كل مباراة هي حالة طوارئ بالتعريف: عن علاقة الشرطة بملاعب الكرة في مصر
مقال بقلم كريم مدحت عنارة-الباحث بوحدة العدالة الجنائية
تم نشر هذا المقال عبر موقع معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بتاريخ24 فبراير 2015 باللغة الإنجليزية وقام الباحث بترجمته إلى اللغة العربية.
في الثامن من فبراير 2015 لقي 19 على الأقل من مشجعي كرة القدم حتفهم في انتظار الدخول إلى استاد الدفاع الجوي لمشاهدة مباراة في الدوري المصري بين الزمالك وإنبي ـ كانت تلك هي المباراة الأولى التي يسمح فيها بحضور الجمهور في الدوري المصري، ولو بأعداد قليلة, بعد حظر استمر 3 سنوات كان قد تم إقراره في أعقاب كارثة استاد بورسعيد، التي خلفت 72 قتيلا في فبراير 2012. بدا أن المسبب الرئيسي في وفيات استاد الدفاع الجوي هو التدافع والدهس الذي نتج عن إطلاق الشرطة للغاز المسيل للدموع وسط المدخل شديد الضيق الذي تم حشر المشجعين فيه قبل بدء المباراة. لكن هل نجمت المأساة عن "اندفاع" مفاجئ للحشود، كما زعمت الشرطة، أم كان للأحقاد السياسية المبيتة، والممارسات الشرطية ثقيلة الوطأة، الدور الأهم في الكارثة؟
تاريخ كوارث مدرجات الكرة تاريخ طويل يحفل بالمآسي ـ فطبيعة البيئة المعقدة للمجمعات الرياضية الضخمة تعظم من احتمالات وقوع حوادث، ويمكن لأهون خطأ أن يؤدي إلى تدافع ساحق—حرفيا—للجمهور، كما تتعدد العوامل التي يمكن أن يصيبها الخطأ في هذا السياق، من الأعطال الهندسية والانهيارات الهيكلية إلى الاكتظاظ وهي عوامل كثيرا ما تأتي مقترنة بضعف أو غياب ترتيبات السلامة والطوارئ. ورغم أن عنف المشجعين نادراً ما يكون السبب الأوحد، إلا أن بعض الحوادث المميتة وقعت أيضاً بسبب شغب الجمهور أو الاعتداء على مشجعي الفريق الخصم بسبب قرارات تحكيمية لم تحصل على استحسان الجمهور.
ولكن عادة ما يضاف إلى هذا عامل بالغ الأهمية وهو التدخل الشرطي السلبي أو "الرديء", وأقصد بالرديء الذي يؤدي إلى عكس الغرض المطلوب من أي تدخل شرطي وهو حفظ الأمن، ويشمل هذا ضعف الاستجابة لأي طارئ، أو الإهمال في التعامل مع إجراءات الأمن، أو في بعض الأحيان ثقل وطأة محاولات الشرطة للسيطرة على الحشود التي تتسبب في مفاقمة الوضع. على الرغم من ذلك, لم يكن العنف الشرطي المألوف في مصر هو ما أدى إلى وفيات استاد الدفاع الجوي. ولكي نفهم كيف لقي 19 شخصاً حتفهم في تدافع وسط حشد صغير نسبياً قوامه 10 آلاف، فإن علينا أن نفحص تطورات علاقة الدولة مع جماهير الكرة المصرية على مدار السنوات القليلة الماضية.
توابع بورسعيد
عندما وقعت كارثة استاد بورسعيد في 2012، حينما تسبب عنف الجماهير وتبلد الشرطة وبوابة مغلقة في محاصرة الجماهير داخل نفق الموت والدهس ما تسبب فيقتل 72 شخصاً, في ذلك الوقت كان إصلاح جهاز الشرطة ما يزال موضوعاً للجدل المحتدم في مصر. لكن التلكؤ والتباطؤ في التعامل مع هذا الملف استطال حتى فاتت أي فرصة حقيقية للإصلاح. وأعقب الكارثة محاكمة جنائية صورية ومعيبة. أدين فيها أحد كبار ضباط الشرطة (إلا أن الأمر صدر بإعادة محاكمته, وقد صدر حكما جديدا في يونيو 2015 بإعدام 11 شخصا, وبأحكام سجن متفرقة, وأدين اثنين من ضباط الشرطة في الحكم الجديد وعوقبوا بسجن خمس سنوات إضافة إلى إداري واحد من النادي المصري). لم تجر أية محاولة جدية لمراجعة ممارسات الشرطة في السيطرة أو التعامل مع الحشود والاستجابة للطوارئ، ناهيك عن القضية الأوسع نطاقاً، ألا وهي إرساء آليات للمحاسبة ونزع التسييس عن جهاز الشرطة.
