الموازنة العامة... الأسئلة الحرجة في إعلان دار السلام
الموازنة: هي الوثيقة السياسية التي تظهر انحيازات الدولة بوضوح، بدون أي دعاية أو خطب رنانة أو إدعاءات الانحياز للفقراء والمحرومين والمهمشين! وبما أن الموازنات العامة ليست حقيقة "عامة" في كثير من البلاد إما لأنها تحجب فعليا عن الرقابة البرلمانية والشعبية، أو لأنها تكتب بلغة تجعل الوصول إليها وقراءتها مقتصر على فئة يسيرة من خبراء المالية والاقتصاد.
وقد اجتمع العشرات من الناشطين والباحثين في دار السلام نهاية الشهر الماضي بغرض إعلان مبادئ أساسية تخص الموازنات العامة بما يضمن الشفافية والمحاسبة والعلانية لأن الموازنات العامة تحتل موقعا مهما يؤثر على الحياة اليومية لأغلب سكان العالم وخاصة في البلدان النامية.
فخدمات كالصحة والتعليم والتأمينات والمواصلات العامة وغيرها تتحدد كليا أو جزئيا من خلال الإنفاق العام، والإنفاق العام في كثير من البلدان قد يرتفع ليصل إلى ثلث أو حتى نصف الناتج المحلي الإجمالي، وقد أتى اجتماع المنظمات هذه ليضع مبادئ يتفق عليها المجتمع المدني العالمي، ولوضع خطة عمل على مدى السنة القادمة يتحدد من خلالها الخطوات اللازمة لتعميم هذه المبادئ، وحمل الحكومات على التعرف عليها والاعتراف بها والعمل بمقتضاها.
إن الحق في المعرفة يقع في قلب هذه المعركة كي يدرك المواطنون حقيقة إيراد ونفقات الدولة، وتوافر قدر من المعلومات التي يمكن قراءتها وفهمها بسهولة من جانب المواطن العادي المهتم بمتابعة الموازنة العامة. وتدور المبادئ التي تضمنها الإعلان حول شفافية الموازنة كما سبق الذكر، ووحدتها بحيث تكون شاملة لكافة جوانب الإنفاق والإيراد، وهو ما يتنافى في الحالة المصرية على سبيل المثال مع وجود ما يسمى بالصناديق الخاصة، والتي تعجز المصادر الحكومية حتى يومنا هذا-وربما لا ترغب- في تحديد عددها وقيمة ما تحمله من أموال. وبعض هذه الصناديق موجود على مستوى المحافظات وبعضها الآخر على مستوى الوزارات والجهات والهيئات، وهذه الصناديق لا تخضع لرقابة البرلمان رغم أن مصدرها هو الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطنون، وهو ما يعد خرقا واضحا وفجًا للمبدأ القاضي بربط الضرائب مع التمثيل السياسي.
ولا يزال الوضع على حاله بعد عشرة شهور من ثورة يناير. وكذا الحال مع عدم خروج الحسابات الختامية للموازنة-وهي الوثيقة التي توضح فعليًا ما تم إنفاقه خلال العام المالي-خروجها متأخرة بسنة أو سنتين رغم أن القانون ينص على ضرورة إعدادها ونشرها في خلال ستة شهور فحسب من انتهاء السنة المالية.
والزائر لموقع وزارة المالية اليوم يجد أن آخر حساب ختامي متاح هو الخاص بسنة 2009 رغم أننا في منتصف سنة 2011 ماليًا (تنتهي في أول يوليو القادم). ومن ثم فإن تفاعل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان كحال المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مع الإعلانات ذات الطابع العالمي كإعلان دار السلام إنما هو تواصل مع المعركة العالمية من أجل توزيع الدخل والثروة بشكل عادل ومكافحة الفقر وعدم المساواة والحد من الفساد في العالم الثالث. وهو استحضار لمبادئ عالمية محل اتفاق من المجتمع المدني، والكثير من حكومات العالم التي تبتغي المزيد من الديمقراطية الحقيقية، وتبني سياسات عامة تصب في صالح الغالبية الكبيرة من المواطنين، الذين عادة ما لا يستفيدون بشكل يذكر من برامج الدعم والإنفاق على الصحة والتعليم على الرغم من الإدعاء بأنهم المستهدفون من ورائها.