ألا توجد شبهة جنائية؟!
على مدار الشهور التسعة المنصرمة من العام 2013 وإلى الآن، تناقلت الصحف أخبارًا عن وفيات حدثت بأماكن الاحتجاز المختلفة، بجمهورية مصر العربية، بلغ عددها 24 حالة، غير الستة والثلاثين مسجونًا الذين لقوا حتفهم في سيارة ترحيلات سجن أبو زعبل، وبمطالعة تلك الأخبار ومتابعة تصريحات مسئولي وزارة الداخلية، سنجد جملة واحدة تتكرر في الأغلب الأعم، عند الحديث عن أي واقعة من هذه الوقائع، تلك الجملة هي: "لا توجد شبهة جنائية في الوفاة".
ولن أتحدث هنا عن الوفاة الناتجة عن التعذيب - فلنفترض جدلا أن كافة هذه الحالات, بالرغم من كثرتها وما هو معلوم عن إساءة استخدام السلطة واللجوء إلى العنف والضرب داخل السجون المصرية, لم تحدث نتيجة للتعذيب, فهل يخلي هذا مسؤولية مصلحة السجون المصرية عن سقوط 24 حالة وفاة لأشخاص في حوزتها في أقل من عام واحد ؟؟ فمن المُسلَّمِ به أن التعذيب جريمة، لا تسقط بالتقادم ويجب محاسبة مرتكبها . فدعونا نتحدث عن حالات الوفاة التي تحدث بمكان الاحتجاز ويقال عنها: "لا توجد شبهة جنائية في الوفاة"، وهي غالبًا تكون نتيجةً لأن المسجون أو المحتجز يعاني من مرض ما ويُتَوَفَّى بسببه.
فهل إذا كان المسجون أو المحتجز مريضًا وتم حبسه أو احتجازه، بمعنى أنه أصبح مقيد الحرية، تحت إمرة مُحتجِزِهِ وتحت تصرفه، ثم تُوفِّيَ دون أن يُمارسَ عليه التعذيب، لكن مات من جراء المرض ، أو مات لعدم تقديم الرعاية الصحية اللازمة له ، هل في هذه الحالة نستطيع القول أنه: "لا توجد شبهة جنائية في الوفاة" ؟!
فلنبحث إذن عن الإجابة في قانون العقوبات المصري ...
وسنجد أن المادة 127 من قانون العقوبات، تقرر معاقبة كل موظف عام، وكل شخص مكلف بخدمة عامة بالسجن، إذا أَمَرَ بعقاب المحكوم عليه أو عاقبه بنفسه، بعقوبة أشد من العقوبة المحكوم بها عليه. وتقرر المادة 129 من نفس القانون، عقوبة الحبس التي لا تزيد عن سنة، على كل موظف أو مُستخَدَم عمومي، وكل شخص مُكَلف بخدمة عمومية، استعمل القسوة مع الناس اعتمادًا على وظيفته، بحيث أنه أخل بشرفهم أو أحدث آلامًا بأبدانهم.
وكذا فإن المادة 238 من قانون العقوبات، تقرر الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنين، لكل من تسبب خطأً فى موت شخص آخر، بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله، أو رعونته أو عدم احترازه، أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة، بأن كان ذلك نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسيمًا، بما تفرضه عليه أصول وظيفته أومهنته أو حرفته، أو كان متعاطيًا مُسكِرًا أو مُخدِرًا، عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث، أو نَكِل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة له، مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس مدةً لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين، إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة، كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
إن مسئولي السجون موظفون عموميون، وبالتالي فإن منع تقديم الرعاية الصحية للمحتَجَز المريض، هو أمر بمعاقبة المحتَجَز بعقوبة أشد من العقوبة المقررة عليه، لأن ترك المُحتَجَز يتألم من جراء مرضه دون مساعدته، هو عقاب يوقعه المسئول على المسجون وهو استعمال القسوة، وكذلك هو إخلال جسيم من موظف عام، بما تفرضه عليه أصول وظيفته، وكل مسئول أو موظف عام يرى ويعلم بوجود محتجز مريض، ولا يُوفِّر له الرعاية المطلوبة، محاولة لإنقاذ حياته، ويؤدي ذلك إلى وفاة المُحتَجَز، يكون قد نَكِلَ وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة له، مع تمكنه من ذلك، وبالتالي يقع تحت طائلة القانون بنص المادة 238 عقوبات، لا سيما وأن قانون تنظيم السجون قد أفرد ست مواد به لتنظيم الأوضاع الصحية بالسجون، كما أن لائحة تنظيم السجون قد أفرد بها 36 مادة خاصة بعلاج المسجونين، تبدأ من المادة رقم 24 وتنتهي بالمادة رقم 59، وهي توضح واجبات ومسئوليات طبيب السجن، وفي الأغلب الأعم من الأحيان لا يتم إعمال القانون واللائحة، ولا تُتَّبَعُ الإجراءات الصحية المنصوص عليها بهما، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأحوال الصحية للمساجين والمحتجزين مما قد يترتب عليه الوفاة.
وأخيرًا نستطيع القول تعليقًا على وفاة أي مسجون، داخل أي مكان من أماكن الاحتجاز، دون أن يكون قد تعرض للتعذيب: "وفاة مسجون وتوجد شبهة جنائية".