ساعات الفتنة: مشاهدات حية حول الاشتباكات الطائفية في إمبابة
هذا المقال تصف سارة كار، الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مشاهداتها ليلة أمس خلال المصادمات العنيفة بين المسلمين والمسيحيين بمنطقة إمبابة، والتي أسفرت حتى الآن عن مصرع 12 شخصاً وإصابة ما يزيد عن مائتين.
تقع كنيسة مار مينا في شارع الأقصر على طول شارع غير معبد قبالة منطقة تتشكل من عدد كبير من الأزقة الصغيرة التي تمثل حي إمبابة.
ومن ثم لا يخاطر سائقو التاكسي بتخريب هياكل سياراتهم على هذا الطريق، وهو ما يجعل من الطبيعي أن تتولى مركبات التكتك نقل الركاب بين المطبات والحفر،إذا.
وصلنا في حوالي الساعة 11 مساء، ووجدنا حشدا من الناس قد تجمع على بعد نحو مئة متر من الكنيسة، يعيقون ثلاثا من عربات نقل الجنود المصفحة التابعة للجيش، كما يحولون دون طابور من قوات الأمن المركزي المسلحين بالهراوات والغاز المسيل للدموع ودون تقدمهم للأمام.
لكنهم فيما يبدو لم يكونوا يفعلون شيئا، وكانت أصوات الطلقات النارية تنطلق بشكل منتظم من وراء هذا الحائط البشري.
تحدثنا إلى رجل يدعى أمير موريس عزيز قال إنه شهد الأحداث منذ بدايتها في الرابعة مساء، وقال لنا : جماعة مسلحة من السلفيين هاجمت الكنيسة "لأنهم يريدون المرأة التي تحولت إلى المسيحية."
وأضاف عزيز "إنهم يقولون إن القساوسة يحتجزون المرأة داخل الكنيسة."
واتفق جميع من تحدثنا إليهم على أن الأحداث بدأت بالشكل نفسه، بشائعة عن أن امرأة يقال إن اسمها "عبير" تحولت إلى الإسلام ثم تزوجت مسلما قد خطفت واقتيدت إلى كنيسة مار مينا.
كتبت "زينوبيا" على مدونتها "يوميات مصرية" إن شائعة الخطف ظهرت على موقعي فيسبوك وتويتر، حيث حث مستخدم على تويتر باسم @masrislam الناس على الذهاب إلى "كنيسة في شارع الأقصر" حيث "أن أختا مسلمة قد خطفت". وحملت التدوينة القصيرة على تويتر وسم #anasalafi (أنا سلفي).
وأشارت زينوبيا أيضاً إلى أن الشائعة الخاصة بعبير بدأت بعد ساعتين من مقابلة أجريت مع كاميليا شحاتة – السيدة التي يزعم السلفيون أنها تحولت إلى الإسلام عن المسيحية لكنها محتجزة رغما عنها في الكنيسة – بثتها قناة الحياة التلفزيونية المسيحية. وخلال المقابلة نفت كاميليا شحاتة تحولها عن دينها مطلقا.
وقال عزيز إن الجماعة عندما احتشدت عند الكنيسة وقع إطلاق نار و"دخلوا منازل المسيحيين وألقوا أثاثهم من النوافذ."
وأضاف أن الشرطة وصلت حوالي الساعة السادسة مساء، وأن الجيش وصل بعد ذلك بحوالي ساعة ونصف الساعة "لكن بلا فائدة. فهم لم يعرفوا كيف يسيطرون على الناس أيضا."
وبعد وقت قصير من حديثنا إلى عزيز اصطف طابور من نحو مئة من عناصر الأمن المركزي في صف في انتظار اختراق الكوردون باتجاه الكنيسة.
كما ظهرت بين الحشود عناصر من جهاز أمن الدولة الذي جرى حله من الناحية النظرية.
وقد استبدل جهاز أمن الدولة، المعروف بتدخله في الشؤون السياسية المصرية وسحقه الوحشي للاحتجاجات السياسية السلمية وتعذيبه لمن يصنفون على أنهم "إسلاميون" بجهاز الأمن الوطني، وهو جهاز أمني يملك تفويضا أقل بكثير من سلفه المنحل.
رأيت هذا الضابط مصحوبا بأربعة رجال، بينما يغادر الحشد بالقرب من الكوردون ليجلس في بهو بناية قريبة. وفي الحشد نفسه استوقفني رجل يرتدي بذلة كاملة قدم نفسه بصفة "رئيس القسم الإعلامي بمديرية الأمن". وعاملني الرجل معاملة "الأخ الأكبر" ونصحني بالمغادرة لأنه "قلق على سلامتي" لكن بمواجهته الجادة تنحى جانبا.
وفي لحظة ما تجمع الحشد حول رجل يرتدي ما يمكن أن يوصف "بالملابس السلفية" – الجلباب الأبيض القصير واللحية – وهو يتحدث إلى رجل شرطة بالملابس المدينة (ضابط بالمباحث الجنائية وليس الأمن الوطني). و حال الزحام دون استماعنا لما دار لكن ما قيل هو أن ما جرى كان "تفاوضا" لإنهاء الأحداث.
ومع استمرار إطلاق النار تصاعدت الهتافات على مراحل : "المسلمين والمسيحيين إيد واحدة" من جمع صغير في الحشد.
بينما صرخت امرأة تلبس النقاب ويغلب عليها الانفعال استنكاراً للأحداث، فيما تساءلت أخرى عن سبب ما يحدث بينما كان "المسيحيون والمسلمون متحدين خلال الثورة."
تحدثنا إلى عدد قليل من المسيحيين في الحشد لكن من الملاحظ أنهم كانوا يحاولون التخفي وبدا عليهم القلق.
وبالاقتراب من الكوردون رأينا جنديا من قوات الأمن المركزي محمولا وقد بدا عليه أنه فاقد الوعي.
وقال زميل صحفي إنه لدى مغادرته للمكان وأمام الكنيسة مباشرة تعرض لهجوم على يد نحو عشرة محتجين مسلمين" اتهموه بأنه جاسوس. وأطلق جندي النار في الهواء لتفريق التزاحم.
وأضاف الصحفي أن المحتجين أخبروه أنه تعرض للهجوم "لأنهم ظنوه مسيحيا."
وسمعنا أحد الواقفين واسمه أشرف بينما كنا نتحدث عن كيفية المرور من الكوردون، فتطوع بأخذنا عبر الشوارع الخلفية إلى المنطقة التي تقع وراء الكنيسة. لكنه في الوقت نفسه حذرنا "لا يهمني إن كنتم مسيحيين أو مسلمين لكن إذا سألكم أحد فقولوا إنكم مسلمون حتى لو لم تكونوا مسلمين."
وعلى الرغم من الكوردون المحكم الذي فرض على الفور أمام الكنيسة، لم يكن هناك وجود أمني بالمرة في الشوارع الخلفية. ولما مضينا أبعد من ذلك، ارتفعت أصوات إطلاق النار حتى وجدنا أنفسنا نقف تحت ظهر الكنيسة، بينما وقفت مجموعة صغيرة من الرجال في الركن. ومع عبورنا للزقاق الذي المتاخم لجانب الكنيسة رأينا الشارع وقد غطاه الدخان الأسود.
وتقول التقارير التي ظهرت في وقت لاحق إن النيران قد أضرمت في بناية قريبة من الكنيسة تتألف من سبعة طوابق يسكنها مسيحيون. وقال صديق إنه رأى أشخاصا يقفزون من البناية هربا من الحريق.
واصطحبنا أشرف إلى بناية بالقرب من الكنيسة أخبرنا أننا يمكننا أن نصور منها. ومع اقترابنا سمعنا أصوات فرقعات وطرقات صادرة من الطابق الأرضي في بناية عند زاوية الزقاق. كان هناك مئات الأشخاص بالداخل يحطمون مقهى يملكه المسيحي عادل لبيب. وقيل أيضا إن المحتشدين هاجموا مخبزا يملكه مسيحي. ولم نتمكن من رؤية المحال الأخرى التي تعرضت لهجوم. (فيديو)
وكان الحشد الذي يهاجم المقهى في البداية من الشبان صغار السن. وكان من بينهم رجل واحد فقط يرتدي ملابس السلفيين. ويبدو أن الهجوم – على الأقل في الوقت الذي وصلنا فيه – لم يكن يتم بأيدي سلفيين، على الأقل ليس في مراحله الأخيرة.
وشاهدت اثنين من رجال الأمن المركزي داخل المقهى. ولم يتضح ما كانا يفعلانه بالداخل. لكنهما لم يكونا يحاولان وقف الحشد عن تحطيم المكان.
وكانت هناك عربة مصفحة فيها جنود تقف على بعد 20 مترا من المقهى وكان هناك المزيد من قوات الأمن المركزي تقف مباشرة خارج المقهى، وكانت هذه القوات أيضا تقف دون أن تحاول التدخل.
ووقف طابور من جنود الجيش في كوردون أبعد على طول هذا الزقاق. ثم رأينا جنديا يطلق النار من سلاحه (إلى الخارج نحو المكان الذي يوجد فيه الاحتجاج خارج الكنيسة). ويبدو أنه كان يطلق النار في الهواء، على الرغم من أن الظلام منعنا من التحقق على وجه الدقة من مسار الطلقة، كما لم يتضح نوع الطلقات المستخدمة.
وبمغادرة البناية عدنا مرة أخرى إلى الكوردون قرب الكنيسة وقد تضاءل حجم الحشد عند هذا الوقت (نحو الواحدة والنصف صباحا). لكن في لحظة بدأ الحشد يهتف "لا إله إلا الله" بينما قام المحتجون بمحاولة فاترة لاختراق الكوردون.
غادرنا حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا. وفي طريقنا للذهاب نادانا أشرف وقال إن كنيسة أخرى في إمبابة في شارع الوحدة قد اشتغلت فيها النيران.
بعد مئة يوم بالتمام من الثورة – عندما نسى المصريون لفترة توتراتهم الطائفية – وردت التقارير عن مقتل 12 شخصا وإصابة العشرات وتدمير منازل ومتاجر يملكها مسيحيون. وأعلن الجيش اليوم اعتقاله لعدد 190 شخصا على خلفية الأحداث وأنهم سيحاكمون أمام محاكم عسكرية. لكن السؤال يبقى، لماذا بدت السلطات ساكنة بينما هاجم محتجون بعنف كنيسة مار مينا لساعات.