تعليق المبادرة المصرية حول مشروع قانون التظاهر: رفض محاولات تقييد الحق في التظاهر والتجمع السلمي الذي هو أهم مكتسب ديمقراطي عقب اندلاع ثورة 25 يناير

بيان صحفي

2 مايو 2013

رفضت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مشروع القانون المقدم من وزارة العدل، لتنظيم الحق في التظاهر شكلًا وموضوعًا، ورفضت أيضًا فلسفة القانون المقيِّدة للحق في التجمع والتظاهر. كذلك اعترضت على نصوص القانون التفصيلية والتي تضمنت انتهاكاتٍ  للحق في التظاهر والتجمع السِّلمي وللحق في الحياة، وهو ما تعرض له بالتحليل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مخاطبته السابقة لوزارة العدل.

التظاهر حق ونشاط ديمقراطي صحي إيجابي، يحتاج إلى الحماية وليس التقييد القانوني.  وما يحتاج إلى الضبط والتقييد القانوني  هو تدخل السلطة  في التجمعات السلمية، ومحاولاتها الدائمة لفرض سيطرتها على المجال العام، وقيامها باستخدام القوة في التعامل مع المظاهرات.

وقد عبرت المبادرة المصرية عن هذا الموقف من قبل في تعليقاتها على محاولات سابقة لتقييد الحق في التظاهر، بداية من مشاريع القوانين المنظِمة للتظاهر، التي ناقشها مجلس الشعب في أبريل  2012قبل حله، مرورًا بأكثر من مسودة لمشروع قانون تنظيم التظاهر تم تسريبها من وزارة العدل بعد انتخاب الرئيس مرسي.

وقد اطلعت المبادرة المصرية على النسخة الأصلية من مشروع قانون التظاهر المقدمة من وزارة العدل، والتي أُقرت في مجلس الوزراء في فبراير 2013 للعرض على مجلس الشورى، وعلى النسخة المعدلة منه، والتي تم تداولها داخل الجلسة المشتركة للجنتيِّ حقوق الإنسان والأمن القومي والشئون العربية بالمجلس بتاريخ 3 مارس 2013.

كانت المبادرة المصرية قد شاركت في تلك الجلسة بالمشاركة مع "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" ومجموعة "المحامون المتحدون"،  بوصفهم فاعلين في المجتمع المدني، وأعلنت في خلال هذه الجلسة عن موقفها المبدئي الرافض للقانون. ومن ثم قررت المبادرة المصرية عدم مواصلة حضور جلسات مناقشة القانون في مجلس الشورى انطلاقًا من قناعتها بأن مشروعًا كهذا لن يسفر عن شيء - حتى لو جرى عليه بعض التعديلات- إلا انتهاكات جسيمة للحق في التجمع السلمي.  كما رفضت المبادرة المصرية أي نقاش لقانون من شأنه أن يقيد حق التظاهر في الوقت الحالي، وخصوصًا في ظل رفض المجلس التشريعي النظرَ بجدية في التعديلات الملحة، التي من شأنها تفعيل الرقابة والمحاسَبة على رجال الشرطة.

وفيما يلي أسباب رفض المبادرة المصرية:

مشروع القانون يهدف إلى تضييق تعريف التظاهر المشروع وتوسيع تجريمه 

تتجسد فلسفة مشروع القانون، الذي يناقشه مجلس الشورى في الوقت الحالي، في تضييق تعريف أشكال التظاهر المسموح بها. فالمادة الرابعة منه تسمح بممارسة "الحق في التظاهر على نحو لا يؤدي إلى الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين، أو قطع الطرق أو المواصلات، أو تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على الممتلكات أو حرية العمل، أو تهديد جدي لأيٍ مما تقدم." وهو تعريف فضفاض يشتمل على جملة من القيود غير المقبولة، التي ينتج عنها حصر التظاهر في فاعليات احتجاج قليلة العدد وضعيفة التأثير ومحدودة الحركة، بما يُفرِّغ معنى التظاهر من مضمونه  و مغزاه.

و إن تأملًا بسيطًا للواقع الراهن في مصر  يبين لنا كيف أن أغلب التظاهرات التي تحدث في القاهرة وغيرها من المدن سينطبق عليه حتمًا واحد أو أكثر من تلك المحاذير التي يفرضها القانون، وستخرج بوضوح من تعريف التظاهر "المشروع". وهو ما يحيلنا  إلى سؤالٍ: هل يستهدف أصحاب هذا المشروع تجريمَ أفعال الاحتجاج والمطالبة التي ترسم ملامح الحالة السياسية والاجتماعية في مصر ما بعد الثورة، وبالتالي إنزال عقوبات على قطاع واسع ومتنوع من الشعب المصري، تحركه صوب الاحتجاج والتظاهر دوافعُ ومطالب سياسية واقتصادية واجتماعية مشروعة؟

وهل التوسع في التجريم والتقييد وتحدي الواقع هو السبيل لمنع التجاوزات التي تحدث في بعض الأحيان في سياق التظاهرات، والتي نمتلك في مواجهتها بالفعل ترسانة من تشريعات قاسية في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية لا تحتاج إلى إضافات عليها كتلك الواردة في المشروع؟

