رفع مواطنين من قوائم الإرهاب خطوة إيجابية ولكن.. كيف تصلح الثمرة إن فسدت الشجرة؟

بيان صحفي

28 نوفمبر 2024

في يوم 23 نوفمبر الجاري، أصدرت الدائرة الثانية (جنائي بدر) بمحكمة جنايات القاهرة قرارًا في شأن القضية 620 سنة 2018، بإنهاء إدراج 716 اسمًا من قوائم الإرهابيين من أصل 1524 شخصًا مدرجين على القضية ذاتها. صدر القرار برئاسة المستشار وجدي عبد المنعم، بناء على طلب النائب العام المستشار محمد شوقي. واستندت المحكمة في قرارها على آخر محضر تحريات تكميلية أجراها قطاع الأمن الوطني في 14 أكتوبر 2024  بشأن القضية. 

وفقًا لمحضر التحريات الذي كتبه مقدم واحد بقطاع الأمن الوطني، مازال 808 متهمًا يقومون ببعض الأعمال الإرهابية،  لكن التحريات صمتت عن باقي المتهمين وعددهم 716، وهو ما دفع النيابة العامة إلى تقديم طلب لرفع أسماءهم من قوائم الإدراج لعدم ذكرهم فى التحريات التكميلية. رأت النيابة أن خلو التحريات التكميلية من أي إشارة تفيد بأدوار المتهمين الـ 716 يشير "لتوقف نشاطهم الإجرامي بتلك الواقعة"، وبالتالي لم يعد هناك سبب يقتضي استمرار إدراجهم على قوائم الإرهابيين بتلك القضية. وفي بيانها الذي أعلن القرار قالت النيابة العامة إن طلبها جاء "في إطار توجه الدولة بمراجعة موقف المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين…تمهيدًا لرفع كل من يثبت توقف نشاطه الإرهابي من تلك القوائم."  

من اللافت للنظر أنه من بين المستمر إدراجهم على قوائم الإرهاب بدعوى استمرار قيامهم بأعمال إرهابية، كل من الرئيس الأسبق محمد مرسي والقيادي الإخواني عصام العريان المتوفيين في محبسهما منذ أكثر من بضعة سنوات، أي أنه لا يمكن أن يكونوا مازالوا مستمرين في القيام بأي أنشطة من أي نوع بأي حال؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى دقة وجدية هذه التحريات الخاصة بقضية مفتوحة منذ سنوات دون إحالة للمحاكمة، أو حتى الشروع في التحقيق مع المتهمين. 

أوضحت المحكمة في قرارها أن إدراج المتهمين على ذمة القضية 620 بدأ منذ 2018 ولمدة خمس سنوات، وأن النيابة طلبت مد القرار عام 2023 وهو ما أيدته محكمة الجنايات، وأدانته وقتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان مشترك من ثماني منظمات حقوقية. وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن عددًا ممن تم مد إدراجهم طعنوا على القرار أمام محكمة النقض التي قبلت الطعن المُقدم شكلًا في شهر مايو من العام الجاري، وقررت نقض القرار لكافة المدرجين، على أن يتم عرض الموضوع من جديد على محكمة الجنايات مشكلة من قضاة آخرين، إلا أنه لم يحدد ميعاد حتى الآن لتفصل الدائرة الجديدة  في أمر الإدراج. 

الوضع الحالي للمتهمين الـ 808 موضوع التحريات التكميلية الأخيرة يتسم بالغموض، فقد انتهت نظريًا مدة إدراجهم الصادرة بالقرار القضائي الساري خلال الفترة ما بين 2018 و2023. ورغم قبول النقض وإلغاء مد إدراجهم لم يصدر قرار إلى الآن يُحدد وضعهم فيما يخص طلب النيابة بمد إدراجهم لخمس سنوات إضافية، وهو ما يجعل من الضروري تحديد جلسة أمام الدائرة الجديدة المعنية في أقرب وقت لتنظر في مدى جدية ودقة التحريات التكميلية الأخيرة، خاصة وأن اعتبارهم مدرجين في اللحظة الراهنة، واستمرار آثر الإدراج دون صدور قرار قضائي، يعد مخالفة صريحة لنص القانون. 

وتجدر الإشارة إلى أن رفع الـ 716 شخصًا من قوائم الإرهابيين لا يعني أن آثار الإدراج سينتهي بشأنهم جميعا، حيث مازال عدد منهم مدرجًا على قائمة الإرهابيين على ذمة قضايا أخرى، ما يعني استمرار آثار الإدراج بحقهم، ومن بينها المنع من السفر والوضع على قوائم ترقب الوصول وتجميد الأرصدة وحظر التصرف في الممتلكات.

بعد قرار المحكمة الأخير، انخفض إجمالي أعداد المدرجين من 4408 اسمًا إلى 3693، وفقًا لآخر حصرنشرته وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية في 24 نوفمبر الجاري. ويعد هذا القرار الأول من نوعه الذي يصدر برفع أسماء بطلب من النيابة العامة من قوائم الإرهابيين خلال عام 2024، بينما شهد عام 2023 رفع إدراج خمسة أشخاص فقط بطلب من النيابة العامة  كان أبرزهم رجل الأعمال صفوان ثابت، والإعلامي حسام الغمري، وكان آخرهم المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي الذي تم رفع اسمه في نوفمبر 2023 على خلفية إدراجه على ذمة تحريات خاصة بقضية لم يتم التحقيق معه فيها قط، وبعد أكثر من عام كامل على إطلاق سراحه إثر صدور قرار عفو رئاسي عن باقي العقوبة الصادرة بحبسه من محكمة أمن الدولة طوارئ. 

تصدر قرارات الإدراج على قوائم الإرهابيين بشكل يخل بقائمة من ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين. فقذ صدر قانون تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015، ليضم عشر مواد، ثم تم تعديله مرة في 2017، ومرتين في 2020. بعد هذا التعديل التشريعي الأخير، أعرب عدد مقرري حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بياناً جماعياً أعربوا فيه عن بالغ قلقهم من التدابير الجديدة التي يفرضها هذا القانون ضد الأفراد والشركات ووسائل الإعلام والنقابات، ووصفوا القانون بأنه "يفتح الباب أمام المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان" ووقع البيان مقررة الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، مؤيدة من كل من المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمقررة الخاصة المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء، والمقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ والفريق العامل المعني بالاختفاء القسري؛ ؛ والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي. كما كانت 21 منظمة حقوقية مصرية قد أصدرت بياناً أدان القانون عند صدوره عام 2015، واصفينه بأنه "يهدر الضمانات المنصوص عليها في الدستور المصري، والتزامات مصر الدولية فضلًا عن تقويض حرية التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية وحريات الصحافة والرأي والتعبير، هذا بالإضافة إمكانية تطبيقه على الأفراد وإن كانوا غير منتمين لأي شكلٍ تنظيمي."

وخلال ما يقرب من عشر سنوات من العمل بقوائم الإرهاب، غابت الشفافية عن الإجراءات المتصلة بإدراج الأشخاص، أو حتى رفع الأسماء -على قلة عددها - من على قوائم الإرهاب. فلا توجد حتى اليوم معايير واضحة أو معلنة يمكن اللجوء إليها لتفسير الأسباب الحقيقية لاتخاذ مثل هذا الإجراء، حيث يتم الإدراج بعدما يقوم النائب العام بتقديم طلب للمحكمة ومعه التحقيقات أو المستندات أو التحريات أو حتى مجرد المعلومات المؤيدة له. وفي الأغلب يتم الإدراج استنادًا إلى تحريات قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية والتي لا تعدو كونها رأيًا لمجريها لا تقطع بالإدانة وفق أحكام محكمة النقض، بينما لا تحتاج المحكمة سوى الاقتناع بجدية هذه التحريات دون  الاستناد إلى أدلة أو قرائن بشروط معينة قبل إصدار قرارها.

لإدراج الأفراد على قوائم الإرهاب تسعة آثار، منها ما يقيد عددًا من الحقوق الدستورية للمواطنين، ومن أبرزها حماية الملكية الخاصة، والحق في السفر والتنقل. كما أن قرارات الإدراج تصدر في غيبة المتهم ودفاعه، ودون مواجهته بالأدلة المُقدمة ضده، فلا يعلم المتهم أن المحكمة تنظر في أمر إدراجه، أو أنه محل اتهام من الأساس في بعض الأحيان، إلا بعد نشر قرار محكمة الجنايات في الجريدة الرسمية. وبالتالي يكون أول اتصال للمتهم مع القرار القضائي أمام محكمة النقض عند تقديمه طعنًا، والتي سترفض حينها الدفع أمامها لأول مرة بعدم دستورية القانون.

رغم إيجابية القرار الأخير إلا أنه يفتح عدة تساؤلات حول آليات عمل منظومة العدالة الجنائية المصري فيما يخص القضايا المشابهة بشكل عام، والتي يمكن أن تظل مفتوحة دون سقف زمني للتصرف فيها؛ فضلًا عن مدى فاعلية الإدراج على قوائم الإرهاب، والذي تحول من كونه إجراءًا تحفظيًا بشأن متهمين لم تثبت إدانتهم، إلى عقوبة مستمرة تؤثر على المعنيين بالقرار وتمتد تبعاتها لأسرهم في أحيان كثيرة. 

تشدد المبادرة المصرية على  ضرورة مراجعة أسماء المدرجين على قوائم الإرهابيين بشكل أكثر جدية وشمول، حيث مازالت القائمة تضم عددًا من الأسماء مثل كل من المهندس أبو العلا ماضي المدرج على ذمة القضية 620 لسنة 2018، ولم يشمله قرار المحكمة الأخير؛ إلى جانب المحامي الحقوقي محمد الباقر الذي رغم الإفراج عنه منذ أكثر من عام بعد صدور قرار رئاسي بالعفو عن باقي العقوبة التي أصدرتها محكمة الطوارئ بحقه، إلا أنه مازال مدرجًا على القائمة دون وجود أي سبب معلن، الأمر الذي يشكل عقبة له في ممارسة حياته بشكل طبيعي منذ الإفراج عنه. 

وتؤكد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أنه لا يمكن استمرار العمل بالنص الحالي لقانون رقم 8 لسنة 2015 بشأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين. إن تعديل هذا القانون احتياج مُلح وعاجل، ليس فقط بسبب مخالفته للدستور المصري بل لأنه يخل أيضا بالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان.