
المبادرة المصرية تطالب بتعيين قاضي تحقيق مستقل في وقائع النجيلة بمطروح
بيان صحفي
تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية كل من النائب العام المستشار محمد شوقي ووزير العدل المستشار عدنان الفنجري باستخدام صلاحياتهما الواردة بنصي المادتين 64 و65 من قانون الإجراءات الجنائية، لتعيين قاضي تحقيق مستقل يتولي التحقيقات في بلاغ أسرتي الشابين المصريين يوسف السرحاني وفرج الفزاري، اللذين أعلنت وزارة الداخلية استهدافهما وقتلهما بمعرفة قوات الأمن بمدينة النجيلة بمرسى مطروح، فيما اعتبرته أسرتي الشابين جريمة قتل عمد.
يوم الأربعاء 9 أبريل الجاري، نشرت عدة صحف ومواقع إخبارية تقاريرًا عن مقتل ثلاثة أمناء شرطة وإصابة اثنين آخرين أثناء حملة لملاحقة شخص واحد مطلوب أمنيًا في مدينة النجيلة بمحافظة مرسى مطروح. لم ترصد تلك الأخبار إلقاء قوات الأمن القبض على أكثر من 20 سيدة من سكان مدينة النجيلة، فيما بدا محاولة للضغط عبر سبل غير قانونية على أهالي المدينة لدفعهم لتسليم المشتبه فيه في واقعة قتل وإصابة عدد من أمناء الشرطة، وذلك وفقًا لرواية شاهد من أهالي النجيلة للمبادرة المصرية، وأيدتها شهادة أحد المحامين الموكل من أسر الشابين المقتولين، إضافة إلى شهادات عدة منشورة.
والقبض العشوائي وغير القانوني على أفراد من أسر المشتبه بهم أو من يفترض أن لهم صلة قرابة أو قدرة على التأثير في قرارات المشتبه بهم، هي ممارسة شرطية متكررة في مصر، ولكن رد فعل الشرطة في هذه الحالة جاء متجاوزاً حتى بمعيار تلك الممارسات الشرطية الموروثة والتي تتنافر تمامًا مع أبجديات دولة القانون الحديثة. ما تسبب في تحول القضية إلى واحدة من أعلى القضايا جذباً للانتباه والنقاش على المنصات الإعلامية، وبشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي التي تداولت أخبارًا طوال الأسبوع مقترنة بوسوم (هاشتاجز)، أبرزها عناوين #إلا_النساء و #نساء_مطروح_خط_احمر، دان كثير من مشاركيها قتل أمناء الشرطة، واستنكروا في الوقت نفسه قيام قوات الأمن بالقبض على مجموعة من النساء واحتجازهن في قسم شرطة النجيلة دون توجيه اتهامات لهن، في محاولة للضغط على الشخص المطلوب أمنيًا والمتسبب في قتل وإصابة أمناء الشرطة، لتسليم نفسه.
الأحداث المتلاحقة خلقت شرخًا جديدًا في علاقة الشرطة بالمجتمع المحلي في محافظة مطروح، وصل إلى أن قرر مجلس العمد والمشايخ بمحافظة مطروح (الممثل الشرعي عن القبائل والعائلات بالمحافظة) تعليق كافة أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة بمحافظات مطروح. تلك الأحداث تستدعي تعيين قاضي تحقيق مستقل النظر فيها فورًا؛ خاصة مع تعدد الروايات المتواترة حول تصرفات الشرطة المحلية والتي بدأت باختطاف أكثر من 20 من النساء الأبرياء ثم قتل شابين أقرب إلى سن الطفولة، سلمهم الوسطاء للشرطة بأنفسهم بهدف مساعدتهم في العثور على الجاني الحقيقي، كما رصد موقع زاوية ثالثة ومنصات أخرى اهتمت بالتحقيق صحفيًا في الواقعة.
صباح يوم 10 أبريل، اتفق اثنين من "عواقل" النجيلة - وهم أشخاص يتمتعون بمكانة طيبة لدى الأهالي وعلى علاقة جيدة بأجهزة الأمن- مع المقدم المعروف باسم عادل الشيمي رئيس مكتب الأمن الوطني بالسلوم، على التوسط وتسليم شابين لاستجوابهما بخصوص الشخص المطلوب أمنيًا، مقابل الإفراج عن النساء المحتجزات بلا مسوغ قانوني. وبالفعل تم تسليم الشابين بمعرفة الوسيطين في اليوم نفسه في الساعة السادسة والنصف مساءً. ليفاجأوا بعد تسليمهما بساعات قليلة بمكالمة هاتفية من مصدر أمني تفيد بمقتل الشابين. وقد روى ذلك واحدٌ من الوسيطين نفسيهما وهو نصرالله جميل المعبدى، والذي نشر شهادته التفصيلية في مقطع مصور يوم 13 أبريل، وأكد على تسليم الشابين للضابط بالكيلو 30 قبل مدينة السلوم، ما تبعه الإفراج عن النساء المحتجزات تنفيذًا للاتفاق المبرم مع الأمن الوطني.
ولم تنشر وزارة الداخلية في بيانها نفيًا لاحتجاز النساء إلا بعد الإفراج عنهن فعليًا وفقًا لشهادة المعبدي، حيث نفى مصدر أمني غير محدد في الساعة 01:17 من فجر يوم 11 أبريل، أي بعد أكثر من ثلاثة أيام على تسلسل الوقائع، ما راج بشأن "قيام الأجهزة الأمنية بمديرية أمن مطروح باحتجاز سيدات على خلفية استشهاد أفراد من المديرية". بينما غاب عن بيان الداخلية أية إشارة إلى إجراء أي تحقيق من أي نوع أو حتى الإشارة إلى انتقال أية جهة مسؤولة إلى مقر قسم شرطة النجيلة للتأكد من الأخبار المتداولة، والتي نقلها سكان المدينة كما جاءت تفاصيلها في اتفاق تسليم الشابين اللذين قُتلا لاحقًا.
بعد ساعات من إفراج وزارة الداخلية عن النساء وفقاً لما رواه الشهود، ثم نفي واقعة احتجازهن بدون مسوغ قانوني، وتحديدًا في الساعة 11:37 صباح يوم 11 أبريل، نشرت وزارة الداخلية خبرًا مقتضبًا أعلنت فيه أن أجهزة البحث الجنائي بمديرية أمن مطروح بالاشتراك مع قطاع الأمن العام تمكنت من "تحديد مكان اختباء عنصرين إجراميين شديدى الخطورة" من مرتكبي واقعة استشهاد 3 أفراد شرطة بمديرية أمن مطروح، وأفاد البيان بمقتل الشابين خلال الاشتباك. بيان وزارة الداخلية حول مقتل الشابين السرحاني والفزاري يدعو للقلق وقد يتسبب في مفاقمة الأوضاع بالنجيلة سواء بسبب مما ورد به من معلومات، أو بسبب الرواية التي يحاول البيان ترسيخها، أو بخصوص ما أغفلت الوزراة في بيانها الإشارة إليه بالكلية.
أقرت الداخلية في الخبر الرسمي أنها استهدفت السرحاني والفزاري وإن وصفتهما بأنهما "عنصريين إجراميين شديدي الخطورة". فيما أكد محامي أسرتي السرحاني والفزاري الذين تتراوح أعمارهما بين 18 و21 عامًا، أنهما لم يسبق القبض عليهما أو التحقيق معهما أو إدانة أي منهما في أية قضايا جنائية. وهنا تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه بمراجعة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية المستمرة لصفحة المطلوبين أمنيًا على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية المصرية، لم تأت قواعد بيانات الوزارة المتاحة بأي ذكر للشابين في أي وقت حتى تاريخ نشر الداخلية لبيانها. والأهم من ذلك هو أن أيًا من بيانات وزارة الداخلية لم يشر أو يذكر إطلاقًا الشخص المطلوب أمنيًا باعتباره المشتبه به الرئيسي في واقعة استشهاد أمناء الشرطة الثلاثة، والذي يفترض أنه ما زال هاربًا حتى الآن.
يتعارض بيان الداخلية حول مقتل الشابين مع الأخبار الصحفية المنشورة سابقًا بشأن ارتكاب مشتبه به وحيد لواقعة قتل وإصابة أمناء الشرطة، كما يتناقض ذلك البيان مع ما ورد في إفادات الأهالي والوسطاء الذين تثق فيهم وتستعين بهم الجهات الأمنية والشرطية ذاتها في المدينة.
وحتى لو سلمنا بدقة ما ورد في خبر الداخلية، لا ينفي ذلك المشاكل المنهجية والانتهاكات القانونية التي تقر بها وزارة الداخلية. على عكس بيانات سابقة للداخلية، لا توجد أي إشارة إلى أن الشابين هما من بادرا بإطلاق الأعيرة النارية في مواجهة قوات الأمن، واكتفى البيان بالإشارة لما وقع بأنه كان تبادلًا لإطلاق النيران. وحتى إذا وثقنا بهذه الرواية المقتضبة التي تفتقد لأي تفاصيل عن الواقعة، فمن حقنا التساؤل مجددًا حول قواعد الاشتباك التي تلتزم بها قوات الشرطة الاحترافية، وعن التدريب الذي يحصلون عليه والتوجيهات الإرشادية التي التي تتلقاها تشكيلات قوات الأمن، وكيف يؤثر غياب كل هذا على قدرتها على التعامل مع الجريمة حتى باتت ممارستها بعيدة تمامًا عن مبادئ المشروعية والتناسبية، ولا تحقق حتى الغرض الرئيسي من التدخل الشرطي في هذه الحالة وهو القبض على مرتكبي الجرائم أو الوصول إلى مرتكب الجريمة الأصلية والذي لا يزال حرًا طليقًا. فحتى إذا سلمنا بأن الشابين المقتولين ضالعين في الجريمة الأصلية - ما يتناقض تمامًا مع كل الروايات والإفادات الواردة من الأهالي والوسطاء - فبدلًا من ضبطهما وإخضاعهما لما ينص عليه القانون والدستور الذي يكفل افتراض البراءة حتى ثبوت الإدانة بعد محاكمة قانونية عادلة؛ انتهى الأمر بالقتل الفوري لاثنين من المواطنين لا نعرف حتى الآن علاقتهما بالجريمة الأصلية، وما إذا كان الغرض من الوصول إليهما هو الاستدلال على المجرم الأصلي أم أن جهات التحقيق تشتبه في ضلوعهما بالجريمة الأصلية.
المحامي ممدوح راغب الدربالى رئيس فريق الدفاع الموكل من أسر الشابين يوسف وفرج، أكد للمبادرة المصرية أن أكثر من 20 امرأة قضين ليلة كاملة بقسم شرطة النجيلة وكان من بينهن أخت يوسف وزوجة فرج - والتي كانت حاملًا آنذاك- بدون توجيه أي اتهامات ضدهن. وأفاد الدربالي للمبادرة المصرية أنه قدّم بلاغًا رسميًا للنيابة العامة ضد وزارة الداخلية، وتحديدًا ضد ضابط الأمن الوطني الذي استلم الشابين بعد الاتفاق مع الوسطاء بوصفه آخر شخص تواصل معهما. وتتصاعد المخاوف من التأثير على المجرى السليم للتحقيقات ومخاوف من ألا يسير بالسرعة المطلوبة، فوفقًا للدربالي لم تبدأ النيابة التحقيق في بلاغ أسرتي الشابين وسماع شهادة الشاهدين اللذين سلما الشابين لضابط الأمن الوطني إلا في الساعة السابعة مساء يوم 12 أبريل، رغم تواجد كافة الأطراف المعنية بمقر النيابة من الساعة العاشرة صباحًا. ورغم طلب المحامين النظر في عدد من القرائن والأدلة المتصلة بواقعة مقتل الشابين، لم تعلن أي جهة رسمية حتى الآن عن وقف أفراد الداخلية المتورطين عن العمل حتى انتهاء التحقيقات.
تفاصيل الواقعة كما جاءت في إفادات الشهود والمحامين والوسطاء من المجتمع المحلي والعواقل في محافظة مطروح، تطرح سيناريو جريمة انتقام وقتل بدم بارد، نفذتها قوات إنفاذ القانون التي يفترض فيها حماية سيادة القانون والدستور، ضد شخصين لم يكونا من بين المشتبه بهم في الجريمة الأصلية. وتُشدد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن اللحظة الراهنة تحتاج إلى تعامل مختلف وسريع من سائر الجهات المعنية، سواء من النيابة العامة أو وزارتي الداخلية والعدل بشأن ضرورة فتح تحقيقات موسعة، كما تطالب المبادرة المصرية المجلس القومي لحقوق الإنسان تقصي ومتابعة وقائع ما جرى، وذلك بهدف الوقوف على الحقيقة الكاملة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وضمان إنفاذ القانون وتعزيز مبادئ سيادته التي تقوم عليها الدولة المصرية الحديثة. إضافة إلى ذلك، فإن تخصيص قاضي تحقيق مستقل لهذه الواقعة قد يساهم في استعادة الاستقرار والسلم المجتمعي في النجيلة والحفاظ عليهما. حيث لن تكفي بيانات النفي والأخبار المقتضبة الصادرة عن وزارة الداخلية لتهدئة احتقان مدينة كاملة كما هو الحال الآن في مدينة النجيلة بمرسى مطروح، خاصة بعد قرار مجلس العمد والمشايخ بمحافظة مطروح (الممثل الشرعي عن القبائل والعائلات بالمحافظة) الصادر يوم 12 أبريل الجاري بوقف التعامل وتعليق كافة أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة بالمحافظة. وهو المجلس نفسه الذي سبق وأكد اللواء خالد شعيب محافظ مطروح، على أهميته ودوره الفاعل في حفظ الاستقرار والتواصل بين أهالي مطروح مع أجهزة المحافظة التنفيذية.