ما هي إذن نية المشرِّع أو وزارة العدل من إصدار هذا القانون ؟ وهل يمكن بالفعل تطبيقه دون أن يأتي ذلك بنتيجة عكس ما يدعي المشروع أنه يستهدفه (أي تقليل وتيرة المواجهات وإعادة بناء ثقة المواطن المصري في منظومة القوانين وأجهزة إنفاذ القانون) ؟

لا  يظهر أمامنا إلا غرض واحد، وهو أنْ تثبت الدولةُ أنها الطرف "الأقوى" في علاقتها بالمواطنين، بما يعكس إيمانًا راسخًا لديها  بأن مختلف أشكال الاحتجاج السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليست إلا أعمالًا غير مشروعة يجب تجريمها.

نظرة القانون للتظاهر كخطر محتمل يجب احتواؤه

إن الأصل في القوانين المنظمة للحريات- إن وجدت - هو أن تضيق من صلاحيات رجال السلطة العامة، لا أن توسعها  إلى حدود فضفاضة. وهو ما يخالفه مشروع القانون الحالي الذي يُظهر بوضوح نيةَ منْ أعده في وزارة العدل أو الجهات الأمنية المختلفة، ومنْ قدم تعديلات عليه في مجلس الشورى، والذي تتملكه نظرة قاصرة مفادها أن التظاهر في الأساس ليس سوى تهديد وخطر يجب درؤه أو احتواؤه.

وبغض النظر عن كون الأغلبية العظمى من التظاهرات التي تحدث في مصر اليومَ مظاهرات عفوية، بما يجعل من نص المادة الخامسة،ـ التي توجب على "الراغبين في تنظيم مظاهرة" تقديم إخطار كتابي إلى الشرطة قبل المظاهرة بثلاثة أيام،ـ نصًّا هلاميًّا معزولا عن الواقع، علاوة على استحالة تطبيقه. وحتى في تلك الدول التي تشترط الإخطار، لا يحق للسلطة أن تشترط توقيع مسئولين عن المظاهرة على أية أوراق، كما لا يجوز لها تحميل عدد من الأشخاص مسئولية قانونية أو غيرها نيابة عن جميع من شاركوا في المظاهرة. 

كما أن تكرار الحظر وازدواجية العقاب على مخالفات مجَرَّمة في قوانين أخرى، كالاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات وحيازة الأسلحة، يؤكد رسوخ الرؤية الأمنية وسيطرتها على عقل من صاغ هذا القانون.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مشروع القانون يعطي الشرطة الحق  في تفريق المظاهرات باستخدام القوة، بينما يدَّعي النص تنظيم وتقييد هذه القوة المستخدَمة من الشرطة في تفريق المظاهرات، إذ يستثني في المادة السادسة عشر من هذا التقييد والاشتراط في التدريج "الحالات المقررة في قانون العقوبات وقانون هيئة الشرطة".، وهي ذاتها الحالات التي تُفقِد هذا التقييد معناه بالكامل. فقانون هيئة الشرطة الحالي يسمح بالفعل لرجالها باستخدام الرصاص الحي لتفريق المظاهرات.

ومن الجدير بالذكر أن : المحكمة الدستورية العليا تنظر الآن طعنًا بعدم دستورية نصوص قانون هيئة الشرطة المنظِّمة لاستخدام القوة في فض المظاهرات والمشار إليها في مشروع قانون التظاهر.[1]

 

انتهاكات واسعة للمبادئ الدولية لتنظيم الحق في التظاهر

على الرغم من تأكيد المبادرة المصرية على موقفها الرافض لمحاولات تقييد الحقوق والحريات الأساسية، ومن بينها الحق في التظاهر والتجمع السلمي، و هو الموقف ذاته الذي تتبناه العديد من الحكومات الديمقراطية، إلا أنه من المفيد التذكير بالقواعد التي تلتزم بها الدول الديمقراطية التي تمتلك قوانينًا منظمة لهذه الحقوق. ومن ذلك الاشتراطات التي تنص عليها معايير منظمة الأمن والتعاون الأوروبي كمبادىء توجيهية للحكومات الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. المبدأ هو أن: "كل فعل ليس مجرَّمًا صراحةً بالقانون لا سبيل إلى تقييده أو رهن ممارسته بالحصول على إذن مسبق".
  2. التظاهر هو استخدام مشروع للمجال العام لا يقل في مشروعيته وأهميته عن النشاط التجاري أو الاستخدام المروري.
  3. أي محاولة لتنظيم حق أساسي كالتظاهر والتجمع السلمي من قِبَلِ الدولة يجب أن تتسم بالتناسب، وأن تنحاز إلى  الحق في التظاهر والتجمع السلمي. و لا تنجح عادة في اجتياز اختبار التناسب هذه التشريعات التي تحتوي نصوصًا شديدة التعميم في وصفها للحالات التي تسمح بتدخل من الدولة. وفي جميع الأحوال، يلتزم المشرِّع بالتأكيد على مشروعية التظاهرات والتجمعات العفوية.
  4. التظاهر والتجمع السلمي حق مكفول أيضًا للتنظيمات غير المسجلة، وللأقليات سواء كانت أقليات عِرقية أو سياسية أو اجتماعية، يكون لها آراء لا تلقى تأييدًا مجتمعيًّا واسعًا، كما أنه حق مكفول للاجئين وطالبي اللجوء السياسي وللأجانب والسياح.
  5. يدخل في نطاق تعريف التظاهر والتجمع السلمي الأفعال التي من شأنها في بعض الأحيان أن تثير استياء البعض، أو الأفعال التي تنطوي على إساءة، أو تلك التي من شأنها أن تُعيق أو تمنع لبعض الوقت أطرافًا أخرى من ممارسة نشاطاتها.
  6. لا يحق للسلطة التعسف في تقييد الحق في التظاهر والتجمع بحجة احتمالية وقوع اضطراب، وعلى الدولة الالتزام بحماية الحق في التجمع حتى في حالات تنظيم مظاهرات ومظاهرات مضادة أو معارضة بالتزامن معها، ويحق للطرفين في هذه الحالة تنظيم المظاهرتين في نفس المكان وتقع مسئولية تأمين الأرواح في هذه الحالات على عاتق الدولة. 

