مع عودة انتهاكات الشرطة وزيادة معدلات العنف: المبادرة المصرية تطالب الحكومة بوضع إعادة هيكلة الشرطة على أولويات عملها

بيان صحفي

15 أغسطس 2012

حثت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم كلا من رئيس الجمهورية والحكومة الجديدة على إظهار الإرادة السياسية اللازمة للتعامل مع ملف إصلاح الأجهزة الأمنية بجدية، وذلك بعد أن تجاهلته الحكومات الانتقالية المتعاقبة مما أدى إلى تدهور أداء جهاز الشرطة.

وقالت المبادرة المصرية إن عهد وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم شهد عودة ممارسات التعذيب والقتل العشوائي بمعدلات مرتفعة للغاية، كما شهد حالات كثيرة من الاحتكاكات بين الشرطة وفئات مختلفة من المجتمع، بالإضافة إلى تدهور في مستوى الأمن العام. وطالبت المبادرة المصرية الوزارة الجديدة بإعادة أجندة إعادة هيكلة الشرطة وإصلاح القطاع الأمني إلى أولويات عمل الحكومة بعد أن أسقطها تماما الوزير محمد إبراهيم من أولويات عمل وزارته.

وقال كريم مدحت عنارة، الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "لن تعود الثقة بين المواطنين والشرطة إذا استمرت الشرطة في اتباع نفس سياسات العنف المفرط، وطالما لا توجد خطوات جادة وعملية منظمة لإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية تضطلع بها هيئات مدنية مستقلة، وبدون الشروع في تغيير الإطار الإداري والقانوني الحاكم لعمل رجال الشرطة ووضع ضوابط لاستخدام القوة والأسلحة."

وتابع عنارة: "رصدنا في سبعة أشهر فقط، هي فترة إدارة الوزير محمد إبراهيم، ارتفاعا ملحوظا في حالات التعذيب والقتل العشوائي على يد رجال الشرطة، في حين رصدنا تقاعس الشرطة و فشلها في حماية الأرواح في حوادث خطيرة مثل إستاد بورسعيد واعتصام وزارة الدفاع، مما أدى إلى مقتل العشرات من المواطنين."

ووفقا لرصد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد شهدت فترة تولي محمد إبراهيم لوزارة الداخلية وفاة شخصين على الأقل أثناء احتجازهما داخل أقسام الشرطة في ظروف تشير إلى تعرضهما للتعذيب: الأولى كانت لمريض نفسي تعرض للتعذيب في قسم الشرابية يوم 6 ديسمبر وعثر عليه أشخاص أسفل كبري الساحل في اليوم التالي وتم نقله إلى المستشفى حتى توفي في مارس 2012 متأثرا بجراحه، والثانية حالة تعذيب أفضت إلى الموت في قسم مصر القديمة في يوليو 2012. وفي 26 يونيو ـ وهو اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب ـ تعرض المواطن وحيد مصطفى السيد من مدينة بدر للتعذيب والضرب بالبنادق وهتك عرضه في منزله وفي حضور زوجته من ضابط مباحث قسم بدر، وفقا لرصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف.

كما سقط ثمانية قتلى على الأقل نتيجة إطلاق الرصاص العشوائي من رجال الشرطة في كمائن الشرطة وفي أماكن أخري في حالات لجأت الشرطة فيها إلى إطلاق الرصاص رغم عدم وجود ضرورة وفي الكثير من الحالات في غياب أي تهديد من أي طرف. وتعددت حالات إطلاق النار على السيارات في كمائن الشرطة المرورية لمجرد الاشتباه، وهو ما قد يكون مرتبطا بالتصريحات التي أطلقها الوزير محمد إبراهيم في بداية توليه الوزارة والتي حث فيها رجال الشرطة على إطلاق النار في مقتل في حالات الاشتباه. ومن بين الحالات التي قامت المبادرة المصرية بتوثيقها حادثة نقطة شرطة النهضة والتي قتل فيها الشاب شكري أبو السعود في منتصف ديسمبر 2011 بعد أن طارده ضابط الكمين وقتله بست رصاصات، وهي القضية المتداولة الآن أمام محكمة جنايات شمال القاهرة، وحالة الشاب تامر الصعيدي الذي قتل في شهر مايو 2012 برصاص أمين شرطة أمام مبنى مؤسسة الأهرام بوسط القاهرة وفي وضح النهار بعد أن أخلت النيابة سبيله، وهي الحالة التي دفعت الأهالي الغاضبة إلى مطاردة أمين الشرطة ومحاصرة مبنى الأهرام الذي اختبأ فيه إلى أن تطور الأمر إلى مواجهة مع قوات الشرطة العسكرية.

وبينما لا يزال الكثير من الحالات قيد التحقيق أو تم في بعضها إحالة ضباط إلى المحاكمة الجنائية، إلا أن أيا من هذه القضايا لم ينته حتى الآن إلى محاسبة حقيقية ومازال رجال الشرطة يعملون في مناخ من عدم المحاسبة والإفلات من العقاب. ولعل أسوأ حالات القتل التعسفي في عهد الوزير محمد إبراهيم كانت حالة رزة شعث التي قتلت تحت عجلات سيارة ترحيلات الشرطة في دمنهور في 21 يوليو 2012 بعد أن رفضت السماح للشرطة بأن تأخذ ابنها عاريا من المنزل وأصرت أن يسمح معاون المباحث له بارتداء ملابسه فما كان من معاون المباحث إلا أن أمر السائق بالتحرك فدهسها وقتلها.

وعلى الرغم من أن جميع وزراء ما بعد الثورة ـ وخاصة الوزير محمد إبراهيم ـ تميزوا بالإكثار من التصريحات الإعلامية التي تسعى إلى طمأنة المجتمع على الحالة الأمنية وتحسين صورة الشرطة، إلا أن الوضع الأمني قد شهد في الواقع تدهورا ملحوظا في الفترة الأخيرة. فبالإضافة إلى حالات العنف والتعذيب يوجد الكثير من الوقائع التي فشلت فيها الشرطة أو تقاعست عن أداء مهمتها في حفظ الأمن وحماية الأرواح، على رأسها بالطبع أحداث استاد بورسعيد التي سقط فيها أكثر من سبعين قتيل في فبراير 2012 في ظل حضور رجال الشرطة الذين تقاعسوا عن دورهم في حماية المشجعين، وأحداث اعتصام وزارة الدفاع في مايو 2012 التي سقط فيها ما يقدر بعشرين قتيل على مدار عدة أيام فشلت الشرطة في التدخل أثناءها لحماية الأرواح. كما تكررت أحداث العنف المجتمعي أو الطائفي التي لم تتدخل فيها الشرطة لإعمال سيادة القانون وحماية الأرواح، كحادثة وادي النقرة في أسوان التي راح ضحيتها 12 شخصا في مواجهات بين عائلات السمطا والكلاحين وعرب العبثية.

ويضاف إلى كل تلك الحالات تقاعس الشرطة عن حماية الأطباء مع تزايد حالات التعدي على المستشفيات وارتفاع صيحات الاستغاثة من الأطباء للتدخل لحمايتهم من الاعتداءات بلا جدوىـ وهو ما دفع العديد من الأطباء والعاملين بالمستشفيات للإضراب وتعليق العمل تحديدا خلال الشهرين الأخيرين.

ومع ارتفاع وتيرة العنف وعودة الانتهاكات بمعدلات عالية تزايدت الاحتكاكات بين رجال الشرطة والعديد من فئات المجتمع. فقد رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عهد الوزير الأخير العشرات من حالات العنف المتبادل والاحتجاج خارج أقسام الشرطة على ممارسات رجال الأمن. ومن بين هذه الحالات واقعتان شهيرتان نتج عنهما احتكاكات عنيفة وواسعة بين المحامين ورجال الشرطة في الشهر الأخير في كل من قسم شرطة دمنهور بالبحيرة وقسم أول مدينة نصر بالقاهرة. وفي تلك الحاثة الأخيرة شهدنا كيف بدأت الأحداث بضرب وإهانة محام داخل القسم ثم رفض تحرير محضر بالضرب، ثم ضرب وإهانة زملائه من المحامين من مجلس نقابة المحامين، انتهاء بتظاهر العشرات من المحامين خارج القسم ومحاصرته لأيام ولجوء السلطات لقوات الأمن المركزي لفض التظاهر.

وتابع عنارة: "إن هذا السجل الحافل من العنف والقتل والفشل والتقاعس يظهر حاجة الحكومة إلى اتخاذ خطوات حقيقية للتعامل بجدية مع مقترحات إعادة هيكلة وزارة الداخلية والتي طرحتها منظمات المجتمع المدني من قبل، وتم تقديم في صورة مشروع قانون إلى لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب قبل حله. وكان من شأن هذا القانون الذي تقدم به نواب من مجلس الشعب أن ينشئ لجنة مستقلة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة، تقوم بمسح أوضاع وزارة الداخلية واقتراح للهيكلة الجديدة وعملية فحص سجلات الضباط لتقييمهم وتقرير استمرارهم في الوزارة من عدمه."

روابط ذات صلة:
- شرطة لشعب مصر: المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة