الأمم المتحدة تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتدعوها لزيادة الاستثمار في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
بيان صحفي
مَثُلَت مصر، للمرة الأولي منذ قرابة العشر سنوات، أمام لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة، المختصة بمراجعة التزام الدول الموقعة على العهد الدولي. حيث أتي أداء الوفد الرسمي ضعيفا، بدءا من تواضع مستوي التمثيل الرسمي، مرورا بعدم تحديث المعلومات والإحصاءات المتضمنة في التقرير الحكومي و إنتهاءً بالاستشهاد بسياسات وبرامج تنتمي في مجملها لحقبة مبارك، في تجاهل للملايين التي تدافعت في الخامس والعشرين من يناير 2011 لتزيحه وتزيح معه عهدا من الإفقار والتهميش والقمع.
أصدرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية نتائج استعراضها لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان الأسبوع الماضي. وقد قامت اللجنة بتسجيل مجموعة من الهواجس المتعلقة بالتمتع بهذه الحقوق داخل مصر، بدءا من ارتفاع معدلات البطالة، وازدياد النقص في الأمن الغذائي، وعدم توفّر السكن بأسعار معقولة، ووصولاً إلى الانخفاض في تغطية التأمين الصحي، وعدم كفاية برامج المساعدة الاجتماعية. ومن القضايا الرئيسية التي شملتها هذه المخاوف، ضعف الحماية القانونية لحقوق الإنسان في مصر، والنقص في الاستثمارات طويلة الأمد في القطاعات الاجتماعية الهامة، واستبعاد المجتمع المدني والمجتمعات المحلية من عملية صنع السياسات.
وخلصت اللجنة إلى أن مصر لا تستثمر في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل كاف، وأعربت عن قلقها إزاء التفاوتات الواسعة في توفر الخدمات الأساسية. كما لاحظت أن مخصصات الميزانية تنخفض باستمرار، خاصة في مجال الصحة والتعليم والسكن والمياه والصرف الصحي والضمان الاجتماعي، ما "أدى إلى التراجع في التمتع الفعلي بالحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي، الذي يؤثر بشكل غير متناسب على الأفراد والجماعات المحرومة والمهمشة". وانتقدت أيضا التخفيضات في دعم المواد الغذائية و"تزايد اللجوء إلى الضرائب غير المباشرة *، من دون تقييم مسبق لأثارها على حقوق الإنسان التي يحتمل أن تكون شديدة ومن دون دراسة متأنية للبدائل الأكثر إنصافا لتحصيل الإيرادات".
في ضوء ذلك، أوصت اللجنة بأن تقوم مصر بتعزيز تشريعاتها الرامية إلى مكافحة الفساد، مع الأخذ بعين الاعتبار التزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان عند التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية، من أجل ضمان عدم تعرّض حقوق الإنسان للأذى، وخاصة للفئات الأكثر فقرا.
وحددت اللجنة مجموعة متنوعة من الحقوق التي لا تتمتّع بالحماية القانونية الكافية بموجب القانون المصري. وفي معرض انتقادها لقانون العمل في مصر، الذي يحد من حرية التكوين والتعددية للجمعيات والنقابات و إتحاداتها ويفرض قيوداً على الحق في الإضراب، طلبت اللجنة من مصر أن تقوم بتعديل قانون العمل وقانون النقابات، على سبيل المثال لا الحصر. كما أعربت عن قلقها من أن انخفاض "الحد الأدنى للأجور في القانون لا يشكّل ضمانة لمستوى معيشي لائق وهو غير مرتبط بمعدلات التضخم"، و"لا ينطبق سوى على القطاع العام "، مشيرة أيضاً إلى عدم وجود ضمانات كافية لتنظيم أحوال الأعداد الكبيرة من العاملين في القطاع غير الرسمي.
كما طلبت اللجنة من مصر أن تشرّع حقاً قانونياً لضمان الحيازة، لمكافحة الممارسة "واسعة النطاق" لعمليات الإخلاء القسري، ومن أجل توفير التعويض المادي والمعنوي للأفراد والأسر التي تعرضت لهذه الممارسة. بالإضافة إلى ذلك، قامت اللجنة بالإشارة إلى مكامن الخلل في تنفيذ التشريعات، ووضعت توصية بأن تقوم مصر بضمان تحسين إنفاذ العقوبات القانونية لمعالجة ارتفاع نسبة عمالة الأطفال، والعنف ضد المرأة، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث(ختان الإناث)، على سبيل المثال. وأثارت اللجنة هاجساً إضافياً يتعلّق بالفشل في حماية أماكن العبادة، ولا سيما الكنائس القبطية.
وانتقدت اللجنة بشدة التمييز الواسع والمنتشر ضد المرأة وتحديدا في مجالات التمثيل السياسي وانخفاض الأجر وانحصار أغلب فرص العمل في القطاع غير المنظم. وانتقدت اللجنة أيضا التمييز ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية. وأوصت اللجنة الحكومة المصرية باتخاذ حزمة من الإجراءات التشريعية المؤقتة لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في مجالات عدة، لاسيما في المساواة في العمل والمشاركة السياسية بما في ذلك عضوية مجلس النواب.
وأكدت اللجنة مراراً على الحاجة لمزيد من الشفافية والمشاركة في اتخاذ القرار وعملية صنع السياسات المرتكزة على المعلومات. وعلى وجه الخصوص، أوصت بأن تتاح للمجتمع المدني قنوات للمشاركة في صنع وصياغة الميزانية والسياسات العامة بشكل جاد، كما دعت إلى تحسين عملية جمع البيانات المفصلة المتعلقة برصد تنفيذ القوانين والسياسات ذات الصلة. على سبيل المثال، حثت اللجنة مصر على "تطوير سياسة سوق متماسكة لمعالجة البطالة، وذلك بالتشاور مع المجتمع المدني"، ولا سيما تلك التي تستهدف النساء والشباب.
جاءت توصيات اللجنة بعد فحصها للتقارير الدورية التي قدمتها الحكومة المصرية (من التقرير الثاني إلى الرابع والمقدمين بشكل مشترك) وبعد حوارها مع الوفد المصري الرسمي، يوم ١٤ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٣، الذي ضم عدداً من الدبلوماسيين من البعثة المصرية في جنيف، وممثلين عن وزارات الصحة والتعليم والتعاون الدولي، وكان برئاسة مساعد نائب وزير الشؤون الخارجية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني. وقد انتقدت اللجنة الوفد الذي لم يوفر أحدث المعلومات عن الحالة التي وصلت إليها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، استفاد أعضاء اللجنة من التحليل المفصل الوارد في تقرير المجتمع المدني المشترك، الذي أقرّه ائتلاف واسع يتشكّل من ٥٨ منظمة مجتمع مدني وطنية ودولية وتم تقديمه إلى اللجنة قبل إجراء الحوار.
وتؤكّد النتائج التي توصلت إليها اللجنة على أن فشل الإدارات المتعاقبة بعد الثورة باتخاذ خطوات ناجعة لمعالجة غياب العدالة الاجتماعية الذي أشعل الثورة - وانعدام العدالة في العمل والسكن والرعاية الصحية والتعليم ومستويات المعيشة - لم يكن خيانة لمطالب الثورة فحسب، بل قامت أيضاً بانتهاك التزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان. فهناك حاجة لتدابير ملموسة، مثل الإصلاح التدريجي للسياسات المالية، للتمكن من مواجهة الظلم الاجتماعي الراسخ الذي تميّز به عهد مبارك. إن تنفيذ توصيات اللجنة ستكون خطوة هامة نحو تحقيق هذه الإصلاحات الأساسية، وللسير على مسار تحقيق مطالبات الشعب المصري بالعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية.
المنظمات الموقعة:
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية
المركز المصري للاصلاح المدني والتشريعي
شبكة حقوق الارض والسكن –التحالف الدولي للموئل
مؤسسة المرأة الجديدة
نظرة للدراسات النسوية
الجمعية المصرية للحقوق الجماعية
مؤسسة الشهاب للتنمية الشاملة
جمعية التنمية الصحية والبيئية ( أهيد )
مؤسسة البيت العربي لحقوق الانسان