير التعليق علـى هـذا المبـدأ إلى وجـوب حمايـة اسـتقلال القـضاة الـذي يكفلـه القـانون في مواجهـة التسلسل الهرمي العسكري حماية دقيقة وتجنب أي تبعيـة مباشـرة أو غـير مباشـرة، سـواء كـان الأمــر يتعلــق بتنظــيم وســير نظــام العدالــة نفــسه أو مــن حيــث تطــور الحيــاة المهنيــة للقــضاة العسكريين".
و تشير المقررة الخاصة في الفقرة ٤٩ إلى المبـدأ رقـم ٥ مـن مـشروع المبـادئ الـتي تحكـم إقامـة العدل عن طريق المحاكم العسكرية، التي تنص علـى أنه "لا يجوز من حيث المبدأ أن تملك المحـاكم العـسكرية اختـصاص محاكمـة المـدنيين، وعلـى أن تكفـل الدولـة محاكمـة المـدنيين المتـهمين بارتكـاب أفعـال جنائيـة في المحـاكم المدنيـة. ووردت إشارة في التعليـق علـى ذلـك المبـدأ، إلى أن ممارسـة محاكمـة المـدنيين في المحـاكم العـسكرية تـثير مـشاكل خطـيرة فيمـا يتعلـق بإقامـة العدالـة علـى نحـو يتـسم بالإنـصاف والحيـاد والاسـتقلال، وكثيرًا ما يُبَرر ذلك بـضرورة تفعيـل إجـراءات اسـتثنائية لا تتوافـق مـع المعـايير العاديـة للعدالـة".
وأصبحت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة المختصة بتفسير العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية تدعو الآن الدول التي تظهر أمامها لمناقشة تقريرها الدوري بإنهاء محاكمة المدنيين أمام المحاكمات العسكرية. و تقول اللجنة في الفقرة ٢٢ من تعليقها العام على المادة ١٤:
"محاكمـة المدنيين في المحاكم العسكرية يجـب أن تكـون مـن بـاب الاسـتثناء، بمعـنى أن يقتـصر ذلـك علـى الـدعاوى الـتي تـستطيع فيهـا الدولـة الطـرف في العهـد، إثبـاتَ أن اللجـوء إلى تلـك المحاكمـات ضروري وله ما يبرره من أسباب موضوعية وجديـة، وعلـى الحـالات الـتي تعجـز فيهـا المحـاكم المدنية العادية عن إجراء المحاكمات بسبب الفئة التي ينتمي إليهـا الأفـراد وفئـة تـصنيف الجـرائم قيد النظر. ولذا تتحمل الدولة الطرف التي تلجأ إلى المحـاكم العـسكرية لمحاكمـة المـدنيين، فيمـا يتعلق بفئة معينة من الأفراد، عبءَ إثبات ما يلي: أ (عجـز المحـاكم المدنيـة العاديـة عـن إجـراء المحاكمات؛)، ب (أن البـدائل الأخـرى مـن المحـاكم الخاصـة أو المحـاكم المدنيـة ذات الإجـراءات الأمنية المشددة لا تفي بذلك الغرض؛)، ج (أن المقاضاة أمام المحـاكم العـسكرية تكفـل الحمايـة الكاملة لحقوق المتهمين بموجب المـادة ١٤".