يوسف حماده، أحد جماهير الأهلي والذي شاءت الأقدار أن كون على الناحية الخارجية من البوابة المغلقة يوم كارثة استاد بورسعيد في حين تراص المئات من مشجعي الأهلي في نفق الموت على الناحية الأخرى, نجح في كسر القفل وفتح البوابة فأنقذ عشرات الأرواح في حين لقى حتفه دهسا تحت البوابة التي تهاوت على جسده.
توقف النشاط الكروي ثم عاد مرة أخرى بدون جماهير, وفي حالات قليلة متفرقة تم السماح لأعداد صغيرة من الجماهير بحضور بعض المنافسات الأفريقية ومباريات الفريق القومي. ورغم لا معقولية استمرار هذا الحظر لمدة 3 سنوات، فإن مؤسسة الكرة لم تجد غضاضة في اعتراض وزارة الداخلية ومقاومتها لأي محاولة لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي. تنتعش وزارة الداخلية المصرية في الظروف الاستثنائية أو الظروف التي تشبه الاستثناء، أما عن رأس المال الكروي وأصحابه فقد ظل المال يتدفق عليهم من حقوق البث التلفزيونية فلم ينشغلوا كثيرا بالحظر كما أنهم أراحوا بالهم من صداع الجماهير لفترة لا بأس بها.
بالرغم من كل ذلك, فقائمة عشاق كرة القدم في مصر تضم بطبيعة الحال أفراد من النخبة السياسية، ولعل القلق كان يساورهم من الانحدار السريع، الذي لا يمكن وقفه على ما يبدو، في مستوى الكرة المصرية، وخاصة بعد إخفاق مصر الأخير في التأهل لكأس الأمم الأفريقية, مما دفع الدولة المصرية لإبداء بعض اللين في موقفهم من مسألة الجماهير ـ ربما غير بعضهم رأيه واعترف بأن الجماهير مهمة لكي تبقى كرة القدم حية. تم السماح للجماهير بالعودة بشكل محدود في بداية 2015. ولكن كل مسببات الكوارث خاصة في التجمعات (الكبيرة أو الصغيرة) كانت كما تركت في 2012, لم يتغير أي شيء خلال الحظر الذي امتد 3 سنوات، اللهم إلا أن الشرطة ازدادت عنفا بشكل غير مسبوق, وصارت الخسائر البشرية خبراً يومياً في مصر ولم تعد أرقام الضحايا تثير انتباه أحدا كما كانت في فبراير 2012 عندما قتل 72 من المشجعين في بورسعيد.
تاريخ طويل من ضرب جماهير الكرة بالغاز المسيل للدموع
لعل أسوأ كارثة كروية شهدها العالم حتى الآن كانت مباراة بيرو والأرجنتين في استاد ليما الوطني في 1964، التي خلفت ما لا يقل عن 328 قتيلاً بحسب التقديرات الرسمية. كان حاضرا في الاستاد 53 ألف شخص ـ أي حوالي 5 بالمئة من سكان العاصمة ليما آنذاك - وحين ألغى الحكم هدفاً لبيرو، اقتحم أرض الملعب اثنان من المشجعين الغاضبين. حاولت الشرطة إبعاد المشجعين وأثناء قيامها بذلك اعتدت بالضرب بوحشية على واحد منهما وقامت بسحله إلى خارج الملعب. يبدو أن ذلك المشهد استفز مشاعر الجماهير الوطنية (المستثارة بفعل تأثير مجريات المباراة) فقاموا باقتحام أرض الملعب بأعداد أكبر، وأطلقوا الألعاب النارية وما كان يشبه الشماريخ في ذلك الوقت على رجال الشرطة. لا يوجد عندي أدنى شك أن إطلاق الغاز المسيل للدموع داخل استاد لكرة القدم هو فكرة سيئة للغاية، أيا كانت الظروف والملابساتً. إلا أن شرطة بيرو فعلت هذا بالضبط، فتسببت في مزيد من الهلع وسط جمهور كان قد بدأ في التوتر بالفعل، نتج عن ذلك تدافع في محاولة للخروج مات فيه المئات. الأغلبية العظمى من الـ328 حالة طبعا للإحصاء الرسمي قضوا نحبهم في نفق الخروج، على منوال كارثة استاد إيبروكس، وكارثة استاد لوجنيكي، وبورسعيد في 2012. في مقابلة مع البي بي سي في 2014 أجراها اللاعب البيرواني تشومبيتاس بعد مرور 50 عاما على الكارثة, قال تشومبيتاس: "لا نستطيع أن نعرف ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن (الشرطة) أخرجت المشجع بطريقة سلمية، لكننا لا نستطيع التفكير في هذا الآن". ومما يجدر ذكره هنا أيضاً تدافع استاد هاراري الأقرب عهداً في سنة 2000، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على جماهير زيمبابوي المشاغبة فأدت إلى تدافع قتل 12 شخصاً وترك اللاعبين يتلوون على الأرض من آثار الغاز. أما من حيث الأعداد فقد وقعت أسوأ كارثة رياضية في التاريخ الأفريقي في غانا في شهر مايو 2001. تسبب هدفان متأخران للفريق صاحب الملعب، "هارتس أوف أوك"، إلى قلب نتيجة المباراة، فاندفع مشجعو "أسانتي كوتوكو" يخلعون المقاعد ويلقون بالزجاجات. وردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والطلقات البلاستيكية، فتسببت في تدافع نتجت عنه 127 وفاة، معظمها بالأسفيكسيا الناتجة عن انضغاط الصدر.
****************
كان استاد القاهرة في عز مجده قادرا على استضافة ما يزيد عن 100 ألف مشجع في المباريات الكبرى ـ وسبق له أن استوعب بالفعل أكثر من 120 ألفاً في أكثر من مناسبة ـ إلى تم تحويله إلى استاد بمقاعد للجميع بسعة أقل، قبل كأس الأمم الأفريقية في 2006. وكانت التذاكر مشكلة شبه دائمة في المباريات الكبرى، وأعداد المشجعين الذين يحاولون الدخول، بتذاكر أو بدون، لا نهاية لها على ما يبدو. وفي بعض الأحيان كانت تتم تسويات، فيسمح بدخول أعداد أكبر مما يجب إلى الاستاد، وعند خروج الأمور عن السيطرة يتم إطلاق قوات الأمن المركزي على الجمهور. وكانت أداتهم الرئيسية في السيطرة على الحشود أداة شديدة البدائية وهي الانقضاض على الحشود من فوق ظهور الخيل بالعصيان والسياط, مما يجبر بعض المشجعين الأقل حماسا على الانسحاب واليأس من محاولة الدخول، حتى ولو كانت معهم تذاكر, فيحدث قليلا من التوازن.
وقبل ثورة 25 يناير، نادراً ما كانت الشرطة تتعامل مع حشود كبيرة، وبالتالي فإن كثيرين من المصريين لم يكونوا على علم باستخدام تلك الأساليب البربرية في حفظ الأمن. لكن إذا كنت من مشجعي الكرة المواظبين على الذهاب إلى الملاعب في مصر فمن الوارد أن تكون قد تعرضت للسعة السوط ولو مرة واحدة على الأقل. ومع ذلك فلم يسبق أن توفي أحد في تدافع بإستاد القاهرة، ونحن نتحدث عن حشود يزيد حجمها 15 مرة عن جماهير مباراة استاد الدفاع الجوي، تلك الحشود الهزيلة التي زعمت الشرطة أنها "غمرتها" وأربكتها يوم الأحد 8 فبراير 2015. كان الحادث الوحيد الذي وقع طوال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية قبل بورسعيد هو حادث الإسكندرية في 1999، حيث توفي 8 مشجعين عند تجمع الحشود أمام بوابات الاستاد في أحد أيام رمضان وبعد رفض المسؤولون فتح البوابات حتى ما بعد الإفطار.
الشرطة المصرية تتصدر المشهد
أما في هذه المرة فقد تفوقت شرطة مصر على نفسها وعلى نظرائها عبر التاريخ، رغم تضاؤل أرقام الخسائر بالمقارنة. فقد استحدثت الشرطة المصرية أسلوبا جديدا في حفظ الأمن في التجمعات الرياضية, بأن قامت بحشر حشداً قوامه من 5 إلى 10 آلاف نفس عبر قفص بدائي مصنوع من الأسلاك الشائكة يؤدي إلى داخل استاد الدفاع الجوي، على أن تضربهم بالغاز المسيل للدموع إذا اشتكوا. يظهر مقطع الفيديو الذي التقطه مشجع تمكن من التسلق بعيداً عن التدافع الحتمي، تلك اللحظات التي بدأت فيها الجماهير التململ والإحساس بالضيق وصعوبة الوقوف داخل القفص المسقوف بالسلك الشائك, ثم يَسمع بعد ذلك مباشرة صوت إطلاق عبوات الغاز في الخلفية.
لم تكن لاستجابة الشرطة والوفيات المترتبة عليها أية صلة بالاكتظاظ أو عنف الجماهير إذا، بل كانت متصلة كل الصلة بهوس وزارة الداخلية وإدارة نادي الزمالك في استعراض قوتهما وسلطتهما أمام المشجعين، وخاصة أمام الوايت نايتس. لدى رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك، المستشار المحب للظهور والذي يؤيد ويعشق الدولة أكثر من الدولة نفسها، ثأر مبيت مع الوايت نايتس، وقد حاول سابقا وعند البت في مسألة عودة الجماهير فرض إجراءات بيروقراطية معقدة لإتاحة التذاكر للجماهير. نشرت مواقع إخبارية كروية نسخة مما يبدو أنه اقتراح قدمه مرتضى منصور إلى اتحاد الكرة كشرط لعودة الجماهير: طلب طويل يلزم ملأه وتوقيعه قبل شراء التذكرة. والحقيقة أن اتحاد الكرة المصري لم يضع أية إرشادات لإدارة ملاعب الكرة من قبل، وفي مصر المعاصرة التي تفتقر إلى أي نوع من الضوابط المؤسساتية، يمكن لمرتضى وأمثاله اختراع القواعد وفق أهوائهم السلطوية الأكثر جموحاً. وما وصل لعلمنا هو أن 10 آلاف تذكرة مخصصة لمباراة الزمالك وإنبي كانت قد طبعت، وأن إدارة النادي قامت بتوزيع 5 آلاف منها كدعوات مجانية، ولم يتم بيع التذاكر الباقية في نقاط البيع المعروفة أمام النادي.
كان مرتضى منصور قد أعلن في تصريح صحفي قبل المباراة بأيام قليلة، أن المشجعين سيحضرون المباراة مجاناً، كـ"هدية لمشجعي الزمالك". فكان التشوش والخلط سيد الموقف بالطبع، وربما افترض بعض المشجعين أن كل ما عليهم هو الحضور والوقوف في طابور خارج الاستاد. ربما. أما بيان وزارة الداخلية، الذي نشر بعد أقل من ساعة من وقوع الحادث، فقد ألقى باللوم بالكامل على المشجعين، زاعماً أن المشجعين من غير حاملي التذاكر حاولوا اقتحام الاستاد. لكن العديد من مقاطع الفيديو وشهادات شهود العيان تبين مخالفة هذا للحقيقة ـ لم يحاول أحد اقتحام الاستاد. بل كانت المشكلة الحقيقية هي أن حشر المتفرجين في قفص مصنوع من الأسلاك الشائكة كان من شأنه حتماً أن يؤدي إلى هذه الفوضى التي يصعب تخيل أن أحدلا لم يتوقعها! فحينما بدأ القفص في الانهيار وحاول المشجعون الفرار، شرعت الشرطة في إعادة المتفرجين إلى النظام—أي إلى القفص-بالضرب. وكان من الواضح أن مزاج الشرطة شديد الضيق وأنهم كانوا في انتظار أقل احتكاك لاستعراض سياستها الجديدة المتمثلة في الانعدام التام لأي شكل من أشكال التفاهم أو التسامح.
تشارك المملكة المتحدة مع مصر مكانة متقدمة في ترتيب البلدان ذات الوفيات الأعلى في كوارث ملاعب كرة القدم، سواء من حيث أعداد الحوادث أو أرقام الخسائر البشرية. كما أن لديها نصيباً وافراً من مجموعات التشجيع الكروي المتحمسة والمتعصبة أحياناً. وفي أعقاب كارثة 1971 باستاد إيبروكس الإسكتلندي، تم نشر "الدليل الأخضر إلى السلامة في الملاعب الرياضية"، ثم كان تحديثه في أعقاب كارثة هيلزبورو في 1989. وهذه الوثيقة موجهة إلى مديري وموظفي ملاعب كرة القدم، وهي تقدم إرشادات وحلولا عملية لضمان السلامة داخل الملاعب: أنظمة إنذار مبكر، وأدوات لحساب السعة الآمنة وكثافات الحشود المناسبة، والمرور الآمن والفصل بين المشجعين، وكذلك الإخراج الآمن إذا لزم الأمر.
تتطلب بعض هذه الحلول موارداً لا يستهان بها، كما أن بعضها يتجاوز قدرات وتفكير الأجهزة الأمنية المصرية ـ حيث يقترح الدليل، على سبيل المثال، وضع خطط للطوارئ والتدريب المستمر عليها للتعامل مع سيناريوهات معينة (على سبيل المثال, سيناريو الارتفاع المطرد في
أعداد الحاضرين بسبب حدوث تزوير للتذاكر على نطاق واسع، أو هياج الجماهير أو اقتحام أرض الملعب من قبل بعضهم). التدريب على الممارسات الفضلى في التعامل مع سيناريوهات مختلفة هو بكل تأكيد فوق طاقة وزارة الداخلية المصرية.
ومع ذلك فإن الدليل يقدم بعض الحلول الأساسية البديهية التي لا تتطلب استثمارات كبرى أو تغييرات مؤسساتية تذكر. فعلى سبيل المثال، في القسم المتعلق بإدارة مرور وتحرك الجماهير أثناء الدخول، يقدم الدليل فكرة شديدة البساطة: "إذا كانت الأعداد المصطفة في طوابير أكبر مما يمكن إدخاله بمعدل الدخول الراهن فمن اللازم، حيثما أمكن، فتح بوابات إضافية للتعامل مع الطلب المتزايد". هكذا, بمنتهى البساطة. كان يمكن بسهولة شديدة القيام بهذا في 8 فبراير 2015، وتجنب وفيات عديدة.
هالة الحبيشي, 14 عاما, فتاة من شبرا النملة بالغربية: أصغر ضحايا كارثة استاد الدفاع الجوي
لكن هل كانت الشرطة المصرية تواجه بالفعل مشكلة اكتظاظ في الاستاد أو صعوبة في إدارة الدخول بسبب الأعداد؟ بالنظر إلى أعداد الجماهير الهزيلة التي سمح بها وقتها والتي تقل عن ثلث سعة الاستاد بحسب التقديرات، فإن المشكلة بالأساس كانت التصلب في مواقف الشرطة ـ الإصرار على سياسة "عدم التسامح" وكأن فتح بابا إضافيا يساوي إذعانا وضعفا من الدولة. هذا بالإضافة, لا يمكن تجاهل السياق, إلى الاستهتار المتزايد من الشرطة تحديدا بأرواح البشر في مصر. مشكلة الشرطة المصرية التي تزيد كل يوم من بعد الثورة هي إصرارهم على التعامل مع كل موقف—أي موقف—على أنه تحد لسلطتهم. والأولوية القصوى عندهم هي الحرص على ألا يبدو أنهم قد خضعوا لإرادة أحدا غيرهم—متظاهرون سياسيون أو تجمع لجماهير الكرة. فمن المستحيل تقريباُ أن تقنع ضابط شرطة مصري بأن وظيفته تنطوي أحياناً على التنازل في موقف معين، لأن العقيدة السائدة هي أن وظيفة الشرطة تتمثل في استعراض والتأكيد المستمر على سلطة الدولة. لم يخسر أحد حياته في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين حينما كانت الشرطة تضطر لإدارة حشود تزيد عن 120 ألفاً أمام استاد القاهرة. أما اليوم فإن الشرطة قد أصابها الهوس بألا تظهر في مظهر المتنازل, وقد فقد 19 شخصاً على الأقل حياتهم في 8 فبراير حتى يدرك المجتمع ككل، وجماهير الكرة بالأخص، من الذي بيده السلطة, ومن الذي يدير الأمور ويقرر إذا كان من المسموح لك الهرب من قفص متهاوٍ من السلك الشائك ـ وهو الدرس الذي تعلمناه بالفعل، أكثر من مرة، على مدار السنوات القليلة الأخيرة.
تم نشر هذا المقال عبر موقع معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بتاريخ24 فبراير 2015 باللغة الإنجليزية وقام الباحث بترجمته إلى اللغة العربية.