فأين هذا المشروع الذي يناقشه مجلس الشورى  من تلك المبادئ والحمايات والضمانات ؟

إن مشروع القانون المطروح لا يضع ضمانات كافية لحماية التظاهر السلمي كذلك لا يحمي المظاهرات العفوية والتي لا يوجد التباس حول مشروعيتها وقانونيتها طبقًا لأحكام الاتفاقيات والمواثيق الدولية. كما أن المشرِّع يتجاهل عامدًا النظر للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر، حيث تنشأ أغلب المظاهرات بصورة عفوية وغير منظمة، وكثير منها لا يملك الحديث باسمها، أو ادعاء المسئولية عنها أي أحد من شخصيات اعتبارية أو أفراد عاديين لكي تطالبهم السلطة بالإخطار المسبق، أو بتحمل مسئولية قانونية  عمّا قد يصاحبها من أحداث وأفعال..

على مجلس الشورى إعادة النظر في أولويات التشريع لضمان حماية الحقوق الأساسية للمواطنين أولًا

ذكرت المبادرة المصرية في أكثر من مناسبة سابقة وفي مشاركتها في الجلسة الأولى لمناقشة قانون التظاهر أن المشرعِّ لا يعمل في فراغ، وأن التشريعات والقوانين تتفاعل مع المجتمع ولا  تملك أن تتجاهل الواقع المجتمعي. وترى المبادرة المصرية  أن أولويات التشريع في مصر مضطربة، وغير منضبطة ببوصلة المجتمع واحتياجه للحرية، فالتشريعات الملحة الآن يجب أن تتجه لتنظيم السلطات وضبط صلاحياتها الواسعة وإنهاء تلك الحالة المستمرة من الإفلات التام من المحاسبة التي لم تزل السلطات العامة وبخاصة الشرطة تتمتع بها.

يجب أن تنصَبَّ أولويات التعديلات التشريعية على قانون هيئة الشرطة والقرارات الإدارية المنظِّمة لاستخدام الشرطة للقوة في تفريق المظاهرات والتي تسمح باستخدام الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات. وعلى المجلس التشريعي المصري أن يقوم بمراجعة شاملة لأولوياته التشريعية إذا أراد إصلاح علاقة المواطن بالدولة في مصر، والتقليل من وتيرة العنف والمواجهات الراهنة والوصول إلى الاستقرار السياسي.

الحديث عن الأُطُر القانونية السليمة التي  تحكم التظاهر أو عن الأطر والتفاصيل المذكورة أعلاه قد يكون مناسبًا للدول التي تتمتع بالاستقرار السياسي، والحد الأدنى من الضمانات الديمقراطية التي تجعل المواطن أقل استنفارًا. كما أنه قد يكون مناسبًا للدول التي تستطيع ضمان الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدمات لمواطنيها. والبديهي هو أن توفر الدولة للمواطنين حقوقهم ثم تسألهم عن واجباتهم وليس العكس. ربما لا يعجب  كثيرًا من الساسة المصريين حالة انعدام الاستقرار الواقعة في الشارع المصري، ولكنه واقع لن يزول سريعًا  أو بسهولة ويجب التعامل معه بأساليب ليس من ضمنها إنكاره  أو الصدام بالتشريعات. مصر في حقيقة الأمر لا تحتاج إلى تشريع إضافي ينضم إلى قائمة تحوي  آلاف التشريعات المقيدة والتي هي بحكم الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يمكن تنفيذها.

 

 



[1] أقامت خمس منظمات حقوقية، وهي (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومؤسسة حرية الفكر والتعبير والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان) دعوى طالبت فيها بإيقاف تنفيذ وإلغاء القرار الوزاري رقم 156 لسنة 1964 الذي يسمح باستخدام الأسلحة والذخيرة الحية لفض التظاهرات والاعتصامات (الدعوى رقم 9544 لسنة 66 قضائية). وقد قررت محكمة القضاء الإداري في 26 مارس 2013 إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية.