الطبيب حارس الفضيلة
منذ أيام، صرح النائب البرلماني الطبيب أحمد الطحاوي، عضو لجنة الصحة بالبرلمان- تعليقا على مشروع قانون تغليظ العقوبة على جريمة ختان الإناث المقدم من وزارة الصحة إلى البرلمان- بأن ترك الأنثى بلا ختان أمر غير صحيح، وألمح إلى أن قضية الختان هي أحندة غربية ودعا إلى أخذ رأي أهل الشرع والعلم، أي الاطباء، في هذا الأمر.
أثارت هذه التصريحات ضجة كبيرة من أعضاء برلمانيين وكتاب وناشطات نسويات، واعتبرها البعض تحريضا على جريمة الختان المجرمة طبقا للمادة 242 مكرر من قانون العقوبات.
قد أتفهم أن هذه التصريحات مثيرة لغضب الكثيرين، ولكن الحقيقة أنها لا يجب أن تكون مفاجئة أو صادمة لأي أحد، فمواقف الكثير من الأطباء تجاه الختان معروفة ولا تحتاج تصريحات لتأكيدها، فمواقفهم تؤكدها أعمالهم وأياديهم ومشارطهم التي يعملونها في أجساد الفتيات مقتطعين أجزاء من أعضاء النساء الجنسية صغرت أم كبرت بدعاوى ختان أكثر أماناً وتعقيماً للفتيات، نظرة واحدة لآخر إحصائيات ختان الإناث في مصر ستكشف لنا هول مأساة تطبيب الختان في مصر، فإحصائيات 2014 تؤكد أن 74% من عمليات الختان التي أجريت للفتيات الأقل من عشرين عاما تمت على أيدي أطباء، أي أنهم الممارسون الأوائل لهذه الجريمة في مصر، والورثة الشرعيون للدايات في إجرائها.
ولا يقف إجرام الكثيرين منهم عند هذا الحد لكن المنظومة الطبية/ القانونية تحمي الأطباء الممارسين لهذه الجريمة، فالطبيب الشرعي الذي فحص جثة سهير الباتع التي توفيت أثناء إجراء الختان على يد طبيب في 2013، قال في تقريره إن «التدخل الجراحي الموضعي بفرج الطفلة لإزالة زوائد جلدية به كان قراراً سليماً وله ما يبرره من الوجهة الفنية»، وعند سؤاله عما جاء بالتقرير أكد أن التدخل الجراحي الذي أجراه الطبيب المتهم كان بمنطقة البظر، ولكنه لا يستطيع الجزم بما إذا كان ذلك ختاناً أم إزالة لزوائد جلدية.
كان هذا هونفس الاستنتاج الذي وصلت إليه اللجنة الثلاثية التي يرأسها كبير الأطباء الشرعيين، والتي انتدبتها النيابة العامة لمعرفة هل كانت هذه العملية ختاناً أم لا. لا يكفي أن جسد الفتاة المتوفاة كان به قطع طوله واحد سنتيمتر بمنطقة البظر، وأن هذه هي نفس منطقة ختان الإناث، ولا يكفي أن الأب أقر في البداية أنه كان يجري لابنته عملية ختان، وقال ذلك لمفتش الصحة الذي أجرى عليها الكشف عقب وفاتها وكذلك لأمين الشرطة بمركز أجا، ولا يكفي أن تحريات المباحث أكدت أن الطبيب المتهم مشهور عنه إجراء عمليات الختان، لكن من يعلم؟ ربما كان الطبيب يزيل زوائد جلدية نمت بالصدفة البحتة في نفس موضع إجراء الختان! يبدو الشر هنا إجرائيا جدا وبيروقراطيا للغاية، أطباء شرعيون يكتبون تقارير عما رأوه، ولا يمكنهم الجزم بالطبع بما لم يروه ويضعون جميع الاحتمالات خشية أن يظلموا الطبيب المسكين القاتل!.
قد تختلف دوافع الأطباء في إجراء عمليات الختان بين التربح أو القناعات الدينية أو ضمان عفة الفتاة أو جميع هذه الأسباب أو غيرها، لكن دافعا قويا ضمن هذه الدوافع يبقى هو السلطة الأخلاقية التي يتمتع بها الأطباء ويسلطونها كما يشاءون على أجساد النساء، فتصريحات النائب البرلماني حول أهمية الاتجاه لأهل الدين والعلم لتبين جواز منع الختان من عدمه كاشفة عن الكيفية التي يرى المجتمع بها أجساد النساء، فلجميع رجال المجتمع الحق في إصدار الأحكام حول الحجم الذي يجب اقتطاعه من أعضاء المرأة وحول إذا ما كان يحق للمراة التحكم في رحمها أم لا وحول أي قرار تتخذه بشأن حياتها الجنسية منذ نعومة أظافرها وحتى وفاتها.
لن تجد الأطباء الذين يمارسون الختان مقتنعين بدورهم كمقدمي خدمة طبية، بل هم ينظرون لأنفسهم كأوصياء على المجتمع وبخاصة نساؤه وبخاصة أخلاق هؤلاء النسوة والفتيات ومدى بروز فروجهن ومدى اكتمال أغشية بكاراتهن، لا يعنيهم أهلية هؤلاء النساء وحقهن في التحكم في أجسادهن، ففي الوقت الذي يقبلون في أن يختنوا طفلة في العاشرة من عمرها دون علمها بما سوف يحدث لجسدها ودون موافقة منها، ستجدهم يرفضون استقبال فتيات غير متزوجات في عياداتهم بدعوى حماية الأخلاق، وستجدهم أيضا يرفضون كتابة موانع الحمل الطارئة ﻷنها – في رأيهم- تشجع على الجنس خارج الزواج، في الغالب أيضا سيكونون متطرفين للغاية في رفضهم للإجهاض بدعوى أنه حرام.
لا شأن كبيرا للطب في ممارسة الأطباء للختان، أو مدى صحة أو علمية علاقة الختان بالإثارة الجنسية أو بلوغ حالة الانتشاء الجنسي، بل هو بالأساس قضية تحكم في حيوات النساء الجنسية التي يجب أن تبقى قيد المراقبة والتقييد خشية ان تتمكن النساء – لا قدر الله – من الاستمتاع بالجنس أو الشعور بإثارة زائدة، لذا يجب ضبط مقدار الإثارة التي يحسبها هؤلاء الأطباء بعدد الملليمترات البارزة من فرج المرأة.
لا يمكن لنا مقاومة الختان دون الخوض في هذه الشؤون ودون نزع مفاتيح بوابات الفضيلة المتوهمة من أيدي الشيوخ والأطباء، ودون الإيمان بحقوق مساوية للنساء والفتيات بالتحكم في أجسادهن وأهليتهن لاتخاذ قرارات تخص الإنجاب أو عدمه والوصول لوسائل تمكنهن من تنفيذ هذه القرارات، ونزع حصرية المتعة الجنسية كحق أصيل فقط للرجال والاعتراف أن للنساء أيضا حقٌ مساوٍ في المتعة وفي طلب الجنس وفي بلوغ الذروة الجنسية دون أن يكون في ذلك تهديد لفحولة الرجال.
تم نشر هذا المقال عبر منصة المصري اليوم بتاريخ 16 يوليو 2016