الفصل العاشر: الإدارة والنظام
إدارة ونظام السجن حسب القانون مسئولية مدير السجن أو مأموره، فهو المسئول عن السجن بالكامل وكافة موظفي السجن يعملون تحت إشرافه ورئاسته. ومهمة وحدة المباحث داخل السجن التي يترأسها رئيس المباحث من المفترض أن تكون كشف الجرائم التي تحدث داخل السجن، والتحري عن مدى صحة الاتهامات التي توجه إلى أي سجين، إلا أن الواقع العملي مختلف، إذ أن رئيس مباحث السجن ومعاونيه لديهم سلطة أعلى من سلطة المأمور على السجن والسجناء.
هذا ما نتناوله في هذا الفصل، وترجع أهمية تناول مسألة الإدارة والنظام داخل السجن إلى أنه من واجبات الإدارة حفظ النظام داخل السجون، دون أن يكون ذلك على حساب حقوق السجناء ودون أن يكون حفظ النظام والأمن مبررًا للمعاملة اللاإنسانية أو المهينة التي تحدث للسجناء.
وقد تم تنظيم الإدارة والنظام بقانون السجون بعشر مواد تبدأ بالمادة رقم 73 وتنتهي بالمادة رقم 82 منه، كما جاء باللائحة الداخلية للسجون المركزية بخمس مواد تبدأ بالمادة رقم 55 وتنتهي بالمادة رقم 59.
وقد تقرر بالقانون أن يتولى مدير عام السجون (مساعد وزير الداخلية لشؤون السجون) إدارة السجون والإشراف على سير العمل فيها، وأن يكون مدير السجن أو مأموره مسئولًا عن حراسة المسجونين في السجن، ويتولى تنفيذ أحكام جميع القوانين واللوائح الخاصة بالسجون داخل السجن، ويخضع لإشرافه كافة موظفي السجن ويعملون طبقًا لأوامره. ويكون بكل سجن عدة سجلات: سجل عمومي للمسجونين، ودفتر يومية حوادث السجن، وسجل أمتعة للمسجونين، وسجل تشغيل المسجونين، وسجل الجزاءات، وسجل الهاربين من السجن، وسجل الشكاوى والطلبات المقدمة من المسجونين، وسجل الزيارات الذي يعد لتدوين ملاحظات الزائرين الذين لهم صفة رسمية، والسجلات القضائية التي يرى النائب العام ضرورة استعمالها. ويُنشأ كذلك لكل مسجون في السجن بحث شامل عن حالته من النواحي الاجتماعية والطبية والنفسية، لتتبع حالته وما يطرأ عليه من تحسن أو انتكاس وكذلك يذكر فيه توصيات الأخصائي الاجتماعي، وكذلك أي سجل آخر يرى المدير العام للسجون ضرورة استعماله.
وتكون هذه السجلات تحت إشراف مدير السجن أو مأموره ورقابته، ويكون مسئولًا عن تنظيمها واستيفائها، ويجب على مدير السجن أو مأموره إبلاغ النيابة العامة والجهات المختصة فورًا بوفاة أي مسجون يموت فجأة أو نتيجة حادث أو إصابته إصابة بالغة أو فراره، وكل جناية تقع مع المسجونين أو عليهم، ويجب عليه أيضًا إبلاغ النيابة بحوادث الجنح التي ترتكب من المسجونين أو عليهم إذا كانت خطرة أو كانت ظروف المتهم من شأنها أن تجعل الجزاء التأديبي غير كافٍ.
ولا يسمح لأحدٍ من رجال السلطة من غير المسئولين عن السجن (على سبيل المثال ضباط أمن الدولة أو ضباط المباحث غير العاملين بالسجن) بالاتصال بالمحبوس احتياطيًّا داخل السجن إلا بإذنٍ كتابيٍّ من النيابة العامة، وعلى مدير السجن أو مأموره أن يدون في دفتر يومية السجن اسم الشخص الذي سمح له بذلك، ووقت المقابلة وتاريخ الإذن ومضمونه.
ويجب على مدير السجن أو مأموره قبول أية شكوى جدية من المسجون، شفهية أو كتابية و إبلاغها إلى النيابة العامة أو الجهة المختصة بعد إثباتها في السجل المعد للشكاوى. لكن لم يحدد القانون آليات تسمح للمحتجزين بالوصول إلى الإدارة لتقديم الشكوى، ولم تحدد أي جزاءات في حال امتناع الإدارة إبلاغ النيابة العامة أو الجهات المختصة الأخرى عن شكاوى المحتجزين.
ويكون إعلان المسجونين بالأحكام والأوراق القضائية أو أي إعلانات رسمية إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، ويجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة بإطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته، وإذا أبدى المسجون رغبة في إرسال صورة الإعلان إلى شخص معين، وجب إرسالها إليه بكتاب موصًى عليه وإثبات هذه الإجراءات في سجل خاص.
ويجب أن يكون كل تقرير بالاستئناف أو بغيره من طرق الطعن على الأحكام الصادرة ضد أحد المسجونين، ويرغب في رفعه بواسطة مدير السجن أو مأموره محررًا على النموذج المخصص لذلك والمعتمد من النائب العام، ويجب على مدير السجن أو مأموره أن يتحقق من تسلم تقارير الاستئناف أو التقارير الأخرى المقدمة من المسجونين ومن قيدها بالسجل المخصص لذلك وترسل فورًا إلى قلم كتاب المحكمة المختصة، ويجوز إرسالها بالبريد بكتاب موصًى عليه إذا كان قلم كتاب المحكمة المختصة بعيدًا عن السجن.
وبالنظر إلى ما جاء بقانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية نجد فيهما عيوبًا جوهرية، منها:
- إعطاء مدير السجن سلطة قبول شكوى المسجون، في حين أن مدير السجن يكون مسئولًا عمَّا يقع داخل السجن للمساجين، وبالتالي يكون مدير السجن في أغلب الأحيان غير محايد كخصم أو مشكو في حقه، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون هو نفسه المسئول عن تلقي الشكاوي، ويجب أن تكون جهة تلقي الشكاوي جهة قضائية مستقلة و محايدة.
- النص على عدم السماح لأحدٍ من رجال السلطة العامة بالاتصال بالمحبوس احتياطيًّا، وبالرغم من ذلك إتاحة احتجاز المحبوسين احتياطيًّا بأماكن الحجز الملحقة بأقسام الشرطة والأماكن التي تستخدم كأماكن احتجاز، والتي يكون لرجال السلطة العامة سيطرة كاملة عليها.
- عدم النص على ضرورة إعطاء موظفي السجون دورات تدريبية تؤهلهم للعمل بالسجون ولا على استمرار تدريبهم على كيفية معاملة المساجين أثناء وجودهم بالخدمة.
الوضع في المواثيق والاتفاقيات الدولية:
اهتمت المعايير الدولية بضرورة سلامة إجراءات اختيار وتدريب و مراقبة موظفي السجون، ونصت قواعد مانديلا على هذا الأمر تحت عنوان "موظفو السجن" من القاعدة رقم 74 إلى 82 وقد جاء بها:
أن تحرص إدارات السجون على اختيار موظفين يتمتعون بالنزاهة والإنسانية والكفاءة المهنية، وأن يكونوا مؤهلين نفسيًّا لهذا العمل، وأن تعمل إدارات السجون على ترسيخ قناعة أن ما يقوم به موظفو السجون خدمة اجتماعية بالغة الأهمية. وعلى إدارات السجون أن تستخدم لترسيخ هذه القناعة لدى الموظفين والرأي العام وتحقيقًا لهذا الغرض جميع الوسائل المناسبة.
يجب تعيين موظفي السجون بوصفهم موظفي سجن محترفين ويضمن لهم الأمان الوظيفي المرهون فقط بحسن السلوك والكفاءة واللياقة البدنية، ويجب أن تكون الأجور مناسبة بحيث تجتذب الأكفاء من الرجال والنساء، كما يجــب أن تحدَّد مزايــا عملهم وظــروف خدمتهم علــى نحوٍ يراعي طبيعة عملهم المرهقة.
حصول جميع موظفي السجون على قدر مناسب من التعليم وتمكينهم من الاضطلاع بواجباتهم بطريقة مهنية وتزويدهم بالوسائل اللازمة لذلك، وأن يُزوَّد جميع موظفي السجون قبل الدخول في الخدمة بتدريب مصمَّم خصِّيصا، بحيث يناسب واجباتهم العامة والمحدَّدة، ويمثِّل أفضل الممارسات المعاصرة المثبتة الفاعلية في العلوم الجنائية. ولا يُسمح بالالتحاق بالعمل في السجون إلَّا للمرشَّحين الذين ينجحون في الاختبارات النظرية والعملية في نهاية هذا التدريب. وأن تكفل إدارة السجن للموظفين بعد الدخول في الخدمة وطوال مزاولتهم لمهنتهم الحصول بصفة مستمرَّة على دورات تدريبية أثناء الخدمة، بغية ترسيخ وتحسين معارفهم وقدراتهم المهنية.
وحددت قواعد نيلسون مانديلا التدريبات التي يجب أن يحصل عليها موظفو السجون كحدٍّ أدنى وهي:
- تدريبهم كي يكونوا على دراية كاملة بالتشريعات واللوائح التنظيمية والسياسات الوطنية ذات الصلة، علاوةً على المواثيق الدولية والإقليمية الواجبة التطبيق، التي يجب أن يسترشد موظفو السجون بأحكامها في عملهم وتعاملاتهم مع السجناء.
- حقوقهم وواجباتهم أثناء ممارستهم وظائفهم، بما في ذلك احترام الكرامة الإنسانية لجميع السجناء وحظر تصرفات معيَّنة، وبخاصَّة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
- الأمن والسلامة، بما في ذلك ستخدام القوة وأدوات تقييد الحرِّية، وإدارة التعامل مع المجرمين العنيفين، مع إيلاء الاعتبار الواجب لأساليب الوقاية ونزع فتيل التوتُّر، مثل التفاوض والوساطة، والإسعافات الأوَّلية، والاحتياجات النفسية الاجتماعية للسجناء واالطرق والأساليب المناسبة لذلك في بيئة السجن، فضلًا عن جوانب الرعاية والمساعدة الاجتماعية، بما في ذلك الاكتشاف المبكِّر لمشاكل الصحة العقلية.
- الحرص على أن يتلقى الموظفون المكلَّفون بالعمل مع فئات معيَّنة من السجناء، أو الذين يُعهَد إليهم بمهام متخصِّصة أخرى، تدريبًا يركِّز على المواضيع المناسبة في هذا الشأن. ويتعيَّن على كل موظفي السجون في جميع الأوقات أن يتصرَّفوا وأن يؤدُّوا مهامهم على نحوٍ يجعل منهم قدوةً طيبةً للسجناء وموضعَ احترامهم.
وقررت القواعد أنه يجب أن يكون من بين موظفي السجون عدد كافٍ من المتخصِّصين كأطباء الأمراض العقلية واختصاصيي علم النفس والمساعدين الاجتماعيين والمعلمين والمدرَّبين على المهارات المهنية، كما يجب ضمان خدمات المساعدين الاجتماعيين والمعلمين والمدرَّبين على المهارات المهنية على أساس دائم، ولكن دون استبعاد العاملين لبعض الوقت أو العاملين المتطوِّعين.
وينبغي أن يكون مدير السجن على قدرٍ وافٍ من الأهلية لمهمته، من حيث طباعه وكفاءته الإدارية وتدريبه المناسب وخبرته، ويجب أن يكرِّس مدير السجن وقتَ عمله كلَّه لمهامه الرسمية، فلا يُعيَّن على أساس العمل بدوام جزئي.
وعليه أن يجعل إقامته داخل مبنى السجن أو على مقربة مباشرة منه، وحين يوضع سجنان أو أكثر تحت سلطة مدير واحد، يتعيَّن عليه أن يزور كلاًّ منهما في مواعيد متقاربة، كما يجب أن يتولَّى موظف مقيم مسؤولية الإشراف على كل سجن من هذه السجون.
ويجب أن يكون مدير السجن ونائبه وأكثرية موظفي السجن الآخرين قادرين على تكلُّم لغة معظم السجناء، أو لغة يفهمها معظم هؤلاء، وأن يُستعان بخدمات مترجم شفهي كفء، كلَّما اقتضت الضرورة ذلك.
وفي السجون التي تُؤوي الذكور والإناث معًا، يوضع القسم المخصَّص للنساء مــن مبنى السجــن تحــت رئاسة موظفة مسؤولة تُؤتَمن على مفاتيح جميع أبواب هذا القسم من السجن، ولا يجوز لأيٍّ من موظفي السجن الذكور أن يدخل قسم النساء ما لم تصحبه في ذلك موظفة أنثى، ويجب أن تكون مهمة حراسة السجينات والإشراف عليهن من اختصاص موظفات السجن من النساء قصرًا. على أنَّ هذا لا يمنع الموظفين الذكور، ولا سيما الأطباء والمعلِّمين، من ممارسة مهامهم المهنية في السجون أو أقسام السجون المخصَّصة للنساء.
وقررت القواعد أنه لا يجوز لموظفي السجون أن يلجئوا إلى القوة في علاقاتهم بالسجناء إلَّا دفاعًا عن أنفسهم، أو في حالات محاولة الفرار أو المقاومة البدنية بالقوة أو بالامتناع السلبي لأمر يستند إلى القانون أو اللوائح التنظيمية.
وعلى الموظفين الذين يلجئون إلى القوة ألَّا يستخدموها إلَّا في أدنى الحدود الضرورية وأن يقدِّموا فورًا تقريرًا عن الحادث إلى مدير السجن، ويجب أن يُوفَّر لموظفي السجون تدريب بدني خاص لتمكينهم من كبح جماح السجناء ذوي التصرف العدواني.
ولاينبغي للموظفين الذين يؤدُّون مهامَّ تجعلهم على احتكاك مباشر بالسجناء أن يكونوا مسلَّحين، إلَّا في ظروفٍ استثنائية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يجوز بأيِّ حال من الأحوال تسليم سلاح لأيِّ موظف ما لم يكن قد تمَّ تدريبه على استعماله.